«في انتظار الآتي»: الخليج يقامر بالاحتمالات

«في انتظار الآتي»: الخليج يقامر بالاحتمالات

إن الموقف الخليجي على حافة الهاوية الاستراتيجية. إنها لحظة حسابات سياسية دقيقة ستحدد، وفقاً للكتاب الخليجيين أنفسهم، مصير السعودية، في المطاف الأول، لينسحب ذلك على بقية حلفائها الخليجيين. ربما تبدو المفارقة في هذه الحالة اليوم، أنه كلما زاد انتظار أنظمة الخليج لـ«تغيرات ما»، كلما تراكمت خساراتهم الإقليمية والمحلية.

 

على امتداد سنوات السيادة الأمريكية العالمية بعد الحرب الباردة، وقدرتها على التحكم بشكل كبير في مساحات واسعة من العالم، عملت السعودية على الاستفادة من ذلك، بهدف تعزيز دورها الإقليمي إلى أقصى الحدود الممكنة، لكن اعتمادها على الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك، ربما يكون هو تحديداً نقطة المقتل لها اليوم.

يستند الوجود السعودي في المنطقة، ودور هذه الدولة الإقليمية عموماً، إلى الوظيفة التي تلعبها في علاقاتها التبعية، بالمراكز الغربية، خصوصاً في تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية. ولا يخفى على أحد، أن الدور السعودي يتناسب طرداً مع زيادة الوزن والدور الأمريكي في المنطقة، وكذلك مع التراجع الغربي الكبير، وصولاً إلى مستوى يهدد بالانسحاب الأمريكي من المنطقة، بشكل لن يضمن بالضرورة ما الذي تتركه الولايات المتحدة وراءها. ومع تقدم القطب الصاعد حالياً، يكون السؤال: هل يمكن لنظام آل سعود البقاء؟ أو أبعد من ذلك: هل يمكن لتكوينات الحجاز، وشبه الجزيرة العربية، البقاء على ما هي عليها اليوم سياسياً وجغرافياً؟

مستنقع اليمن والعلاقة مع إيران

لا تستطيع الأموال السعودية كلها، والسلاح المخزن كله، وحجم النفوذ لدى تلك القوى، أو غيرها، فعل شيء، أو تغيير شيء، أو حسم أمر دون حساب موازين القوى العالمية اليوم. السعودية- التي تعي متأخرةً، وبحالة من الإنكار، واقعها الجديد- تحت ضغط معاركها في اليمن، وتدخلها في الشأن السوري، والسعودية ذاتها المنهكة في حرب النفط، التي شنتها بالوكالة عن الولايات المتحدة ضد روسيا وإيران، تعي أنها لا بد أن تخرج من أزماتها من خلال تقديم التنازلات في الشأن اليمني لدول الإقليم، عبر المحادثات والحوار، حيث بدأت بإرسال مبعوث كويتي إلى إيران، لبدء جولة جديدة من النقاش مع طهران، ما قد يساهم في تهدئة الوضع في اليمن، في ظل المبادرات الأمريكية، التي لم تنجح حتى الآن، ولن يبدو ذلك غريباً، بالنظر إلى أن سياسة الإدارة الأمريكية السابقة، لم تكن مبنيةً في أيامها الأخيرة، على أساس ترسيخ الحلول، بل على تعقيد الوضع في وجه الإدارة القادمة قدر المستطاع.

وإلى الآن، لم يتضح سلوك الإدارة الأمريكية الجديدة اتجاه ملفات بعينها، كالملف اليمني، الذي يبدو أنّ الخليج بات يجهّز نفسه لتلك اللحظة الممكنة، التي ستقول فيها الولايات المتحدة بالانسحاب من اليمن، تاركةً الفاتورة الباهظة تقع على عاتق دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، التي قادت «تحالفاً» و«عاصفة» باسم واشنطن ذاتها.

اضمحلال الدور السعودي 

في سورية

في سورية، تحملت السعودية جزءاً كبيراً، من فاتورة الحرب الأمريكية، وأخذتها الأوهام حول قدرتها على دفع الولايات المتحدة الأمريكية، للتدخل المباشر في سورية، وكان عبثاً مباشراً محاولةً التعويل على هذا الحزب أو ذاك، في المشهد السياسي الأمريكي. وما حصل لاحقاً في سورية، هو العكس تماماً! كثّفت روسيا حضورها العسكري في سورية، وعملت على المسارين المتوازيين للأزمة السورية، بشقيها العسكري والسياسي، وبدا واضحاً أن السعودية، ومن خلفها إدارة الرئيس باراك أوباما، قد شرعت بفقدان أوراقها في الشقين معاً.

وعلى ضوء التراجع التركي عن تحالفاته السابقة- التي كان يبدو أنها أقرب إلى أن تكون مطلقة- مع الولايات المتحدة فيما يخص الأزمة السورية، وارتفاع وزن ودور روسيا، ودول الإقليم في مقابل التحالف الغربي الذي يضم السعودي كتابع، نتج اجتماع «آستانا»، الذي مهّد الطريق أمام مؤتمر «جنيف»، دون الأخذ بعين الاعتبار الدور السعودي المعرقل، رغم أنه من الممولين لجزء من المعارضة المسماة على اسمه.

فقد الدور السعودي زخمه في المنطقة، وبات مرادفاً في كثير من الحالات لمنطق التخبط الذي أظهرته السعودية على الصعد جميعها. الغرب لم يعد مستعداً لدفع فاتورة تعنت الحكم السعودي، المدرّب بالأصل ليكون متعنتاً، وليلعب دور «رأس الحربة» في فترة معينة. غير أن السعودية، وللمفارقة، لا تزال تنظر حتى آخر لحظة إلى حالة التراجع الغربي بوصفها ظاهرةً «مؤقتةً»، وتصر على تحالفاتها، رغم أن العديد من دول المنطقة قد وعت المسألة وأبعادها، ولو بنسبٍ متفاوتة.

الاقتصاد ليس أفضل حالاً

مشروع 2030 الذي طرحة ولي ولي العهد السعودي، كمشروع لتغيير النظام الاقتصادي في السعودية، جاء في إطار تنفيذ السعودية لإملاءات النقد الدولي، والدول الغربية. المشروع الذي يعني رفع الضمان الاجتماعي، ورفع الأسعار، وتخلي الدولة عن دورها الاقتصادي- الاجتماعي الذي يعني تهديم بنىً قديمةٍ، وبناء بنىً جديدةٍ تناسب المرحلة الجديدة، يعد أمراً بالغ الصعوبة والخطورة في ظل وزن البنى القديمة، وقدرتها على المقاومة، كما قدرتها على تجييش الناس ضد المشروع.

إنّ ما لا يفهمه الكثيرون ممن يحملون «ملاعق الذهب» في أفواههم، هو أن تنامي ظاهرة المُعدمين في «المملكة»، فضلاً عن الثغرات الموجودة أصلاً، في مناطق معينة بالسعودية، قد تشعل البلاد وتدخلها في حرب أهلية، وأياً يكن نجاح الخطة من فشلها، فهي كافية للدخول في مرحلة جديدة، لا يتمنى حكام و«أمراء» المملكة أن يروها حتى في أسوأ كوابيسهم.

هذا كله يعني في النهاية، انكفاءً سعودياً نحو الداخل، لحل الأزمات التي تطوق البلاد من كل حدب وصوب. ولن يكون هذا الانكفاء خالياً من العواقب. فحين ذاك، الأمور مطروحة كلها، وتغيير شكل الحكم أو تبديله أمور واردة في إطار التغيرات الكبرى التي تطرأ على العالم.

أثبتت وقائع الأزمات التي تشهدها دول عدة في المنطقة، أنّ محاولة المملكة السعودية، التي تقطر خلفها عادة دول الخليج النفطية الأخرى، لتحقيق الهيمنة المطلقة، وبأكثر الأشكال عدوانيةً، كانت كارثيةً على الجميع تقريباً، ليس على الشعوب التي دفعت ثمن التورط السعودي في الحرب الأمريكية فحسب، بل أيضاً على السعودية نفسها، التي عليها، منذ الآن، أن تفكّر في وسائل التأقلم مع الظرف الدولي الجديد.

السعودية، الدولة التي استفاد نظامها من تغيرات ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولعبت دوراً أكبر من حجمه بكثير في المنطقة العربية وخارجها، تدخل اليوم أسوأ أوقاتها على الإطلاق. فلا «العدو» يرأف بأوهامها، ولا «الحليف» يحمي ظهرها.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
796