اتفاق القاهرة يعزز التفاؤل الليبي

اتفاق القاهرة يعزز التفاؤل الليبي

توحي المؤشرات كلها، اليوم بأن الأرضية السياسية العامة لحل الأزمة الليبية قد أصبحت أشد صلابةً من أي وقت مضى، وأن إنجاز توحيد ليبيا- التي تشظت إلى أراضٍ متناثرة تحكمها الميليشيات، إبان غزو حلف «الناتو» لها- والقضاء على الإرهاب وتحجيم «الإخوان المسلمين» وحلفائهم في الداخل الليبي قد أصبحت على طاولة البحث، بما يمهد لحلها.

 

كذلك، تثبت المستجدات على الساحة الليبية أن الميل العام في اتجاه الحل السياسي- وإن تعرض لتراجعات مؤقتة هنا وانتكاسات أخرى هناك- ثابت ويتصاعد نحو إنجاز العملية السياسية في البلاد، وكذلك إنجاز الحلول التي من شأنها أن تعكس- في المقام الأول- الموازين الجديدة للقوى الدولية في العالم.

«اجتماع القاهرة» يصحح اتفاق «الصخيرات»

توجد في ليبيا ثلاث حكومات، وبرلمانيين: تتبع حكومة «طرابلس» لـ«المؤتمر الوطني العام»، الذي يعد سلطةً تشريعيةً غير معترف بها دولياً. وثانياً: حكومة «طبرق»، الذي يعتبر قائد الجيش الوطني فيها، خليفة حفتر، أحد أبرز وجوهها، وهي الحكومة المعترف بها دولياً. وثالثاً: حكومة «الوفاق الوطني» المحسوبة على رئيسها، فايز السراج، والتي أقرها اتفاق «الصخيرات» الذي لم يكن كاملاً وشاملاً، بسبب عدم ملاحظة دور قائد الجيش، خليفة حفتر. وهو الأمر الذي تم تجاوزه في اجتماع «القاهرة» الناتج عن الجهود الروسية لحل الأزمة الليبية.

وكان قد سبق ذلك زيارة قائد الجيش، خليفة حفتر، إلى روسيا، التي قالت أنها تدرس بجدية رفع حظر إرسال السلاح إلى ليبيا، مما يعني استعادة المبادرة في مكافحة الإرهاب الذي استشرى في البلاد، وهو الأمر الذي دفع القوى المتخاصمة إلى الإسراع خطواتٍ إلى الأمام، من أجل إنجاز الحلول السياسية، ذلك أن القوى الحليفة لواشنطن لم تعد قادرةً على استقراء موقف الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تصدّر انطباعات متزايدةً بأن انسحاباً أمريكاً من المنطقة قد يكون على طاولة البحث. وعليه، تكلل اجتماع القاهرة بالنجاح، حيث اتفقت الأطراف الليبية المعنية، وعلى رأسها حفتر والسراج، على العمل من أجل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في البلاد، بحلول شهر شباط من عام 2018 المقبل.

وأسفرت الاجتماعات التي جرت في القاهرة، تحت إشراف رئيس أركان الجيش المصري ووزير الخارجية المصري، عن حزمة من التوافقات شملت تأكيد القادة الليبيين التزامهم ببذل المزيد من الجهود، لحقن الدماء في البلاد، ووقف تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية والخدمية، واستعادة الاستقرار، ورفع المعاناة عن كاهل الليبيين.

كما اتفق هؤلاء على معالجة عدد محدد من القضايا المتعلقة في الاتفاق السياسي الليبي، للخروج من الأزمة الحالية، من بينها: مراجعة تشكيل وصلاحيات المجلس الرئاسي الليبي لحكومة «الوفاق الوطني» بزعامة السراج، ومنصب القائد الأعلى للجيش الليبي، واختصاصاته، وتوسيع عضوية المجلس الأعلى للدولة، الذي يُعد أعلى هيئة استشارية في البلاد.

ويعد اتفاق القاهرة نقطة انطلاق، وأرضيةً مشتركةً بين القوى الليبية المتصارعة. غير أنه من الطبيعي والمفهوم أن تنفيذ هذا الاتفاق لن يمر دون عوائق سياسية متوقعة مسبقاً، غير أنه يشكل ميلاً عاماً عند الجميع بضرورة الإسراع بإنجاز الحلول السياسية، والخروج بليبيا من كونها بؤرةً لانطلاق التنظيمات الإرهابية إلى أجزاء أخرى من العالم، ولا سيما دول الجوار، التي لها دور كبير في إنجاز هذا الاتفاق، ومنع التدخل الغربي العسكري مجدداً في ليبيا بهدف تأزيم الوضع أكثر وتدمير المدمَّر.

خطوات عملية

اتفق المجتمعون في القاهرة على «قيام مجلس النواب بإجراء التعديلات الدستورية اللازمة لتضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري، في إطار معالجة القضايا العالقة كلها في إطار صيغة توافقية شاملة، تصدر عن مجلس النواب بعد الاتفاق عليها في إطار اللجنة المشكلة من المجلسين».

كما وافق المشاركون على العمل من أجل «إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعد أقصاه فبراير/ شباط من عام 2018، اتساقاً مع ما نص عليه الاتفاق السياسي الليبي»، وذلك مع استمرار جميع شاغلي المناصب الرئيسية في ليبيا، لحين انتهاء الفترة الانتقالية، وتولي الرئيس والبرلمان الجديدين مهام عملهما في 2018.

وكانت وكالات أنباء عدة قد نقلت عن «مصدر مقرب من حفتر»: أن الاتفاق المبدئي تضمن إعادة تشكيل المجلس الرئاسي، برئاسة فائز السراج ونائبين عن الشرق والجنوب، وأنه قد جرى الاتفاق على تشكيل مجلس عسكري يضم التشكيلات والألوية العسكرية كافة في المنطقتين الشرقية والغربية، بما فيها تشكيلات مدينة مصراتة.

وأكد الاجتماع التوافق حول عدد من «الثوابت الوطنية غير القابلة للتبديل أو التصرف»، وعلى رأسها «الحفاظ على وحدة الدولة الليبية وسلامتها الإقليمية، وما يقتضيه ذلك من تأسيس هيكل مستقر للدولة، ودعم مؤسساتها ولحمة شعبها، والحفاظ على الجيش الليبي وممارسته لدوره، ورفض وإدانة أشكال التدخل الأجنبي في الشأن الليبي كلها، والتأكيد على حرمة الدم الليبي، والالتزام بإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة مبنية على مبادئ التداول السلمي للسلطة، والتوافق وقبول الآخر، ورفض كل أشكال التهميش والإقصاء لأي طرف من الأطراف الليبية مع تعزيز المصالحة الوطنية».

إحياء المبادرة التونسية

وفي إطار تفعيل العمل على المسار السياسي لحل الأزمة الليبية، تحتضن العاصمة التونسية خلال شهر أذار المقبل، اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي، بهدف بحث آليات وسبل حلحلة الأزمة التي تشهدها ليبيا، ودفع الفرقاء الليبيين نحو تسوية سياسية شاملة من شأنها إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد، والحفاظ على وحدتها الترابية.

وأفادت مصادر ديبلوماسية تونسية لوسائل إعلام، أن وزراء خارجية تونس ومصر والجزائر سيجتمعون في بداية أذار 2017 في تونس لدراسة إمكانيات إيجاد حلول للأزمة الليبية في إطار تفعيل الأفكار التي طرحها الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، لوقف الصراع في ليبيا.

هذا، واستقبل السبسي بقصر قرطاج منذ فترة رئيس الحكومة السابق، محمود جبريل، على أن يستقبل خلال الفترة القليلة المقبلة قائد الجيش الليبي، خليفة حفتر، والذي من المنتظر أن يزور تونس قريباً، وفق ما أفاد به وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، في تصريح صحفي سابق.

إلى ذلك، يجري الإعداد لعقد قمة ثلاثية، تجمع رؤساء تونس والجزائر ومصر خلال الفترة المقبلة في العاصمة الجزائرية لبحث الأزمة الليبية، ما يشير إلى التصاعد الجاري في العمل الدبلوماسي المتصل بحل الأزمة التي تشهدها ليبيا، وهو ما يرفع من مستوى التفاؤل في تجنيب ليبيا سيناريو البقاء في براثن التنظيمات الإرهابية التي تكبّل البلاد شرقاً وغرباً.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
798