هل تتوسع «واحات» الإرهاب في مصر؟

هل تتوسع «واحات» الإرهاب في مصر؟

استحوذت حادثة «الواحات البحرية»، كما درجت تسميتها داخل مصر، على اهتمام الأوساط الشعبية والحكومية، لهول المواجهة التي لقيتها أجهزة الأمن المصرية في الاشتباكات الحاصلة عند منطقة «الكيلو 135»، على طريق الواحات، جنوب غرب محافظة الجيزة، مما يستدعي إعادة تقييم هذا الكم الهائل من التهديدات الإرهابية داخل الأراضي المصرية، ومستوى تصاعدها المستمر منذ عام 2012، في منطقتين رئيستين، سيناء في الشمال الشرقي، ومنطقة الصحراء الغربية باتجاه الحدود المصرية-الليبية ...

فادي خضر
بيان وزارة الداخلية المصرية أعلن استشهاد 16 عنصراً من قوات جهاز الأمن الوطني، ومباحث الأمن العام، وعناصر التدخل السريع، منهم 11 ضابطاً، وأربعة مجندين ورقيب شرطة، وإصابة 13 آخرين، في الوقت الذي ذكرت فيه تقارير صحفية نقلاً عن «مصادر أمنية مصرية» وشهادات جرحى المعركة، وصول عدد الشهداء إلى حوالي 58 شهيداً...
معارك مكتملة الأركان
بحسب بيان الداخلية نفسه، فإن العملية التي قامت بها قوات الأمن المصرية، ارتكزت على معلومات واردة إلى قطاع الأمن الوطني، حول اتخاذ مجموعة من العناصر الإرهابية، من إحدى المناطق بالعمق الصحراوي بـ «الكيلو 135»، مكاناً للاختباء والتدريب والتجهيز للقيام بعمليات إرهابية، هذه المعلومات التي أعلنتها الداخلية المصرية، عن أسباب العملية العسكرية في الواحات، تشابه إلى حد ما أسباب عملية أخرى حدثت في 22 تموز الماضي، في منطقة قريبة من «الكيلو 135»، والتي أيضاً استندت إلى معلومات، مفادها: أن معسكراً صغيراً لتدريب عناصر «حسم»، المدعومة من حركة «الإخوان المسلمين»، تواجدت في جنوب الجيزة، وأسفرت العملية حينها عن مصرع 8 من عناصر الحركة المذكورة، وهنا يمكن القول: إن قوات الأمن المصري اعتبرت أن نجاح العملية الأولى في 22 تموز، يمكن تكراره بالطريقة نفسها في فيما عرف بـ «حادثة الواحات»، يوم الجمعة 20 تشرين أول الحالي.
النتيجة كانت مأساوية على القوات المصرية المشاركة في العملية، حيث وقع المهاجمون في كمين محكم أعده إرهابيو حركة «حسم»، التي أعلنت مسؤوليتها عن العملية في وقت لاحق.
وبحسب معلومات متقاطعة، أوردتها تقارير صحفية، فإن عناصر «حسم» الإرهابية، استخدمت في هذا الكمين أسلحة آلية وقنابل يدوية، وقذائف مضادة للدروع، ومدافع «غرينوف»، وهو ما لا يشابه التجهيزات التي بحوزة المجموعات الصغيرة التي يداهمها الجيش والأمن المصري من حين لآخر في تلك المنطقة، وتشابه هذه العملية فيما استخدم من عتاد، عمليات كبيرة أخرى مثل: عملية «أنصار بيت المقدس»، في تموز 2014، ضد قوات حرس الحدود في منطقة الفرافرة، وعملية أخرى كبيرة أيضاً قام بها تنظيم «جنود الخلافة»، في كانون الثاني من العام الماضي، والتنظيمان كلاهما، أجنحة لتنظيم «داعش» الإرهابي، فيما يعرف بـ«ولاية سيناء».
مما سبق يمكن اعتبار حادثة «الواحات البحرية»، كميناً مرسوماً بدقة لاستهداف قوات الأمن المصرية، وليس عملية رد فعل تقوم بها المجموعات الإرهابية في الصحراء الغربية، فأعداد عناصر «حسم» الإرهابية، المشاركة في العملية قاربت المئة عنصر، وغزارة النيران التي تعرضت لها القوات المصرية، تؤكدها تسجيلات صوتية لنداءات الاستغاثة التي أصدرتها القوات المحاصرة، وبالتالي يمكن تخيل حجم التنظيم والإعداد الذي وصلت إليه تلك المجموعات الإرهابية في الصحراء الغربية، والموصولة مع الأراضي الليبية، عبر حدود طويلة تقارب «1200 كم».
هذه العملية من شأنها موضوعياً دفع أجهزة الدولة المصرية إلى إعادة النظر في آليات التصدي للإرهابيين وفق المعطيات الجديدة، وتحديداً في منطقة الصحراء الغربية، بعد أن كان ثقل الاهتمام المصري متوجهاً في المعركة ضد الإرهاب اتجاه سيناء، لكن كما يقول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقائه مع «فرانس 24» الفرنسية يوم الاثنين 24 تشرين أول الحالي: «لا أحد يستطيع تأمين حدود تمتد 1200 كيلومتر في مناطق صحراوية مئة في المئة»، وهو ما يبدو منطقياً بالمعنى العسكري، إذاً كيف يمكن التعامل مع هذا النوع من الاعتداءات التي لا تبدو أنها الأخيرة داخل الأراضي المصرية ؟
ارتدادات الأزمة الإخوانية
سياسياً، يأخذ تنظيم «الإخوان المسلمين» على عاتقه مسؤولية العملية الأخيرة، عبر إحدى جماعاته المسلحة «حسم»، من هنا يمكن القول: إن قرار تصعيد العمليات الإرهابية داخل مصر، هو قرار يتعدى كونه متعلقاً بجناح «الإخوان» في مصر وحدها، بل يتعلق بحركة الإخوان في ليبيا أيضاً، وربما في تونس وبعض الجماعات المماثلة في الجزائر، على اعتبار أن هذا التنظيم يعمل ضمن رؤى دولية_ إقليمية محددة الأهداف، لكن ما الذي يدفع الإخوان إلى زيادة نشاط الجماعات المسلحة المرتبطة بها، والتبني العلني لهذه العمليات بعد أن كانت موكلة إلى أجنحة «داعش» في مصر ؟
أولاً: بوسعنا التأكيد على تقاسم الأدوار بين الجماعات الإرهابية بغض النظر عن تبعيتها السياسية، فالتخادم هنا حتمي بين «أنصار بيت المقدس»، و«جنود الخلافة» و«حسم» الإخوانية، والتي تعمل كلها بطرق متشابهة وضمن مناطق انتشار متداخلة على الحدود الغربية والشمالية الشرقية لمصر.
ثانياً: يبدو خيار «الإخوان» هذا تعبيراً عن أزمة التنظيم وانحسار نفوذه السياسي تدريجياً في شمال إفريقيا، وتحديداً بعد الضربات التي تلقاها في أكبر معقلين له، مصر وليبيا، والمشترك في الخسارتين، هو الدور المصري في خنق التنظيم سياسياً وعسكرياً سواء داخل مصر، أو في طرابلس الليبية.
كما أن عودة مصر مؤخراً إلى القضية الفلسطينية، شهدت تسارعاً في التنسيق بين حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، والسلطات المصرية، فيما يخص الأوضاع الأمنية في سيناء، وهو ما يعني تضييق الخناق وتسهيل عمليات الجيش المصري ضد التنظيمات الإرهابية هناك، علاوة على انخفاض وزن «الجناح الإخواني» داخل المكتب السياسي لحركة «حماس»، وفق التغيرات المتسارعة داخل صفوف الحركة، و تطبيع علاقاتها إقليمياً مع مصر وإيران.

يمكن فهم الرسائل «الإخوانية» في الداخل المصري، باعتبارها ردود أفعال على الأوضاع التي تمر بها الحركة، لكن هذا لا يعني بأيةِ حال من الأحوال أن الدولة المصرية، في مأمن من الاستهدافات الأمنية المتكررة، والسبب في ذلك أن انحسار الجماعات الإرهابية المتطرفة في شرق المتوسط بسرعة كبيرة نسبياً في الأشهر الماضية، يعني انتقال هذه القوى إلى أماكن أخرى، وهو ما بدأ فعلاً وفقاً لتقارير غربية متتابعة، حول انتقال تنظيم «داعش» الإرهابي إلى أفغانستان وليبيا بشكل رئيس، بالتالي فإن مصر مرشحة لأن تنال حصتها من قوى الفاشية الجديدة المدارة بالمعنى الدولي، والتي لا يتعدى تنظيم «الإخوان المسلمين» كونه ذراعها الإقليمي في المنطقة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
834