موازنة 2018: احذروا التونسيين إن غضبوا!

موازنة 2018: احذروا التونسيين إن غضبوا!

تستعد الحكومة التونسية، لاعتماد إجراءات تقشفية جديدة في موازنتها لعام 2018 استكمالاً لما بدأته في موازنة العام الحالي، وهي السياسة الاقتصادية التي أعلنها بوضوح رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، قبل أيام من اعتماد موازنة 2017 على أن تستمر لثلاث سنوات حسب تعبيره، ولا تخفي أغلب الأوساط الاقتصادية والسياسية في تونس مخاوفها من نتائج هذه السياسات وانعكاساتها الاجتماعية، لكن الحكومة مصرّة على أنّ التقشف هو الخيار الوحيد الممكن في الظروف الحالية، فما هي تبعات تمرير الإجراءات المقترحة، وهل تصمد الحكومة الحالية في وجه الاحتقان الجماهيري ضد هذه السياسات؟

 

فادي خضر
في ظل اشتداد الأزمات الاقتصادية في تونس، اعتادت «النخب» الحاكمة على طريقة محددة في تخفيف حدة الغضب الشعبي بعد كل موجة إجراءات تقشفية كبيرة، عبر إقالة الحكومة وتعيين أخرى، لكن الحفاظ على السياسات الليبرالية نفسها، وبالتالي تبدو حكومة يوسف الشاهد مرشحة للعب دور الضحية لتمرير قانون المالية الجديد للعام القادم...
نتائج أقسى من التوقعات!
تعكس المؤشرات الاقتصادية التونسية عمق الأزمة التي خلقتها السياسات المتبعة، فمعدلات التضخم للعام الحالي وصلت إلى 5,7% خلافاً للتوقعات الحكومية بألّا تتجاوز 3.7%، ومعدلات البطالة بلغت 15% خلال الثلث الأول من هذا العام، وبنسبة كبيرة بين الأشخاص الحاصلين على الشهادات العليا. في المقابل ارتفع عجز الميزان التجاري خلال الأشهر الأولى ليتجاوز مبلغ 4 مليار دولار. وفقد الدينار 49% من قيمته أمام الدولار، منذ الحصول على أول قرض من صندوق النقد الدولي في عام 2013.
أي: أن السياسات الليبرالية المتبعة من قبل الحكومة، لم تستطع وقف التدهور الاقتصادي، بل ضاعفته خلال العام الحالي، وقانون المالية للعام المقبل يعني الاستمرار بالنهج نفسه، دون أي تحسين في موارد خزينة الدولة، بل بالاعتماد المستمر على قروض صندوق النقد الدولي، والسياسة الضريبية التي تستهدف الطبقات الفقيرة من الشعب التونسي، في هذا السياق يشير النائب عن «الجبهة الشعبية» المعارضة في البرلمان التونسي، الجيلاني الهمامي، في تصريح له أن «الإجراءات التي ستتضمنها الموازنة، تشمل تقليص النفقات المتعلقة بالأجور القديمة والتنمية، كما ستتضمن العديد من الإجراءات الضريبية لزيادة موارد الدولة، خاصة أن العجز في موازنة 2018 سيكون كبيراً جداً، ويصل الفارق بين الإيرادات والنفقات إلى حدود 11 مليار دينار».
تحالف السلطة والمال
اعتبر يوسف الشاهد رئيس «حكومة الوحدة الوطنية» والمرؤوسة من قبل حزب «نداء تونس» أنه لا خيار أمام حكومته في حال استمرار تراجع أداء الاقتصاد سوى تقليص النفقات، وتسريح بعض الموظفين، وفرض ضرائب جديدة، هذا ما قاله في آب عام 2016 لكن هل نجحت الحكومة منذ ذاك الحين في وقف التراجع؟
في الواقع، وصلت أزمة الاقتصاد التونسي إلى حدودٍ غير مسبوقةٍ، وأصبح تحصيل موارد خزينة الدولة هو من جيوب الفقراء بشكل أساسي، أي: الحلقة الأضعف!
في المقابل تشير المعطيات الأخيرة إلى مستوى عالٍ من الفساد داخل جهاز الدولة، والمرتبط بالأنظمة المتعاقبة منذ عهد الرئيس زين العابدين بن علي حتى اليوم، وإلى تحالفات قائمة بين الحكومة وحيتان الفساد، والمتمثلة مؤخراً بإقرار البرلمان التونسي الشهر الماضي، لقانون «المصالحة الإدارية» الذي ينص على إعفاء مسؤولين في فترة الرئيس السابق زين العابدين بن علي، والمتورطين في قضايا فساد، من الملاحقة القضائية.
الجدير بالذكر أن الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، هو من اقترح القانون، وأقره البرلمان بغالبية 117 عضواً، ينتمون إلى «حزب نداء تونس»، و«حركة النهضة الإسلامية»، بعد نقاشات حادة مع نواب المعارضة ومن بينها «الجبهة الشعبية» التي أعلنت في بيان صادر عن مجلسها المركزي، نيتها مواصلة التصدي لهذا القانون أولاً: عبر الطعن فيه لدى الهيئات القضائية المختصة، وثانياً: عبر تكثيف التحركات الميدانية بالتنسيق مع الأحزاب والقوى السياسية والجمعيات والمنظمات الشبابية الرافضة له، دفاعاً عن مسار العدالة وتمسكاً بمقاومة الفساد التي تمثل أحد أهم شعارات الثورة التونسية.
ضغط المؤسسات الدولية
لا يمكن عزل أزمة تونس الداخلية عن تأثيرات النظام الدولي ومؤسساته، وأبرزها: ضغط صندوق النقد على الحكومة الحالية، اتجاه نزع ما تبقى من الضوابط التي يملكها جهاز الدولة على الاقتصاد كشرط للإقراض، وذلك بحجة الفساد.
في هذا السياق نشرت «مجموعة الأزمات الدولية ICG» تقريراً لها تحت عنوان «الانتقال المعطّل في تونس : فساد مالي ونعرات جهوية»، وهو استكمال لجهود صندوق النقد الدولي اتجاه فرض تعديلات موسعة في هيكلية الاقتصاد التونسي، من بينها إزالة الحد الأقصى من التدابير التنظيمية التي تحد من نفاذ الشركات الأجنبية إلى الأسواق، مثل: تراخيص الاستثمار في القطاعات التي يتجاوز فيها رأس المال الأجنبي 50% والتراخيص المسبقة في بعض المجالات مثل: الصيد البحري، وآبار المياه وغيرها من المجالات الأخرى.
هذه الضغوط ليست بالجديدة من قبل صندوق النقد، الذي أصدر تقريراً في آذار من العام 2014، تحت مسمى «كل شيء في العائلة»، ينتقد فيه هيمنة حاشية بن علي على القوانين التنظيمية عن طريق استخدام أساليب غير أخلاقية ومعلومات مزورة، وفي قراءة للتقريرين المذكورين، نجد إغفالهما الواضح لفساد الشركات الأجنبية والامتيازات الهائلة التي تتمتع بها هذه الشركات.

لا تبدو «النخب» الحاكمة والمتحكمة بمفاصل الاقتصاد التونسي قادرة على مجابهة ضغوط صندوق النقد الدولي بشكل جدي، طالما أن مصالحها لاتزال قائمة ببقاء الفساد وبالتحالفات مع أصحاب رؤوس الأموال، ممّا يجعلها عاجزة عن تحقيق إيرادات تكفي لسد العجز المتزايد سنوياً في الميزانية، وبالتالي من المرجح أن الحكومة ستمضي قدماً بتطبيق الإجراءات التقشفية المقترحة، مما يفتح الباب واسعاً أمام دخول شرائح واسعة وإضافية من المجتمع التونسي في معركة مباشرة مع النموذج الاقتصادي الليبرالي المتبع في البلاد لسنوات، وليس فقط مع الحكومة، التي باتت مسألة استبعادها سقفاً منخفضاً، مقابل حجم التهديدات الاجتماعية التي تنتظر الشعب التونسي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
832