واشنطن- بروكسل:  من يقطع «شعرة معاوية»؟
مالك موصللي مالك موصللي

واشنطن- بروكسل: من يقطع «شعرة معاوية»؟

حالة من الترقب تسود المشهد الأمريكي الأوروبي، بعد اعتماد الولايات المتحدة مجموعة جديدة من العقوبات على روسيا. فهل تكون هذه العقوبات – التي تستهدف بتبعاتها دول الاتحاد الأوروبي أكثر مما يمكن أن تستهدف روسيا موضوعياً- القشة التي تقصم ظهر العلاقات الأمريكية الأوروبية؟

أصبحت التوقعات أكثر سوداوية عندما أعاد نظام أوباما إحياء «التهديد» الروسي، وهي ورقة الضغط التي جرى استثمارها على نحوٍ واسع ضد الدول الأوروبية التي لا تزال مواقفها من الموازين الدولية الجديدة أكثر ارتباكاً.
مخاطر التحالف مع الأمريكي
في ظل الظروف العادية، كانت الدول الأوروبية تصر على أن واشنطن يجب أن توقف استفزازها غير المبرر لروسيا. ولكن هذه «الظروف العادية» ظلت غائبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد أصبحت أوروبا بكاملها مرتبطة ببعضها البعض، وكانت الدول الأوروبية ملحقة، من حيث سياساتها الاقتصادية الاجتماعية، إلحاقاً ذيلياً بالموقف الأمريكي.
تستضيف أوروبا اليوم عدداً كبيراً من القواعد العسكرية الأمريكية، التي لا يمكن لعاقل أن يتخيل إلا أنها تهدد روسيا، وموجهة نحوها بالتحديد. وقد دعمت أوروبا حروب واشنطن العدوانية ضد صربيا وأفغانستان والعراق وليبيا وغيرها، والهجمات الجوية التي شنتها واشنطن على مقاطعات باكستان، كما ودعمت استخدام واشنطن للسعودية في الحرب اليمنية.
وقد دعمت أوروبا العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على روسيا وإيران، وهي عقوبات كلفت أوروبا الكثير، ولم تكلف واشنطن سوى القليل. لكن ذلك لم يعد بمقدور الأوروبيين أن يتحملوه أكثر من ذلك، حيث إن تكاليف المشروع الأمريكي قد غدت تهدد ليس وحدة «البيت الأوروبي» التي فرط عقدها منذ زمنٍ بعيد، بل حتى التماسك الداخلي لكل دولة على حدة.
الخيار الوحيد... الإنقاذ
ولما كانت واشنطن قد اعتادت على دعم أوروبا لها، فقد أصبحت تلزم أوروبا بدعمها دون التشاور مع الحكومات المركزية للدول الأوروبية. الآن يبدو أن غطرسة واشنطن غير العادية – هذه الغطرسة الناشئة في العمق من واقع الأزمة التي تعيشها- قد أدت إلى زيادة الوعي في الدول الأوروبية. وفي مواجهة جولة جديدة من العقوبات ضد روسيا، صرح جان كلود جونكر رئيس المفوضية الأوروبية لواشنطن: بأن الوقت الذي كانت فيه واشنطن تضع مصالحها قبل مصالح أوروبا قد انقضى.
إن العقوبات الجديدة التي تحاول واشنطن فرضها على روسيا تحمل عواقب اقتصادية وسياسية مدمرة لأوروبا. وفي هذا السياق، قال جونكر: «إذا لم تؤخذ مخاوف أوروبا في الاعتبار بشكل كافٍ، فإننا مستعدون للعمل واتخاذ الإجراءات المناسبة خلال أيام».
وأضافت وزارتا الخارجية الألمانية والفرنسية دعمهما لجونكر. إذ أكدت الخارجية الألمانية: «ليس من حق الأميركيين أن يحكموا أو يحددوا الطريقة التي يمكن للشركات الأوروبية أن تتعاون فيها مع أي طرف ثالث، وخصوصاً مع شركات الطاقة الروسية». فيما شددت الخارجية الفرنسية: «إن العقوبات تتناقض مع القانون الدولي لأنها خارج الحدود الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية».
تعتبر أوروبا العقوبات أداة من أدوات السياسة الصناعية الأمريكية التي تقدم المصالح التجارية الأمريكية على المصالح التجارية الأوروبية. لكن الأمر لم يعد اليوم مرهوناً فقط بالنزعات نحو الربح الأقصى، بل كذلك بعملية كبح التراجع الأمريكي، حتى لو كان ذلك على حساب «الحليف الأوروبي»، وهو ما قد يدفع واشنطن على التراجع عن قرارها الأخير، لكن وفي هذه الحالة، ما الذي سيكون عليه شكل الموقف الأوروبي؟
لو أردنا الحديث عن النوايا، فبالتأكيد ليس من بين القادة الأوروبيين من يميل إلى روسيا حباً وكرامةً، لكن كل السيناريوهات المطروحة أمام هؤلاء القادة – المحكومين بدورهم بمعادلات داخلية وخارجية حساسة ومعقدة للغاية- هي سيناريوهات ليس في مصلحة واشنطن، ولا تفتح هامشاً للمخاطرة كرمى لعيون الأمريكي، وعليه، فإن الخيار المنطقي لدى أوروبا هو «مفاجأة» واشنطن، وفك ارتباطاتها مع الإمبراطورية الأمريكية المتداعية.
ودون استضافة أوروبا للقواعد العسكرية الأميركية، وتقديمها الدعاية للولايات المتحدة بشكل ببغائي، فإن قدرة واشنطن على تهديد روسيا ستنخفض بشكل كبير، كما أن واحدة من أوراق القوة الأمريكية سوف تغدو مفقودة دون رجعة. وفي الواقع، إن استمرار الموقف العدواني، والتهديد الأمريكي تجاه روسيا، سيترك واشنطن معزولة في العالم، إذ لا يوجد أي بلد يرغب بالقطع مع قوة أساسية في القطب الدولي الصاعد، فقط من أجل إرضاء النزعات السيادية لدى الرؤوس الحامية، في إمبراطورية تتداعى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
822