دانيال شور دانيال شور

العمر يطول بكاسترو وأعداؤه بقوا في الخلف

العجوز الكوبي من على سرير تعافيه: «كوبا جاهزة للدفاع عن نفسها من خلال شعبها وجيشها الثوري»

مازلت أتذكر الرئيس الكوبي فيديل كاسترو سنة 1960 عندما كان الاتحاد السوفييتي يبادر بالانفتاح على نظامه ويحاول بكل السبل التقرب منه وكسب صداقته. وقتها كانت إدارة إيزنهاور تطبخ أولى الخطط الرامية إلى الإطاحة به وإزاحته من السلطة دون استبعاد احتمال تصفيته وتغييبه كلية عن الحياة. وعندما أُعلنت الزيارة الأولى لأحد المسؤولين السوفييت البارزين إلى كوبا متمثلاً في نائب رئيس الوزراء "أنستاس ميكويان"، كُلفت من الشبكة الإخبارية سي. بي. إس بالتوجه إلى العاصمة الكوبية هافانا صحبة فريق من المصورين والتأكد مما إذا كانت كوبا، وهي الدولة التي تطل على أميركا، في طور التحول إلى بلد يدور في فلك الاتحاد السوفييتي. وأثناء الاستقبال الحافل الذي نظمه الرئيس الكوبي على شرف ضيفه الكبير القادم من موسكو تمكنت من حصر المسؤول السوفييتي ميكويان ومستضيفه فيدال كاسترو في زاوية وسلطت عليها أضواء الكاميرا طارحاً عليهما مجموعة من الأسئلة. وبعد سلسلة من الملاحظات حول تطوير علاقات التعاون بين كوبا والاتحاد السوفييتي والآفاق التي ستفتحها هذه الزيارة لتمتين أواصر التعاون بينهما في مجال التجارة وغيرها، بادرت بطرح سؤال على كاسترو حول تزويد الاتحاد السوفييتي لمقاتلات "ميج" إلى كوبا للدفاع عن نفسها ضد الولايات المتحدة. حينها فرد كاسترو ذراعيه واسعاً وقال "لكن ذلك سر". ولا زلت أذكر شعور المسؤولين الأميركيين عندما شاهدوا شريط الحوار الذي دار في هافانا والجدل الذي أثاره في أوساطهم.

وبعد انقضاء أربعين سنة على ذلك اللقاء أتيحت لي فرصة أخرى للاجتماع بكاسترو وتذكيره بملاحظته أثناء حضوري مؤتمر في هافانا يحتفل بالذكرى الأربعين لفشل غزو خليج الخنازير الكارثي الذي سعت من خلاله الولايات المتحدة إلى اجتياح كوبا والقضاء على كاسترو. وبعد كل تلك السنوات أخبرني كاسترو أنه مازال يتذكر الحوار الذي دار بيننا، موضحاً أن السبب الذي دفعه لقول "إنه سر" هو خوفه من أنه لو أكد اتفاقية التسلح مع الاتحاد السوفييتي التي حصل بموجبها على طائرات متطورة فإن ذلك قد يدفع الرئيس الأميركي إيزنهاور إلى استخدامها كذريعة لغزو كوبا. ولم تكن مخاوف كاسترو تلك مجرد أوهام بعيدة عن الواقع، بل كانت في صلب الاستراتيجية الأميركية ويجري الإعداد لها على قدم وساق. فكما كشف لاحقا كان نائب الرئيس وقتها ريتشارد نيكسون يشرف على نقاشات تجري في البيت الأبيض حول غزو محتمل للأراضي الكوبية اعتماداً على المعارضين الكوبيين المقيمين في أميركا. لكن خطة الغزو تركت في أدراج البيت الأبيض تختمر قليلاً حتى عهد الرئيس كنيدي الذي أمر بانطلاق عملية خليج الخنازير الفاشلة التي يناقشها كاسترو بابتهاج كبير بعد مرور كل تلك السنين.
وعلى امتداد الأعوام الماضية، وتحديداً خلال فترة ولاية الرئيس كنيدي وضعت العديد من الخطط للقضاء على ما كان ينظر إليه كخطر شيوعي على تخوم الولايات المتحدة. ورغم المحاولات المتعددة التي كانت تتم أحيانا بتعاون مع عناصر المافيا للإطاحة بالنظام الكوبي، إلا أنها أخفقت جميعاً وباءت بفشل ذريع. ومازال كاسترو يترك طابعه الخاص على صفحة تاريخ، ولاسيما في أذهان مئات الآلاف من معارضيه في أميركا، فضلاً عن المحافظين الذين سعوا جاهدين لتقويض حكمه وحملوا له كل الكره الموجود في العالم. ومع ذلك يطول العمر بكاسترو ويمتد به إلى اليوم دون مكروه بينما أعداؤه تجاوزهم الزمن وظلوا في الخلف.

معلومات إضافية

العدد رقم:
279