«الغموض مصيرنا.. الغموض كارثتنا»..!

«الغموض مصيرنا.. الغموض كارثتنا»..!

حول الآفاق المتاحة أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة دونالد ترامب، كتب الباحث الأمريكي، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة نيويورك، جورج كاستنيدا، مقالاً تحت عنوان «عالم ترامب الجديد الغامض»، نشر في دورية «بروجيكت سانديكيت». ولا بد من التنويه، إلى أن ما سيلي لا يمثل، بشكل من الأشكال، تبنياً لرأي الكاتب، بل استعراضاً لحالة التخبط والتهويل، التي وصلت إليها النخب الأمريكية في التفكير بالمرحلة المقبلة.

 

الشيء الوحيد المؤكد حول الإدارة المقبلة في الولايات المتحدة بقيادة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، هو: حالة عدم اليقين والالتباس التي ستصاحبها. ربما يكون التحلي بمظهر، من لا يمكن التنبؤ بتصرفاته من التكتيكات الناجحة في عالَم الأعمال، ولكنها سِمة مُرْبكة، وبالغة الخطورة، عندما تلتصق بزعيم الدولة الأمريكية. ويصدق هذا بشكل خاص، عندما يتعلق الأمر بثلاثة مجالات حساسة في السياسة:

ضربة ترامب في وجه الاقتصاد

المجال الأول، هو: الاقتصاد الأميركي، وتأثيره على اقتصادات الدول الأخرى. فإذا خفض ترامب الضرائب وتمكن من وضع برنامج ضخم لتشييد البنية التحتية، فسوف يرتفع عجز الميزانية الأميركية، وربما بشكل بالغ الأثر. وهذا، جنباً إلى جنب مع ارتفاع أسعار فائدة البنك الاحتياطي الفيدرالي تدريجياً.

من ناحية أخرى، ربما يحافظ ترامب على الهالة المحيطة به من عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته، من خلال الانصراف عن فكرة التخفيضات الضريبية، أو زيادة الإنفاق على مشاريع البنية الأساسية بشكل كبير، أو حتى الجدار الذي وعد بإقامته على الحدود مع المكسيك. في هذه الحالة، لن يمسك فرط النشاط بتلابيب الاقتصاد الأميركي، وربما ينقلب الاتجاه الصاعد في سوق الأسهم، وربما يؤجل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الزيادات الجديدة في أسعار الفائدة.

ولكن ما دام ترامب يتبنى الغموض، فسوف يعمل فعلياً على خلق الظروف التي تسمح بتحقق السيناريو الأسوأ على الإطلاق، لأن الأسواق والمستثمرين والبنوك المركزية والحكومات لن تجد أمامها أي خيار سوى الاستعداد للأسوأ، حتى وإن كانت ترجو الأفضل.

العلاقات المتضررة مع كوبا

ربما نستطيع أن نقول الشيء نفسه عن كوبا، وهي الدولة المعرضة للتأثر فعلياً بوعود ترامب، بإلغاء سياسات الرئيس باراك أوباما. ولأن الكونجرس رفض تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا،  بإلغاء الحظر الأميركي، فقد اضطر أوباما إلى اللجوء إلى أوامر تنفيذية يمكن عكسها قانونياً لتخفيف القيود المفروضة على السفر، والتحويلات المالية، والتجارة والاستثمار.

إذا لم يحدث ذلك، فسوف تكون صناعة السياحة هي الأكثر معاناة. فالآن، وقد أصبحت شركات الطيران الكبرى، تنظم رحلات إلى ومن الجزيرة، بات بوسع الأميركيين من أصل كوبي، وأي سائح آخر السفر إلى هناك بحرية، وهو ما يعني توفر فرص الاستثمار في قطاعات الضيافة، والاتصالات، والنقل، والخدمات المصرفية للأفراد، وغير ذلك من الصناعات ذات الصلة. ولكن الآن في ظل احتمال إلغاء ترامب لهذه الرحلات كلها، فمن الجنون أن يلتزم أي شخص بتدبير 200 مليون دولار لتجديد مطار خوسيه مارتي الدولي في هافانا، على سبيل المثال.

ومرةً أخرى، لن تتحمل كوبا وحدها العبء الأكبر، الناجم عن استمرار حالة عدم اليقين، بل سيتحمله أيضا المستثمرون المحتملون، الذين بات لزاماً عليهم أن ينتظروا الأسوأ. فلن يراهن أي مستثمر ذكي على تصرف ترامب بعقلانية، فينخرط في ارتباطات في كوبا مقدماً، ما دامت قواعد الطريق عرضة للتغيير. وسوف تظل هذه القواعد مبهمة لبعض الوقت في المكسيك أيضاً- وهي دولة أخرى سوف تتأثر بشكل غير متناسب بكلمات ترامب وتصرفاته.

والمكسيك أيضاً..

خلال حملته الانتخابية، فعل ترامب كل شيء بوسعه، للإساءة للمكسيك والشعب المكسيكي، وإحاطة العلاقات بين الولايات المتحدة والمكسيك في المستقبل بسحابة من عدم اليقين، من خلال الوعد بإقامة الجدار الحدودي، وترحيل المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين بشكل جماعي، وإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (النافتا) أو الانسحاب منها. والآن تدور في المكسيك مناقشة، حول ما إذا كان أي من هذا سيحدث بالفعل، وكيف ينبغي للبلاد أن تستجيب إذا حدث، خاصة في ما يتعلق بإلغاء اتفاقية النافتا.

وفقا لترامب، عانت الولايات المتحدة، من خسارة صافية للوظائف في ظل اتفاقية النافتا، لأن العمال المكسيكيين يتقاضون أجوراً أقل لأداء الأعمال، التي كانت تنفذ سابقاً في الولايات المتحدة. ولكن أنصار اتفاقية النافتا في الولايات المتحدة والعديد من المكسيكيين يزعمون: أن الاتفاقية خلقت في واقع الأمر عدداً من الوظائف، أكثر من تلك التي فُقِدَت في ولايات حزام الصدأ، التي فاز فيها ترامب في الانتخابات، لأنها عملت على زيادة الواردات الأميركية إلى المكسيك.

لكن المشكلة تكمن في «نهاية المطاف»: فالمكسيك ليس لديها متسع من الوقت. ففي عهد إدارة الرئيس المكسيكي، إنريكي بينيا نييتو، كان النمو الاقتصادي- عند مستوى لا يتجاوز 2% سنوياً، ومن غير الممكن أن يتوسع الاقتصاد بسرعة أكبر من دون زيادة الاستثمار الأجنبي. ولكن هذا لن يتسنى قبل البت في قضية اتفاقية النافتا، وتوضيح وتنظيم قواعد جديدة للتجارة والاستثمار.

ربما يكون الغموض سِمةً أصيلةً في ترامب، بل وربما يرحب حتى بهذه الصفة. ولكن في نظر الآخرين كلهم تقريباً، تشكل عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب عائقاً كبيراً. ومع مضي العشرين من كانون الثاني، سوف تضطر الدول التي تتعامل مع الولايات المتحدة كلها، إلى جعل التخفيف من العبء الذي تفرضه إدارة ترامب واحدة من أولى أولوياتها.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
794