عام على إنسحاب العدو من غـزة ... شعب مطارد، وطن مستباح، وسلطة أسيرة!

قبل عام، وفي مثل هذا اليوم _ الرابع عشر من شهر آب / أغسطس _ تحققت عملية تفكيك مستعمرات الغزاة الصهاينة، وخروج جيش الإحتلال من قطاع غزة، بفعل عمليات المقاومة، وصمود وتضحيات الشعب الفلسطيني. لكن تطورات الأحداث المتلاحقة، على أرض الصراع، أكدت أن ماحصل لم يرقَ إلى مواصفات التحرر الكامل للشعب والأرض. فالتواجد العسكري على بوابات العبور

 ظل يتحكم في السماء والبحر والأرض، مما نتج عنه وبسببه، تصاعد المواجهات مع قوات العدو، التي لم تتردد في أي يوم من أيام السنة المنصرمة، في استخدام كل الترسانة الحربية الوحشية في عملياتها ضد المواطنين، مما أدى لسقوط الآلاف من السكان مابين شهيد وجريح _ شهر تموز الفائت كان الأعلى في عدد الضحايا منذ سنوات، بحسب التقرير الشهري الدوري الصادر عن دائرة العلاقات القومية والدولية في م.ت.ف "177 شهيد، بينهم 44 طفل و1010 جريح، بينهم 331 طفل" _.
في ظل هذه الأوضاع المتفجرة غير المستقرة، كما يصفها من داخل القطاع، المحامي "يونس الجرو" بقوله (يبدو قطاع غزة اليوم كسجن كبير، يستحيل الخروج منه أو الدخول إليه من دون الحصول على موافقة "الإسرائيليين") مضيفاً (لقد زادت العقوبات الإقتصادية المفروضة منذ شباط، وتعليق المساعدات الغربية بعد وصول "حماس" للسلطة .. إضافة لعجز السلطة الفلسطينية عن السيطرة على الأوضاع من تعقيدات الحالة الراهنة). وقد توضح العجز "المؤسساتي الرسمي" في النشاط المشبوه، لقوى معروفة بإرتباطها بأجهزة أمنية معادية، من خلال عمليات الإغتيال والتصفيات المتلاحقة، التي عملت على توتير الوضع الداخلي وتهيئته للإنفجار، نظراً للتكوين العشائري / العائلي الذي تستند إليه بنية المجتمع. إضافة للخطوات التي تتخذها بعض مراكز القوى في العديد من الوزارات والمؤسسات، في تشكيل " لوبي" ضاغط لإعاقة العمل، وزيادة المعاناة الشعبية. وقد جاءت الخطوات المنهجية التي نفذتها قوات الإحتلال العسكرية / الأمنية باعتقال الوزراء الثمانية، والنواب العشرين، والعديد من أعضاء المجالس البلدية المنتخبة، لتكشف هشاشة وخواء كل الإتفاقات "أوسلو وملحقاتها" التي راهن "البعض" على أن "الشريك / السيد" سيحترم كل ماينتج عنها من أشكال وهياكل ومؤسسات!

حادثة إعتقال "عزيز الدويك" رئيس المجلس التشريعي في الخامس من الشهر الجاري، كانت أكثر من "خرق خطير" (حسب عبارة محمود عباس في التعليق على الحادثة). إنها وكما وصفها بدقة "حسن خريشة" النائب الثاني لرئيس المجلس (إنقلاب خطير على الإتفاقيات السياسية التي أَوجَدَتْ السلطة). رمزية الرجل المعتقل "المرتبة الثانية في الهرم القيادي الرسمي للسلطة" دفعت بالعديدين من قادة بعض القوى والكتاب والباحثين والنواب، للحديث عن ضرورة بقاء السلطة أو حلها. حسن خريشة أكد (نحن ندرس الآن بشكل جدي جدوى بقاء السلطة الفلسطينية التي يوضع أعضاؤها داخل السجون). النائب عن حركة حماس "محمود مصلح" قال (هناك رأي بحل السلطة ووضع الإحتلال "الإسرائيلي" أمام مسؤولياته، والقضية الفلسطينية برمتها أمام المجتمع الدولي). في تصريح منشور يوم 7/8 بصحيفة "الخليج" الإماراتية، يتحدث النائب "جميل مجدلاوي" عضو كتلة الشهيد أبو علي مصطفى عن الأزمة (إنني أدعو الرئيس أبو مازن واللجنة التنفيذية والمجلس المركزي لمنظمة التحرير والحكومة الفلسطينية والمجلس التشريعي ... إلى حوار جاد ومسؤول يتناول وضع السلطة الفلسطينية، وما إذا كانت تشكل رافعة للنضال الوطني أم عبئاً عليه). كما أن رئيس الحكومة "إسماعيل هنية" ومن خلال تصريحات له نشرت قبل عدة أيام (شكك بإمكان إستمرار السلطة في الظروف الحالية)، مما دفع رئيس السلطة خلال زيارته لعمان مؤخراً، بالرد قائلا ً (إن حل السلطة غير ممكن).
 دلالات الأزمة الراهنة في المشهد الفلسطيني، تعكس إلى أي درجة وصل مأزق الحالة السياسية والبنيوية "مؤسسات وقوى سياسية"، لأن بعض أدوات علاج الأزمة "إقتراحات مجدلاوي مثلاً " شكلت أحد أسباب ما آلت إليه الأوضاع الحالية. وسواء كانت دعوات حل السلطة ترتكز في تحليلها واستنتاجاتها، إلى كونها ضرورة وطنية، أو محاولة للهروب إلى الأمام للوصول إلى المربع الأول في الصراع التاريخي بين صاحب الأرض والمحتل، فإن المطلوب اليوم هو تجديد نمط التفكير، وإعادة الإعتبار لثقافة المقاومة ومسلكياتها "تجربة حزب الله" وتحديث طرائق وأدوات البحث، من حيث أهليتها الأخلاقية والسياسية، لتكون جميعها قادرة على إعادة رسم خطة المواجهة القادمة، خاصة وشعبنا وحركته الوطنية تنتظر استحقاقات أسر "جلعاد شاليت" ومعركة الأسرى، إضافة لما ترسمه إدارة الكيان الصهيوني لمستقبل غزة والضفة، على ضوء نتائج إنكفاء عدوانها على لبنان، وارتداداته على المؤسسة السياسية / الحربية الفاشلة، وجبهته الداخلية المتصدعة.

14 / 8 / 2006

معلومات إضافية

العدد رقم:
279