«المصالحة الفلسطينية» خطوة غير مكتملة

«المصالحة الفلسطينية» خطوة غير مكتملة

وُقّع اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركة «حماس» والسلطة، يوم الخميس 12/10/2017 في القاهرة، في جو يسوده التفاؤل، حيث اعتبر الطرفان أن الاتفاق هو إنجاز وطني غير مسبوق، قد يطوي صفحة الانقسام للأبد، بعد خلافٍ دامَ حوالي عشر سنوات، ومحاولات عدّة لم تنجح في تحقيق المصالحة.

لا شك أن حلّ الخلاف الداخلي الفلسطيني، من حيث المبدأ، هو استحقاق وطني لا بدّ منه، وأن التوافق بين الأطراف السياسية المختلفة، هو خطوة هامة في مسيرة النضال ضد الاحتلال، ولكن يبقى اعتباره إنجازاً حقيقياً مرهوناً بتثميره في الاتجاه الصحيح، وقدرته على توحيد الشعب الفلسطيني ككل ضمن رؤية وطنية، تفضي في نهاية المطاف إلى استعادة حقوقه التاريخية في المعركة مع الكيان الصهيوني. في هذا السياق لابد من الوقوف عند بعض حيثيات الاتفاق، تفاصيله وتوقيته...
في تفاصيل الاتفاق
لم يُعلن من الاتفاق حتى الآن سوى خطوطه العريضة، وفي حقيقة الأمر ما تم التوصل إليه مؤخراً في القاهرة ليس بالاتفاق الجديد، بل تم التفاهم على الآليات العملية والآجال الزمنية لتطبيق «اتفاق القاهرة» السابق الذي تم إنجازه عام 2011. يشمل الاتفاق الحالي بندين أساسيين هما: الحكومة وضمنها «القضاء، النيابة العامة، ديوان الموظفين، الرتب العسكرية وجميع الهيئات الأخرى»، أما البند الثاني فهو المعابر والحدود.
وينص الاتفاق على تمكين حكومة «الوفاق» من إدارة شؤون قطاع غزة والضفة، في موعد أقصاه الأول من ديسمبر القادم، مع العمل على إزالة المشاكل كافة الناجمة عن الانقسام. كما أفادت وسائل إعلام عن مصادر مطلعة بأن حركتي «فتح» و«حماس» اتفقتا على تسليم معبر «رفح» لحكومة «الوفاق» تحت إشراف وإدارة الحرس الرئاسي. من جهة أخرى، وجّهت مصر دعوة لجميع الفصائل الفلسطينية لحضور اجتماع في القاهرة في 21 تشرين الثاني القادم. بالمقابل، لم يتم حتى الآن الإعلان عن اتفاقات حول مآل السلاح الذي تمتلكه «حماس»، أو عن الرؤية المشتركة لمقاومة العدو، أو التفاوض معه، وهي نقاط جوهرية يبقى الاتفاق ناقصاً بغيابها.
تفاهمات الضرورة
ثمة اليوم، العديد من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، التي شكلّت مجتمعة الدفع الكافي لملف المصالحة، والتي تمثّلت بدايةً بمبادرة «حماس» إعلان حلّ «اللجنة الإداريةً» في غزة، لتلقى الاستجابة الكافية من السلطة، ضمن رعاية مصرية مناسبة، دون عراقيل من الأطراف الدولية الداعمة للكيان الصهيوني، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
يمكن القول هنا: إن الطرفين المعنيين بالمصالحة كليهما يواجهان اليوم أزمة وصعوبات مرتبطة بتأثير تغير موازين القوى الدولي، أي: تراجع القوى الكبرى تاريخياً مقابل صعود قوى جديدة. وهو ما يمكن التعبير عنه بالملموس بتراجع الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعني من جهة، تراجع الدول والحركات المرتبطة بها والتابعة لها، مثل: دول الخليج وتركيا وحركة «الإخوان المسلمين»، أي تراجع القوى الداعمة تقليدياً على الصعيد السياسي والمالي، للأطراف الفلسطينية المختلفة سواء «حماس» أو السلطة. ومن جهة أخرى، عجز الولايات المتحدة عن الدفاع عن مصالح الكيان الصهيوني في المنطقة، بالطريقة والمستوى والأدوات المعهودة، ومن ضمنها إعاقة أية محاولات للوصول إلى المصالحة الفلسطينية. بالمقابل فإن صعود دول مثل: روسيا والصين، وتنامي مشروعهما القائم على إطفاء بؤر التوتر حول العالم، سينعكس إيجاباً بطبيعة الحال على القضية الفلسطينية، وإن لم تظهر نتائجه بشكل مباشر وواضح حتى الآن.
أمّا على الصعيد الإقليمي، فإن تصاعد دور مصر الفاعل في ملفات عدة، بما فيها الفلسطيني والسوري، مرتبط بتراجع الدور التركي والخليجي، وتراجع ريع العائد النفطي، الذي تم تسخيره لعقود نحو نشر الفوضى في المنطقة. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن مصر لها مصلحة مباشرة بضبط الأوضاع في غزة المحاذية لسيناء وإدارة معابرها، في محاولة لتحصين أمنها القومي، والتخفيف من أزمة القطاع خوفاً من امتدادها نحو الداخل المصري.
الضغط الشعبي
داخلياً، يمكن القول: إن تصاعد الحراك الشعبي الفلسطيني مؤخراً، سواء من خلال إضراب الأسرى، أو حراك الأقصى وغيرها، قد نقل زمام المبادرة إلى الشعب الفلسطيني مجدداً، الذي قال كلمته بأنه لا تهادن مع العدو، بل التمسك بالمقاومة وإدامة الاشتباك معه، الأمر الذي عرّى الفصائل الفلسطينية جميعها، ووضعها تحت ضغط الشعب، من خلال تذكيرها بضرورة الالتزام بمقاومة العدو بالأشكال والأدوات المختلفة، وهو ما قد يفسر مضي الفصائل قدماً نحو إنجاز المصالحة_ على أهميتها_ في محاولة لتغطية العجز، وكسب التأييد الشعبي، ولكن استدامة هذا التأييد مرهون بنتائج المصالحة وانعكاساتها اللاحقة.
من جهة أخرى، فإن الوضع المعيشي المتراجع في القطاع والضفة، والذي تم التعبير عنه مؤخراً من خلال الإضرابات التي قام بها الموظفون والمعلمون للمطالبة بدفع الرواتب وزيادة الأجور، إضافةً إلى تردّي الخدمات الأساسية في غزة، مثل: الماء والكهرباء، نتيجة الحصار «الإسرائيلي» وتضييقات سلطة رام الله، وتحديات إعادة إعمار القطاع وتأمين التمويل اللازم له. هذا كله شكّل ضغطاً كبيراً على «اللجنة الإدارية» في غزة سابقاً، وسيحمّل الحكومة المقبلة، أياً تكن، أعباء ومهمات ليست بالسهلة سواء في القطاع أو في الضفة.
من هنا، فإن المجال بات مفتوحاً لتحول جذري في سياسة سلطة رام الله مع الكيان الصهيوني، وأهمها «أوسلو»، وانعكاساتها الأمنية والاقتصادية، التي لم ينجم عنها سوى سلطة قدراتها محدودة على القيام بمهام دولة، بمعزل عن التمويل والمساعدات الخارجية، والمهددة بالنضوب مع تراجع الدول المانحة واشتداد أزمتها، كذلك الأمر التزام أجهزة القوى الأمنية التابعة للسلطة ببسط «الأمن» في الأراضي التابعة لها، بالتالي، تقييد الشعب الفلسطيني في مقاومته ضد الاحتلال، وزيادة الاحتقان الشعبي.
((كتلة منفصلة)): تضع تلك المعطيات جميعها، الفصائل الفلسطينية بأطيافها جميعها، تحت ضغط الواقع، وأمام استحقاقات تسيير أمور شعب محاصر وتحرير أرضٍ والدفاع عن حقوقٍ، وقد أثبتت الوقائع أن مهام بهذا الحجم لا تستطيع أية قوى سياسية موجودة على الساحة الفلسطينية بشكلها وبرامجها الحالية، إنجازها بالشكل المطلوب، إن لم تقم بالتغيير اللازم، وتقدم التنازلات المطلوبة لصالح شعبها، بينما تلتزم في المقابل بالثوابت الوطنية. الأمر الذي عبّر عن نفسه باستدارة «حماس» الأخيرة، والذي قد ينسحب لاحقاً على فصائل أخرى. لذلك لابدّ من تثمير إنجاز المصالحة من خلال إشراك أطياف الشعب الفلسطيني جميعها، في وضع رؤية وطنية شاملة، تكون خارطة الطريق نحو حل القضية الفلسطينية على الأصعدة جميعها، والاستناد على خيار المقاومة الشاملة للاحتلال.

معلومات إضافية

العدد رقم:
832