مجازر غزة وفضيحة الخريف العربي

 وصل« الإسلاميون المعتدلون» في مصر وتونس والمغرب وكذلك «الطالبانيون» في ليبيا إلى سدة الحكم في أقطار ما أطلق عليه بـ «الربيع العربي» وسقط كل هؤلاء في امتحان الموقف من الكيان الصهيوني وحاميه على الدوام الإمبريالية الأمريكية وكذلك في الموقف من جرائم الاحتلال في غزة الآن.

واللافت هنا أن رؤوس هذه الأنظمة تغيرت ولكن لم تتغير مواقفها المتخاذلة من القضية الفلسطينية ومن فصائل المقاومة على وجه الخصوص ولأن حركة« الإخوان المسلمين» في مصر تلعب دور القائد لبقية التنظيمات الفرعية في البلدان العربية لاحظنا كيف اصطفت تلك التنظيمات خلف التصريحات التي أطلقها تنظيم «الاخوان المسلمين » في مصر حول التمسك باتفاقيات «كامب ديفيد» وبتشجيع من القيادة الفلسطينية في رام الله على الاستمرار في المفاوضات مع حكومة الاحتلال والابتعاد عن خيار المقاومة سواء أكانت شعبية أم مسلحة.

ومن الواضح هنا أن تلك التصريحات هي أخفض سقفاً من مبادرة النظام الرسمي العربي والتي تعود في أساسها إلى هزيمة الحكام العرب في مواجهة حرب مع الكيان الصهيوني على لبنان عام 1982 لكن في الطرف الآخر من المتراس ظهر عقب تلك الحرب أكثر من أي وقت مضى خيار المقاومة وليس المساومة على أرض لبنان وفلسطين وكانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987 وتحرير الجنوب اللبناني 2000 والانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام نفسه وصولاً إلى كسر شوكة الجيش الاسرائيلي والانتصار الاسطوري للمقاومة في حرب 2006.

عند ذاك تكرس خيار المقاومة الوطنية كطريق وحيد لتحرير الأرض واستعادة الحقوق والكرامة الوطنية على النقيض من «ضرورات الأنظمة » التي لم تعرف إلا الهزائم والرضوخ لمشيئة الاستعمار قديمه وجديده مقابل بقائه في السلطة مع كل ما يتطلب ذلك من بطش وعسف ضد شعوبها التي لم تبخل يوماً بتقديم الشهداء دفاعاً عن لوطن منذ الربع الأول من القرن العشرين وحتى الآن.

ولعل من سخرية الأقدار أن النظام الرسمي العربي ليس لم يقدم أي مساعدة للقضية الفلسطينة فحسب بل يسخر كل قواه «وهي مهولة» لإخماد مقاومة الشعب الفلسطيني والطلب منه الموافقة على متابعة التفاوض مع الاحتلال دون النظر الى الاستيطان الزاحف و تهديد الأرض وتقليص صلاحيات السلطة الفلسطينية إلى «إدارة مدنية » مرجعيتها الحاكم العسكري الصهيوني على الأرض في الضفة الغربية المحتلة والتي تفصل مدنها وقراها الفلسطينية عن بعضها البعض أكثر من خمسمئة مستوطنة صهيونية وأكثر من ستمئة حاجز عسكري.

هاهو النظام المصري الآن يفاوض «حكومة حماس» في غزة على تزويد القطاع بالكهرباء مقابل القبول بالوساطة المصرية  حول التهدئة وعدم إطلاق الصواريخ على الكيان والتي هي بالأساس كانت ردا على على عملية اغتيال القيادات الميدانية للمقاومة في القطاع.

وها هي دول النفط والمحميات الخليجية مشغولة عما يجري في قطاع غزة من مجازر وغارات جوية حصدت حتى الآن 26 شهيداً و أكثر من مئة جريح بتنفيذ مخطط التحالف الامبريالي الصهيوني في المنطقة بما في ذلك تجمع أصدقاء اسرائيل تحت مسمى أصدقاء سورية بهدف منع الشعب السوري من الخروج الآمن من أزمته سلمياً والحديث علناً عن عسكرة المعارضة التي تستدعي التدخل الأجنبي بما فيه العسكري

واذا كانت السعودية وقطر استطاعتا أن تعقدا عدة اجتماعات اقليمية ودولية ضد سورية والمبادرة الى فرض عقوبات اقتصادية عليها وتجميد عضويتها في الجامعة العربية فإنهما ومعهما دول الخريف العربي تصمت صمت القبور ازاء ما يجري في غزة ولاشك أن السبب في ذلك أن دول الاعتلال العربي في حالة خصومة مع المقاومة الفلسطينية والعربية أكثر من خصومتها المزعومة مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية وكل دول حلف الأطلسي.

 

ومن الواضح هنا أن دول النظام الرسمي العربي تخاف من انتصار المقاومات العربية بالقدر نفسه الذي يخشاه التحالف الامبريالي الصهيوني من انتصار شعوب المنطقة جغرافياً وديمغرافياً عبر تسعير الصراعات العرقية والطائفية والقبلية والعشائرية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
544