جولة ترامب الآسيوية: ماذا وراءها؟

جولة ترامب الآسيوية: ماذا وراءها؟

توجه الرئيس، دونالد ترامب، إلى آسيا، في أطول جولة يقوم بها رئيس أمريكي إلى هذه القارة، منذ أكثر من ربع قرن. الجولة التي امتدت من 5 إلى 14 تشرين الثاني، شملت خمسة دول، حيث بدأت في اليابان وانتهت بالفلبين، وتوقف خلالها في كل من كوريا الجنوبية والصين وفيتنام.

الجولة التي أُعلن الهدف منها تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية، واجهت انتقادات عديدة، حيث اعتبرت العديد من الصحف والمصادر الإعلامية، بأن ترامب عاد إلى بلاده من آسيا مع عدد قليل من الانتصارات الواضحة، بينما اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن ترامب سلم القيادة العالمية الأمريكية لدولة أخرى.
المجمع الصناعي العسكري أولاً
عقب عودته، أكد ترامب في خطاب ألقاه، تضييقَ الخناق على كوريا الديمقراطية، ودعمَ اتفاقات التجارة المشتركة مع البلدان الآسيوية، فهل استطاع فعلاً تحقيق ذلك؟
بدايةً، يمكن القول: إن جوهر زيارة ترامب وهدفها الأساسي كان إنعاش المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وبيع الأسلحة، وليس تعزيز السلام والعلاقات الدبلوماسية كأولوية. حيث يمكن الاستشهاد هنا بما قاله، ترامب، حرفياً خلال مؤتمر صحفي عقد في طوكيو مع رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، بأن الأخير «سوف يبعد صواريخ كوريا الشمالية عن السماء عندما يكمل شراء الكثير من المعدات من الولايات المتحدة، أحد الأمور الهامة جداً هو أن رئيس الوزراء آبي سيشتري كميات ضخمة من المعدات العسكرية الأمريكية، كما ينبغي. نحن نبذل قصارى جهدنا حتى الآن ... إنها تعني الكثير من فرص العمل بالنسبة لنا، والكثير من السلامة لليابان».
من جهة أخرى، كانت البحرية الأمريكية قد أعلنت، قبل أيام على جولة ترامب، بأن حاملة طائرات وصلت إلى غربي المحيط الهادي، لتنضم إلى الحاملتين الموجودتين هناك، في الوقت الذي تجري القوات البحرية الأميركية واليابانية والكورية الجنوبية، تدريبات مشتركة تهدف إلى تحسين الدفاعات المضادة للصواريخ الباليستية.
وهنا يمكن القول: إن هدف الخطاب التصعيدي للولايات المتحدة الأمريكية ضد كوريا الديمقراطية، وتعظيم التهديد الذي تشكله في المنطقة، هو تعزيز التسلح، والوجود الأمريكي فيها، في محاولة لتحريك المجمع الصناعي العسكري الأمريكي.
الإرادة الصينية
بالمقابل، فإن المساعي الأمريكية لحشد الجهود الآسيوية ضد كوريا الديمقراطية لم تلق الاستجابة الصينية المأمولة أمريكياً، التي تسعى إلى حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، وبالتالي فشل في الوصول إلى إجماع بين قادة الدول الآسيوية على آلية تصعيدية لمواجهة برنامج بيونغ يانغ النووي.
وكانت بكين قد أعلنت، عقب جولة ترامب، بأنها سترسل إلى بيونغ يانغ مبعوثاً خاصاً للرئيس شي جين بينغ، بهدف إبلاغها بالتطورات التي شهدها المؤتمر العام الذي عقده الحزب الشيوعي الصيني مؤخراً، وعلى الرغم أن الصين صوتت على العقوبات الأخيرة التي أقرتها الأمم المتحدة ضد كوريا الديمقراطية، إلا أن واشنطن تطلب من الصين المضي أبعد من ذلك وقطع شريان بيونغ يانغ الاقتصادي.
لا يمكن تجاهل الصين اليوم كلاعب أساسي في العلاقات الدولية، وعليه فإن المساعي الأمريكية في شرق آسيا، ستصطدم حكماً بالإرادة الصينية، ووزنها السياسي والاقتصادي، وخاصة أن الاقتصادي الأمريكي المأزوم، لا يمكن له أن يقطع الصلة مع دولة بحجم الصين، في الوقت الذي وصلت فيه الاتفاقات التجارية بين البلدين، خلال زيارة ترامب الأخيرة، إلى ما قيمته 253.5 مليار دولار، وكان الرئيس الأمريكي قد أشار بأن الاتفاقات التي تم توقيعها خلال هذه الجولة ستنعكس بشكل ايجابي على السوق الأمريكية الداخلية.
آبيك وآسيان
تضمنت زيارة ترامب أيضاً حضوره لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي «آبيك» في فيتنام، حيث أصدر بياناً مشتركاً مع الرئيس بوتين حول سورية، أكدا فيه أن التسوية النهائية للأزمة السورية يجب أن تكون في إطار مفاوضات جنيف، وعلى أساس قرار مجلس 2254، بالإضافة إلى حضوره قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان» في مانيلا الفلبينية، مشاركاً في الذكرى المئوية الخمسين لتأسيسها.
وعموماً ما يمكن استخلاصه من جولة ترامب الآسيوية، هو أن مشروع الولايات المتحدة الأمريكية التقليدي بتأجيج التوتر عالمياً، يصطدم اليوم بقوة بجدار التوازن الدولي الجديد من جهة، وبمفاعيل الأزمة الاقتصادية الرأسمالية من جهة أخرى، فلا هي قادرة على تمرير مساعيها التصعيدية بفعل الإرادة الصينية والروسية، ولاهي قادرة على الوقوف في وجهها بسبب ضعفها الاقتصادي، الذي يحد من قوتها، ويجعل من إنعاش المجمع الصناعي العسكري، والحصول على صفقات تجارية، قوتاً تلهث وراءه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
837