الصين والشرق الأوسط، من العلاقات الاقتصادية الى الدور السياسي!

منذ أن احتلت الصين موقعاً اقتصاديا مميزا على المستوى الدولي، كان لها حضورها الاقتصادي في الدول العربية استناداً إلى حجم التبادل التجاري أو التعاون الاقتصادي بشقيه التكنولوجي والنفطي فهي شريك هام لإيران، وشمال افريقيا، وسورية، بالاضافة إلى امتداد علاقاتها منذ سنوات إلى قلب القارة الافريقية.

هذا الدور الاقتصادي، وكما يبدو من الوقائع الأخيرة يرتقي إلى مستوى جديد ذي طابع متكامل اقتصادي وسياسي، وهذا ما تجلى في الموقف من الملف الليبي أولاً، وموقف أكثر تشدداً في الأزمة السورية لاحقاً، التي كانت شريكة روسيا في منع إصدار قرار من مجلس الأمن، ومع تعمق الأزمة السورية بعد عام من انطلاق الاحتجاجات السلمية التي تحولت لظروف مختلفة مؤخراً في بعض المناطق الى أعمال عسكرية ممولة ومدعومة، من قوى اقليمية ودولية، يبدو أن العملاق الاقتصادي الصيني سيلعب دوراً أكثر فاعلية في الميدان السياسي وذلك أمر طبيعي في العلاقة بين القوة الاقتصادية وانعكاساتها على ما هو سياسي، ولاحقاً على ما هو عسكري من حيث المنطق على الأقل.

صحيح أن العلاقات الامريكية الصينية لها ما يميزها، منذ الفتور ثم القطيعة بين الاتحاد السوفياتي والصين كأحد تجليات التراجع في العملية الثورية العالمية آنذاك، غير أن هذا التميز كما نعتقد لايمكن له أن يستمربسبب طبيعة ودور الرأسمال المالي العالمي اليوم، وظروف الأزمة التي تعصف به، وبسبب السلوك الامريكي على المستوى الدولي منذ استفرادها بالهيمنة على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وإذا كان كلا الطرفين كان يبدي حتى مرونة في القضايا الخلافية الشائكة مثل « الملف الكوري»« تايوان» إلا أن اقتراب واشنطن من المواقع التقليدية الصينية لاستجرار موارد الطاقة « الاستثمارات الصينية في ايران تقدر ب120 مليار » مثلاً  سيفرض على الصين موقفاً أكثر تشدداً بكل تأكيد، الأمر الذي عبر عنه حتى الآن يفسر استخدام الفيتو مرتين «المرّة الأولى ضد «العقوبات الاقتصادية والإجراءات الأخرى ، والثانية ضد النص الملغوم للمبادرة العربية»

وللصينيين أسبابهم الخاصة في هذه الحساسية تجاه التدخل الغربي في سورية اليوم أو فرض عقوبات تمهد للتدخل بشكل آخر لاحقاً حسب تجربة بعض البلدان  . ففيما كان للصين موقف «محايد» يوم صوّت مجلس الأمن على قرار عربي بفرض الحظر الجوي فوق ليبيا، وقفت بكين سداً منيعاً بوجه قرار غربي الصنع، يوصي بالعقوبات على سورية أواخر العام الماضي.

موقف أشعل سجالاً دولياً كبيراً وسط دعوات غربية متنوعة إلى ضرورة إزاحة النظام بتدخل عسكري شبيه بتجربة «الناتو» في ليبيا، إلا أن إصرار الصينيين، كما الروس، على العكس، قائلين إن «الهدف هو تفادي تكرار التدخل الغربي الذي سبب بؤساً في أفغانستان والعراق»، نجح حتى الآن في إلغاء هذا الاحتمال، فالصين تفهم تماماً معنى تكرار التجربة الليبية في سورية، ودور ذلك في الانقضاض الامريكي على ايران لاحقاً بعد فك عقد تحالفها مع سورية، كهدف أساسي لتدخلها المستمر في الشأن السوري، وفهمت أيضاً تصريحات الرئيس الامريكي اوباما في كانون الثاني الماضي عن مراجعة واشنطن استراتيجيتها الدفاعية وتحويلها نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

بمعنى آخر تخرج الصين عن « حيادها» التقليدي شيئاً فشيئاً في الملفات السياسية لمصلحة الدور الاقتصادي على المستوى العالمي، وباتت تسعى إلى لعب دور أكثر وضوحاً في إدارة الشؤون العالمية بالمعنى السياسي والعسكري.

إن الدور الصيني الجديد هو أحد تجليات نظام عالمي جديد نرى ملامحه الأولى، نظام أكثر عدلاًبالضرورة يحل محل نظام العولمة المتوحشة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
543