العالم الجديد: متكامل_ عادل_ شرقي

العالم الجديد: متكامل_ عادل_ شرقي

تزداد المشاريع التي من شأنها ربط أجزاء عديدة من العالم ببعضها البعض بشكل متسارع، وإذا كان منطق العولمة السائد خلال العصر النيوليبرالي قد عمل مطولاً على الاندماج العالمي، وروّج كثيراً لفكرة: أن العالم قد أصبح قرية صغيرة، فإن منطق الترابط اليوم الذي تقوده دول الشرق الصاعدة مختلف تماماً، فهو غير قائم على تطوير وتثبيت أدوات نهب المركز الرأسمالي لدول الأطراف، بل على العكس، هو يسعى إلى التطور والتعاون المتبادل والمتكامل.

ينبغي أولاً: توضيح الفارق النوعي بين ما يمكن تسميته الترابط والاندماج العالمي من منطق دول المركز الرأسمالي، وبين الترابط الذي تعمل عليه اليوم دول الشرق، وذلك من حيث الأدوات والغاية، فالأول: أداوته على شكل استثمارات مالية وخدمية، هدفها امتصاص الفائض في دول الأطراف لتزداد فقراً، ونقله إلى دول المركز لتزداد غنىً، وإلى تثبيت التبادل اللامتكافئ في العمالة والكفاءات العلمية والتكنولوجيا وغيرها، وإلى طمس الهويات الثقافية...أما الثاني: فهو قائم على التعاون المتبادل في تطوير البنى التحتية، وقطاعات الاقتصاد الحقيقي، من نقل وطاقة وصناعة وزراعة وغيرها...وعلى إحياء الثقافات المحلية وتبادلها، الأمر الذي من شأنه النهوض بالدول المشاركة جميعها وتنميتها...

مركب يتسع للجميع
تتعدد الأمثلة على نموذج مشاريع التعاون العالمي الجديد، وتقوده الصين بشكل أساس، مع دور روسي محوري، بسقف طموحٍ عالٍ، يهدف إلى ربط القارات الثلاث_ آسيا وافريقيا وأوروبا_ ببعضها البعض، ويدور الحديث مؤخراً عن إمكانية الوصول إلى القارة الأمريكية. تلك المشاريع أبطالها دول لطالما صنفت على أنها نامية ودول عالم ثالث، بينما تتهافت دولٌ أخرى من تصنيفات أخرى، على اللحاق بالركب، كألمانيا مثلاً.
ابتداءً بمشروع «طريق الحرير» الجديد الضخم، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وليس انتهاءً بمشاريع سكك الحديد، لا يزال الباب مفتوحاً أمام المزيد من الراغبين في التوجه شرقاً، والنجاة من مركب المركز الغربي الرأسمالي الغارق، ويبدو أن آفاق التعاون غير محدودة، وتحمل الكثير من الأدوات الخلّاقة.
لا يسعنا هنا تغطية تلك المشاريع، لكثرة عددها، واتساع تفاصيلها، ولكن نظرة سريعة على تطورات هذا السياق خلال الأسبوع الفائت فقط، قد تتيح لنا الإحاطة بالوتيرة السريعة لتطور هذا النموذج من التعاون والترابط، وفيما يلي بعض الأمثلة...

من الصين إلى غرب أوروبا
في 1 تشرين الأول الماضي، دشنت أذربيجان وجورجيا وتركيا، خطاً للسكك الحديد يربط الدول الثلاث، هدفه اختصار الوقت الذي تستغرقه الرحلة من الصين إلى غرب أوروبا، ويربط الخط البالغ طوله 826 كم بين باكو وتبليسي ومدينة قارص في شمال شرق تركيا، وبعد مغادرتها الصين، ستعبر القطارات كازاخستان في آسيا الوسطى ثم تنقلها عبّارات عبر بحر قزوين إلى باكو قبل أن تنطلق إلى غرب أوروبا عبر جورجيا وتركيا. وقال الاتحاد الأوروبي، في بيان: إن افتتاح خط سكة الحديد خطوة مهمة في روابط النقل بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وجورجيا وأذربيجان، عبر «طريق الحرير» القديم، هذا وبالإمكان نقل 5 ملايين طن من البضائع سنوياً، ومن المتوقع أن تزيد إلى 17 مليون طن خلال عام، كما أن الخط الجديد الذي بلغت كلفته مليار دولار يمكنه نقل ما يصل إلى مليون راكب سنوياً.

4 قارات لا 3 فقط
في 2 تشرين الثاني الحالي، أفادت وسائل الإعلام، نقلاً عن النائب الأول لوزير التجارة الخارجية والاستثمار الصيني: أن كوبا تسعى لزيادة حجم تجارتها مع الصين، والانضمام لمبادرة الحزام والطريق، كرابط إقليمي محتمل لنشر المبادرة بأنحاء أمريكا اللاتينية والكاريبي. وهو ما يعني فتح الباب لإمكانية توسيع «طريق الحرير» الجديد إلى أمريكا الجنوبية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن علاقات التعاون بين الصين ودول أمريكا اللاتينية هي في تطور مستمر.

دور روسي إيراني
وأيضاً في 2 تشرين الثاني الحالي، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك قوله: إن روسيا وإيران ستعدّان في نهاية العام إطاراً قانونياً لمشروع يهدف إلى توصيل الغاز الطبيعي من إيران إلى الهند، وستبدآن التنفيذ عملياً في 2018. وفي اليوم السابق كان قد أعلن رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية، علي أكبر صالحي: أن محطتين نوويتين سيبدأ بناؤهما رسمياً في مدينة بوشهر جنوب إيران، في إطار التعاون الروسي الإيراني.
مما سبق، يمكن القول: إن التعاون الدولي وفق النموذج الجديد لدول الشرق الصاعدة، قائم على تحقيق المنفعة المتبادلة والحقيقية بين الدول والحكومات الداخلة في العملية، وليس إلى تأمين حرية حركة رؤوس الأموال ومصالح أصحابها فقط، على غرار النموذج الرأسمالي السائد خلال الحقبة الماضية.  

معلومات إضافية

العدد رقم:
835