«إنرون Enron وورلدكوم Worldcom وفيفندي Vivendi».. على من الدور بعدها؟ انفجار فضائح الأزمة الاقتصادية الرأسمالية

الاسم: إنرون Enron

 الجنسية: الولايات المتحدة الأمريكية (USA)

 الفعالية: وسيط في مجال الطاقة

 رقم الأعمال (للعام 2000): 100.8 مليار دولار أمريكي

عدد العاملين: 19000 موظفاً.

 الاسم: وورلدكوم Worldcom

 الجنسية: الولايات المتحدة الأمريكية (USA)

 الفعالية: الاتصالات

 رقم الأعمال (للعام 2000): 39.1 مليار دولار أمريكي

 عدد العاملين: 75000 موظفاً.

 الاسم: فيفندي Vivendi

 الجنسية: فرنسية (France)

 الفعاليات: وسائل الإعلام، البيئة

 رقم الأعمال (للعام 2000): 38.6 مليار دولار أمريكي

 عدد العاملين: 381000 موظفاً.

خلال عقد التسعينات، شهد النمو الرأسمالي تضخماُ مصطنعاً. هذا ما أمكن ملاحظته بعد انفجار الفضائح المختلفة التي  مسّت العديد من الشركات المحظوظة. لقد اقتربت البورصة من انهيارٍ جديد، والأزمة الاقتصادية لم تتراجع..

إذا لم يكن هذا الصيف صيف الأحذية المفتوحة، وذلك نظراً للطقس السيئ الذي عاث في شمال أوروبا خراباً، فيكون بكل تأكيد صيف الفضائح. بل الفضائح المالية.

بعد إنرون Enron، الشركة العالمية السادسة عشرة من حيث رقم أعمالها، والوسيط الأول في مجال الطاقة، وبعد تيكو Tyco، شركة الخدمات الإلكترونية التي هي في أوج توسعها، هاهو دور وورلدكوم Worldcom، الشركة الأمريكية الرائدة في مجال الاتصالات، وكذلك الآن دور فيفندي يونيفيرسال Vivendi Universal، أولى شركات الخدمات، التي تملك قناة كانال بلوس Canal + التلفزيونية والشركة العامة للمياه (التي تحولت إلى شركة فيفندي للبيئة Vivendi Environnement)، وكذلك دور شركة هافاس Havas واستوديوهات يونيفرسال Universal في هوليود.

والأمر لم ينته بعد. فالمسؤولون في مصرف Credit Suisse هم تحت الرقابة الحثيثة للعدالة السويسرية بسبب مشاركتهم في انهيار شركة الطيران السويسرية Swissair. كما أنه يشتبه بتورط مسؤولي أكبر مصرف إسباني، Santander Central Hispano، في الغش الضريبي. ويتم استهداف المصارف ومكاتب المحاسبة والإدارة بصفةٍ خاصة. ينبغي القول إنّ مكتب أرتور أندرسون هو الذي كان يراقب الحسابات في شركات إنرون وورلدكوم وفيفندي، رغم أنّه الأشهر عالمياً.

«راكموا، راكموا! إنه القانون والأنبياء»

بين كل تلك الوقائع والاستنتاج بأنّ الرأسمالية هي نظام مبني على فخّ الربح السهل والكاذب، ليس هناك سوى خطوة سوف نتجاوزها بكل يسر. يكفي رسم مسار ثلاثٍ من الشركات المعرّضة للاتهام: إنرون، وورلدكوم وفيفندي، تلك الشركات التي تثير شدة تشابه تطورها الاضطراب.

قبل كل شيء، ينبغي ملاحظة التطور المذهل لهذه الشركات. ففي العام 1995، كانت الشركة العامة للمياه (التي تحولت فيما بعد إلى شركة فيفندي)، في المرتبة السادسة والسبعين ضمن تصنيف الشركات الخمسمائة الكبرى في العالم، وكان رقم أعمالها حينذاك 32.7 مليار دولار. وكانت شركة إنرون في المرتبة 478، مبيعاتها 9.2  مليار دولار. أما شركتا وورلدكوم وتيكو، فلم تكونا داخل التصنيف.

ماركس: «التراكم يعني السيطرة على الثروة الاجتماعية، وتوسيع الهيمنة الشخصية، وزيادة عدد الأتباع، كما يعني الانضواء تحت لواء طموحٍ لا يرتوي».■

رأس المال، الكتاب الأول، الصفحة 421 ■

بعد خمس سنواتٍ، نجد فيفندي في المرتبة الحادية والتسعين، مع رقم أعمال مقداره 38.6 مليارات دولار. وتقدمت إنرون إلى المرتبة السادسة عشرة وارتفعت مبيعاتها إلى 100.8 مليار دولار، أما وورلدكوم، ففي المرتبة التسعين، مع رقم أعمال مقداره 39.1 مليار دولار، وشركة تيكو الدولية في المرتبة 148، مع رقم أعمال مقداره 28.8 مليار دولار (في حين لم تكن عائداتها تتجاور في العام 1995 مبلغ 8.8 مليار دولار، ولم تكن ضمن تصنيف الشركات الخمسمائة الكبرى).

خلال خمس سنوات، أصبحت تلك الشركات رائدةً في مجالاتها. وهي استراتيجية تمت بشكلٍ خاص عبر شراء شركاتٍ موجودة، أي بالنمو الخارجي. في بضع سنوات، أصبحت إنرون تحتل المرتبة الأولى بين الوسطاء في مجال الطاقة، واستحوذت عملياً على 25% من السوق. واشترت وورلدكوم شركة  MCI في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1997، تحت سمع وأنظار شركة British Telecom. كانت شركة MCI أهم منافسي شركة AT&T، أولى شركات الاتصالات في الولايات المتحدة. اشترت شركة وورلدكوم حوالى ستين شركة، فأجبرت بذلك منافسيها على اللحاق بها في ذلك السباق المجنون. أما فيفندي، فقد شهدت سلسلة متتالية من الشراء والاندماجات منذ صعود جان ماري ميسييه إلى رئاستها في حزيران (يونيو) 1996. فقد اندمجت في نيسان (أبريل) من العام 1998 مع شركة Havas، وفي حزيران (يونيو) 2000 مع شركة Seagram، وهي شركة كندية تعمل في مجال بيع المشروبات الكحولية، لكنها تمتلك أيضاً أسهماً في شركة يونيفرسال. وفي تموز (يوليو) من العام 2001، اشترت فيفندي شركة Hougton Mifflin، وأدت تلك العملية إلى وصولها إلى المرتبة الثالثة في التصنيف ذلك العام.

«ليس هناك جريمة يتورع عن ارتكابها»

لقد بدا هذا النمو المذهل، والناتج بصفةٍ خاصة عن الاندماج والشراء، باهظ الثمن. ونتج عن ذلك كمٌّ هائل من الديون، وكذلك علاقاتٌ وثيقة مع مصادر التمويل، أي المصارف والأسواق المالية والشركات الفاعلة فيها.

للاستفادة من وسائل رخيصة الثمن، ينبغي أن تقدّم هذه الشركات نتائج خارجة على المألوف. وهذا يؤدي إلى إبراز توقعات مناسبة لنموها المستقبلي، وإلى رفع سعر أسهمها. وإذا حصل ذلك، فإنّ هذه الشركات تحصل على تقييم جيد وتستفيد من قروضٍ ميسرة وبنسبة فائدة منخفضة نسبياً. كل الأمور مرتبطة ببعضها.

هذه الإجراءات هي التي تؤدي إلى تزييف الحسابات. إذ لو أنّ الشركة تسجّل حصول خسائر أو حتى نتائج أدنى من المتوقع، فإنّ سعر الأسهم ينهار ولا يعود بمقدورها أن تموّن نفسها برأس المال الضروري لاحتياجاتها كشركةٍ كبيرة. وتقوم دار التقييم المالي بإخفاء كل تلك الأمور، وهي التي يفترض بها أن تراقب الحسابات.

 ماركس: «في عمليات المضاربة كلها، يعلم كل شخص بأنّ الانهيار سوف يحصل يوماً ما، إلاّ أنّ كل فردٍ يتمنى أن يطيح الانهيار بجاره بعد أن يلتقط هو سيل الذهب ويضعه في مكانٍ آمن. من بعدي الطوفان! هذا هو شعار كل رأسمالي وكل أمةٍ رأسمالية. إذاً، فإنّ صحة العامل وعمره لا يقلقان رأس المال على الإطلاق، إن لم يجبره المجتمع على ذلك».

 رأس المال، الكتاب الأول، الصفحة 200

 

وهكذا، تلاعبت إنرون بالعقود النفطية المرتفعة، وأخفت جزءاً من النتائج السلبية حين هبطت الأسعار. وقد اعترف مكتب أرتور أندرسن بأنه أتلف وثائق في ذلك الملف تسيء إليها. ومن جهتها، قامت شركة وورلدكوم بإدراج مبلغ 3.8 مليار دولار ضمن النفقات الجارية في الاستثمارات في العام 2001. والحال أنّ النفقات الجارية تمرر بصورةٍ كاملة في العام نفسه. أما الاستثمار، فتوزع قيمته على عدة سنوات. إذاً، يمكن في الحسابات أن يتم خفض نفقاتٍ تبلغ 3.8 مليار دولار إلى 380 مليون دولار من أجل استثمارٍ مدته عشر سنوات. أي أنّ الفارق هو 3.4  مليار دولار. والواقع أنّ الربح الصافي لشركة الاتصالات تلك بلغ 1.4  مليار دولار. لو أنّ النفقات قد وضعت في مكانها الصحيح، لأدى ذلك إلى خسارةٍ للشركة، وبالتالي إلى هبوط أسعار أسهمها.

كذلك الأمر بالنسبة لشركة فيفندي، فقد باع مديرها ميسييه شركة BSkyB إلى شركتين بريطانيتين مرتبطتين. إن خروج تلك الشركة الفرعية من إطار المجموعة كان سيسمح لفيفندي بأن تكون في المحصلة رابحة. وبقاؤها يعني أن تضطر فيفندي إلى إعلان خسارةٍ كبيرة. لكن لجنة عمليات البورصة في باريس COB اكتشفت التلاعب وقامت بإلغائه، واضطرت فيفندي إلى تقديم حساباتٍ خاسرة، ونتج عن ذلك خساراتها.

«من بعدي الطوفان»

أدى الإعلان عن الخسائر إلى كارثة بالنسبة للشركات المعنية، وأصبحت على وشك الإفلاس.

تدهورت أسعار أسهمها، فانخفض سعر سهم إنرون من 90 دولاراً في تموز (يوليو) من العام 2000 إلى أقل من دولار واحد أثناء القضية، في كانون الأول (ديسمبر) 2001. أما سعر سهم وورلدكوم، فقد انخفض من 62 دولاراً في حزيران (يونيو) 1999 إلى... ستة سنتات في الأول من تموز (يوليو) 2002. وبالنسبة لسهم فيفندي، فقد كان سعره 119 يورو في حزيران (يونيو) 2000، وانخفض إلى 13.9 في بداية شهر تموز (يوليو) 2002.

إنها كارثة بالنسبة لصغار المدخرين الذين استثمروا أموالهم في هذه الأسهم. كما أنها كارثة كذلك بالنسبة للموظفين الذين وضعوا أموال تقاعدهم في صناديق التقاعد الخاصة. وقد فقد أكبر صندوقين في كاليفورنيا مبلغ 850 مليون دولار في انهيار شركة إنرون وحدها. كما فقد صندوق تقاعد نيويورك الحكومي 300 مليون دولار.

لكن، إذا كان أرباب العمل ومديرو الشركات هم الذين يستفيدون دائماً من تقاسم الثروة، فإنّ الأمر مماثل في حالة الأزمات. إن قبطان سفينةٍ غارقة هو آخر من يغادرها. لكن الأمر ليس كذلك في العالم الرأسمالي. وهكذا، استقال عددٌ من المسؤولين في شركة إنرون قبل أن يتم الإعلان عن الفضيحة، وقبضوا مبالغ كبيرة مقابل خدماتهم. قبل بضعة أيام من الانهيار، تلقى 500 من الكوادر الإدارية مكافآتٍ بلغ مجموعها 55 مليون دولار، كما أفاد 750 من الوسطاء من هدايا بلغت قيمتها الإجمالية 50 مليون دولار من  أجل إبقائهم داخل المجموعة.

ماركس: «قال أحد العاملين في Quarterly Reviewer إنّ رأس المال يهرب من الفوضى والنزاعات، وإنه جبان بطبعه. هذا حقيقيّ للغاية، إلاّ أنّ تلك ليست الحقيقة كلها. رأس المال يمقت غياب الفائدة أو الفائدة الضحلة، مثلما تكره الحياة الفراغ. يكفي أن تكون الفائدة مناسبة حتى يصبح رأس المال شجاعاً: فحين تكون الفائدة مضمونة بنسبة 10% يمكن استخدامه في كل مكان، وحين تصبح النسبة 20%، يتحمس. أما حين تبلغ 50%، فإنّ جرأته تصبح جنونية. ومن أجل نسبة 100%، يسحق تحت أقدامه القوانين البشرية كافة. أما حين تصل إلى  300%، فما من جريمةٍ يتورع عن ارتكابها، ولو تعرّض لخطر وصوله إلى حبل المشنقة. عندما تؤدّي الفوضى والخلافات إلى الفائدة المادية، فإنّ رأس المال يشجعهما كليهما، والدليل على ذلك التهريب وتجارة الرقيق الأسود». 

رأس المال، الكتاب الأول، الصفحة 699، الهامش رقم 17 

 

كما استقال برني إيبرز، رئيس وورلدكوم، واحتفظ باليخت الذي اشترته له الشركة، واحتفظ كذلك بمقتنياتٍ أخرى بصفتها ممتلكاتٍ شخصية، لا يدين بها لأحدٍ وفقاً للقانون. وكذلك الأمر بالنسبة لجان ماري ميسييه، الذي كان قد كتب في J6m.com بأنّه في حال رحيله لن يطلب شيئاً. لقد حصل ميسييه على  خمسة ملايين دولار في العام الماضي كرواتب، لكنه قيل إنه طالب بمبلغ 20 مليار دولار من أجل استقالته، وطالب أيضاً بأن يحتفظ حتى نهاية العام بالشقة الفخمة التي قدمتها له الشركة في نيويورك، والمؤلفة من طابقين، بمساحة 530 متراً مربعاً تطلّ على شارع Park Avenue وقيمتها 17.5 مليون دولار. لكن المعلومات الأخيرة أفادت بأنّ المديرين الجدد لشركة فيفندي لم يوافقوا على هذه المطالب، خشية إثارة حفيظة المنظمات الحكومية.

على كل حال إنها خسائر بالنسبة للأرباح الصغيرة والكبيرة معاً. إنه المنطق البحت لهذه الرأسمالية اللاأخلاقية. هذا ما يمكن استنتاجه من تقريرٍ حول الثروات في العالم، أشار إلى أنّه يوجد في العالم  7.1 مليون شخص (من أصل عددٍ يزيد على ستة ملياراتٍ من البشر!) يمتلكون ثرواتٍ تزيد على مليون دولار، ولاحظ محررو التقرير بأنّ ثروات أولئك الأشخاص (26.200  مليار دولار في العام 2001) تواصل تزايدها في العام 2001، في حين تميل أسواق المال إلى الانخفاض. ويستنتجون من ذلك ما يلي: «لقد بذل أغلب أولئك الأثرياء ما في وسعهم  لمواجهة وضعٍ سيئ في العام 2001، فحافظوا على رؤوس أموالهم خلال عامٍ تميّز بالاضطراب، وذلك عبر  وسائل متنوعة». أي بمعنى أكثر وضوحاً أنّ الآخرين لم يكونوا على نفس المقدار من الكفاءة، وأنهم بالتالي حصدوا الخسائر.

هي دون شك حالة العاملين في الشركات المدانة، على الرغم من عدم مسؤوليتهم عن التزوير في الحسابات والتجاوزات التي قام بها مديروهم. لقد تم تسريح أربعة آلاف عامل منذ انهيار إنرون، وخسر هؤلاء العمال كل شيء: إذ لم يقتصر الأمر على خسارتهم لوظائفهم، بل إنّه تعدى ذلك إلى خسارة رواتبهم التقاعدية التي كانوا قد وظفوها في صناديق الشركة، والتي قامت باستثمارها في أسهم إنرون (التي لم تعد تساوي شيئاً). كذلك، فقد أعلنت وورلدكوم تسريح سبعة عشر ألفاً من عمالها في بداية شهر تموز (يوليو). وماذا ستكون عليه الحال بالنسبة لشركة فيفندي؟ لقد قال شخص مقرّب من جان ماري ميسييه بكل وضوح: «سوف يخسر الناس أعمالهم ومدخراتهم في آنٍ معاً».               

 

 (مبنى شركة إنرون في هيوستن)

 لقد أخفت الشركة جزءاً من النتائج السلبية واعترف مكتب أرتور أندرسن للتدقيق المالي بأنه قد أتلف مستنداتٍ في هذا الملف تسيء إليها.

 منذ أن تم الإعلان عن انهيار شركة إنرون، تم تسريح أربعة آلاف عامل. لكن قبل ذلك ببضعة أيام، حصل خمسمائة من الكوادر الإدارية على مكافآت بلغ مجموعها خمسة وخمسون مليون دولار؟

 

 رغم انهيار الأسواق المصرفية، لازال عددٌ يبلغ 7.1 مليون شخص في العالم يملكون أكثر من مليون دولار (من أصل عددٍ يتجاوز ستة مليارات من البشر) يرون ثرواتهم تتزايد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
181
آخر تعديل على الأحد, 18 كانون1/ديسمبر 2016 16:32