العراق الواحد وخطر الصراعات الثانوية المدمرة

المناضل الشيوعي آرا خاجادور
كتبت في عام 1990 رسالة مفتوحة إلى هيئات وأعضاء وأصدقاء حزبنا الشيوعي العراقي، هذا طبعا قبل أن تفقد الرسائل المفتوحة معانيها، وقبل أن يفقد الحزب صفته وهويته بالكامل. في تلك الرسالة تعرضت بإيجاز، أو على الخفيف، كما يقال في صفوفنا نحن العراقيين لوضع الحركة القومية الكردية في العراق.

وبحكم حرصي وقناعتي بعدالة مطاليب الشعب الكردي في العراق، أخذت تلك الملاحظات طابع الصداقة والحرص، ورغم ذلك، جاءني في ذلك الحين تعقيب من رفيق شيوعي كردي سابق، حذرني من مغبة نقد القوى القومية الكردية، ولمح ذلك "الرفيق" الذي يخدم حاليا في واشنطن بالإعلام الأمريكي الموجه إلى العرب والأكراد وكل شعوب الشرق إلى إمكانية تعرضي للقتل من جراء تلك الملاحظات.
 لم أرد على تلك الرسالة أصلا، وقلت لشركائي في النضال الوطني والطبقي: لنر إلى أين يذهب التعصب القومي بصاحبه في مجرى النضال؟. هذا إذا افترضنا أن ذلك النوع من النضال الذي مارسه ذلك الرفيق كان حقيقيا، فما عسانا أن نقول إذا كان ذلك النضال مجرد استعراض في سوق النخاسة السياسية الرعناء، إذ كان من المفترض أن ينتقل صاحبنا إلى دهوك أو أربيل أو السليمانية، وليس إلى واشنطن، علما أنه تخرج من براغ كمهندس زراعي على حساب الطبقة العاملة، وكان يفترض أن يذهب إلى الإقليم لخدمة شعبه، وليس إلى واشنطن لخدمة الأمريكيين.

صورة مؤلمة.. لكنها واقعية
هذا التهديد وقع أو حصل قبل أن تبدأ سلطات الإقليم بممارسة القمع والاضطهاد وكل ما اعترضت عليه سابقا ولاحقا، وحقا وباطلا. اعتبرت رسالة صاحبنا مجرد كلمات لا معنى لها، وإساءة للأحزاب القومية الكردية. ولكن يبدو أن صاحبنا أقرب إلى الصورة الحقيقية أو الواعدة في قيادة الإقليم، هذا طبعا بعدما بانت ممارساتها الأخيرة ضد العمال والمتظاهرين الأكراد...
جوهر تحذيراتي للقيادات القومية الكردية حينها هو ألا يرتكبوا الأخطاء التي ارتكبتها الحركة القومية الأرمنية، ومن أبرزها، التفريط بالحلفاء الاستراتيجيين في الوطن، وبالنسبة للأكراد؛ فإن العرب في العراق هم حلفاؤهم الطبيعيون، الأتراك في تركيا، والفرس وبقية القوميات في إيران. وقلنا: إننا ضد الارتهان للخارج، وضد تصدير الثورات، وضد حروب التدخل الاستعمارية، وطالبت بالاعتماد على القوى الذاتية أولا، إلى جانب الاهتمام بالحلفاء الطبيعيين، وعدم الاعتماد على القوى الأجنبية، الإقليمية منها والعالمية، مع تحريم الاستقواء بالأجنبي على أبناء الوطن. ولم يجنح ،حتى خيالي، في ذلك الوقت إلى أن الانحدار سوف يصل إلى درجات أسوأ من الاحتمالات المذكورة، إلى مثل ما نراه اليوم.

 إن خلق الثقة بين القوميات في أي بلد لا يتم من خلال الاستقواء بالأجنبي

كنت أتوقع ألا ترتكب الحركات القومية الكردية مرة أخرى التجربة المريرة لتحالف المرحوم مصطفى البرزاني مع إيران قبل عام 1975، إلا أن تحالف السيدين جلال الطلباني ومسعود البرزاني مع المعتدين الأمريكيين خلال احتلال العراق عام 2003، واستمرار التحالف حتى اليوم، دفعني إلى موقع القلق على مصير الشعب الكردي من قيادته، رغم أني لا أتجاهل الفرق النسبي بين تحالف مسعود وجلال في بعض جوانبه عن الخدمة الذليلة التي قدمها الآخرون في مجلس الحكم سيء الصيت والسلوك والعمل والتاريخ.

من المناورات إلى الغرق بالأوهام!
إن الحركة القومية الكردية كانت أكثر براعة في المناورات السياسية من بقية الأطراف العراقية، واليسارية منها بصفة خاصة، حيث كانت تعتمد سياسة- يد على المفاوضات وأخرى على السلاح أما حزبنا فقد كان يضع يديه معا، وفي وقت واحد، وفي مكان واحد، وفي بعض الحالات في المكان والزمان غير المناسبين. ومنذ عام 2003 التحق القوميون الأكراد ببعض الآخرين؛ أي وضعوا كل بيضهم في سلة الاحتلال، ووضعوا اليدين في الجيوب، دون مناورات أو سلاح.
وبالغ السكارى بأحلام التعصب ومحاباة المعتدين على حساب كرامة الوطن ووحدته إلى درجة اللعب على أوهام نسب مكونات الشعب العراقي، وأكاذيب مفوضية الانتخابات ولصوصها الأذلاء، وألغام الحرب الأهلية، ودستور العار، وإذكاء نار الطائفية والتعصب.
مرت سنوات على الاحتلال الأمريكي للعراق وشعبه، وأنا أراقب تطور الحركة القومية الكردية، وهي تغوص في الوهم الأمريكي، حيث فقدت حلفاءها العرب، وقد لا تشعر القيادة الكردية بهذه الحالة الخطيرة، وإذا توهمت بوجود حلفاء لها من "العرب"، فإنهم من عرب حي المنطقة الخضراء، أي من العملاء والمشبوهين، ومن الحالمين بالوصول إلى السلطة عبر الخدمة المؤقتة للغزاة، التي تتحول إلى خدمة تافهة ودائمة في معظم الحالات، أو تتحول إلى نكبة سياسية وفق منطقهم المعوج.
وإذا كان فقدان التحالف مع عرب العراق أو العرب عامة مؤلما، ويشكل خسارة موضوعية كبيرة للشعب الكردي، فان هذه الحالة قد تكون موضع نقاش في هذا الزمان الرديء، ولكن ماذا يمكن القول عن احتمال البدء بعدم التعويل على الشعب الكردي نفسه، لقد بدأت مقدمات هذا النهج الخاطئ تظهر جلية في الاعتداء على الحريات العامة، وعلى خبز الكادحين، وحقوق المرأة، وأخيرا استخدام السلاح في قلب كردستان نفسها ضد أبناء الشعب الكردي.
ولقد بدأت مقدمات هذا الفهم الخاطئ، بالصمت على جرائم الاحتلال، وتبريرها أحيانا، بعد التورط في تصور إمكانية نيل الحقوق عبر المحتل الأجنبي، ومن خلال التعاون معه، ولاحقا تعززت بتكميم الأفواه في كردستان نفسها، وفي ضرب المتظاهرين من أجل الخبز والوقود، وقتل العمال المطالبين بزيادة الأجور، وهنا اكتملت حلقات الوهم القومي المتعصب، بدلا عن الوعي القومي التحريري المعتمد على الشعب صاحب القضية الحقيقي، أولا وثانيا وأخيرا. إنهم اليوم يتجاهلون كل معاني الاعتماد على القوة الذاتية.

الأكراد يدفعون الثمن
إن الخطوة الأخيرة، أي التنكر للشعب الكردي نفسه، ما هي إلا صدى حتمي للتنكر للحلفاء الموضوعيين والدائمين أبد الدهر، وللإيغال في الاعتداء عليهم.
ليس في وسعي أن أضيف شيئا في مجال الطموحات القومية المشروعة تتجاوز حدود الإقرار بحق تقرير المصير، ولكن المطروح حاليا كسلوك قد تجاوز كل حدود الطموحات إلى درجة أو مرتبة الوهم، التي أضرت اليوم، وسوف تضر غدا، بمصالح الشعب الكردي قبل غيره. إن القوميات الأكبر لم ولن تنس وقوف القوميات الأصغر إلى جانبها في فترات الضعف، أو في فترات النضال ضد محتل أجنبي، ومثل هذه المواقف تعد من أهم المساهمات النضالية لتحقيق الشروط والمطاليب العادلة للقومية الأصغر لاحقا. والعكس بالعكس قائم أيضا.
المساومات متحركة، ولكن الخطوط العامة للسياسة الاستعمارية الدولية مثل: فرق تسد، التفريط بمصالح الحليف الأصغر، ابتزاز الصنائع الصغار... سياسة ثابتة في معظم الحالات.
وينبغي أن نعلم أن السياسة القائمة على القوة العسكرية هي سياسة فاشلة ورعناء، إن الحياة قدمت وسوف تقدم مئات الأدلة على أن القوة العسكرية الأمريكية قد تتعطل في بعض الحالات، وينبغي دراسة الحالة اللبنانية، الأفغانية والعراقية أيضا، ومن يريد في الحالة العراقية استثمار الاحتقان الطائفي، سوف يفشل أيضاً، لأن تلك الحالة حالة طارئة، وقد تختفي الحالة الطارئة في لحظة ما. عليكم تذكر محاولات الأنظمة التي كانت تطمح إلى التأليب ضد الشعب الكردي. نسألكم: هل نجحت محاولات التأليب؟
العامل الكردي لا يختلف عن شقيقه العربي أو التركماني أو الكلدوآشوري في الدفاع عن مصالحه، وأن عدوه هو من يسرق خبز عياله
إن خلق الثقة بين القوميات في أي بلد لا يتم من خلال الاستقواء بالأجنبي، وحتى في الحالات التي تتحقق فيها بعض المكاسب لأي قومية من خلال الأجنبي، سرعان ما تفقد تلك المكاسب، ويفقد معها ما هو أهم، وهو تضامن أبناء الوطن الواحد مع الطرف المضطهد، إن الحليف الأجنبي قد يخون في منتصف الطريق، وعلى نحو أدق، نقول: إنه سوف يخون حتما وبكل تأكيد. وينبغي التذكير بأن من أهم مصادر قوة القضية الكردية، أن الشعب العراقي بكل مكوناته قد وقف معها.
إن من يعتقد بإمكانية وجود كردستان هادئة في عراق مضطرب، فهو واهم. وإن من يعتقد بإمكانية بقاء كردستان دون عدوان خارجي من دول الجوار دون عراق قوي وموحد، فهو واهم أيضا.
كما لا يمكن أن يتحقق كيان قوي لكردستان في ظل كيان هش للدولة العراقية. وأقول أبعد من ذلك، إن كردستان اليوم لن تكون بمعزل عن النضال ضد المحتل، وان الحالة القائمة في العالم الإسلامي ككل ليست طارئة، أو بفعل فاعل مجهول، رغم كل المظاهر السلبية أحيانا، التي لحقت أو ألحقت بها، أي بالحالات القائمة في كل بؤر التوتر.

 إن الطائفية الحالية هي طائفية سياسية طارئة لا مستقبل لها، وهي كأي ظاهرة طارئة سوف يحين وقت التبرؤ منها، والقضاء عليها

وينبغي أن تعلم القيادة الكردية المهيمنة قبل غيرها، أن المحتل عجز حتى الآن عن جر العراق إلى حرب طائفية واحدة، فكيف الوهم بجر العراق إلى حربين في وقت واحد، حرب طائفية وأخرى عرقية - مع الاعتراف الكامل بأن المحتل وبعض القوى الإقليمية قد جرت أعدادا غفيرة من العراقيين إلى الأعمال التي يخجلون منها أو سوف يخجل البعض منهم منها - . إن تلك الحرب التي يأمل المتعصبون منها، أن تحقق حلم القومية الأصغر، أو حلم فئة واحدة من فئات الشعب العراقي، نقول لهم: إنها لو تحققت فلن تحقق إلا أحلام أعداء الوطن، بل وتدمير الوطن كله.
سوف يفهم المتعصبون - إن لم نصفهم بغير ذلك - إن عاجلا أو آجلا-أن الصراع الاجتماعي لن يتوقف، وإن بدا أو ظهر على هذه الشاكلة، وهم يلاحظون اليوم أن العامل الكردي لا يختلف عن شقيقه العربي أو التركماني أو الكلدوآشوري في الدفاع عن مصالحه، وأن عدوه هو من يسرق خبز عياله، فالعامل الذي أطلقت عليه النيران في مصنع أسمنت طاسلوجة في السليمانية كردي، والذي أطلق النار عليه كردي أيضا، وكذلك الحال للمتظاهرين من أجل الخبز والكهرباء والوقود والحرية في كلار، حلبجة، رانية، قلعة دزة، السليمانية، عقرة، جمجمال، دربنديخان، أربيل، دهوك..وغيرها.
كما أن السراق والمجرمين هم أنفسهم في البصرة والسليمانية وأربيل وبغداد وكركوك وغيرها. وكما قال الكاتب الكردي كمال سيد قادر:(ولكن الدرس الأكثر مرارة تلقيناه نحن الكرد عندما تعلمنا بان الظلم و الطغيان يمكن أن يتكلما الكردية)..
الصراع الطبقي الآن.. ودائماً
إن التجارب تقول: عندما يتعرض العامل إلى اضطهاد يتضامن معه بقية العمال، ولم يحصل أن يسأل العمال لا في التجارب القديمة ولا الراهنة العامل الذي يقع عليه الظلم عن قوميته أو دينه أو طائفته لكي يتضامنوا معه، إنهم يتضامنون معه وحسب، لان المصير مشترك. ولاحظ الجميع أن عمال معمل اسمنتطاسلوجة في السليمانية؛ حاضنة الثقافة الكردية تظاهروا لذات الأسباب التي أضرب من اجلها عمال شركة نفط الجنوب في البصرة؛ ديوان الثقافة العربية.
وفي هذه اللوحة السوداء لابد أن نشير إلى ما يجري في رحم الواقع العراقي حيث بدأت بعض الظواهر الايجابية تفعل فعلها في بعض جوانب الحياة العراقية، وإن كانت لم تزل في حالتها الجنينية، وأظن أن نظام الدفاع عن النفس، الذي بدأ يأخذ طريقه في بعض الأحياء والمصانع بعيدا عن العرقية أو الطائفية أو العشائرية يمثل بداية للالتحام الوطني، أي نقيض التعصب الطائفي والعرقي الذي يرزح الوطن تحت وطأته الثقيلة جدا.
إن الطائفية الحالية هي طائفية سياسية طارئة لا مستقبل لها، وهي كأي ظاهرة طارئة سوف يحين وقت التبرؤ منها، والقضاء عليها، وكذلك الحال بالنسبة لبقية أنواع التعصب الأخرى العرقية والدينية والمناطقية وغيرها. إن المعركة الاجتماعية في العراق اليوم تختلط بالمعركة ضد الاحتلال، وما نزول العمال إلى الشارع للمطالبة بأبسط حقوقهم إلا تعبيرا عن ذلك الترابط العضوي بين المقاومة والدفاع عن الحقوق المهدورة، رغم الجهود المضنية لتصريف النضال العام في قنوات الأوهام الطائفية والعرقية وغيرهما.
واضح أن عمال طاسلوجة وأبناء المدن والقصبات الكردية غاضبون من حقيقة أن كردستان قد تحولت إلى أمتين متناقضتين، أمة الفقراء وأمة أغوات السياسة والأصناف الأخرى من الاستغلال، والنهب السافر، والمتواصل والمنظم للملايين والمليارات من الدولارات، مستفيدين من تجربة أشقائهم الوافدين مع الاحتلال، وفي هذه الحالة كانت الوحدة الوطنية في أقوى صورها، ودون أية شائبة. إن الفساد وخراب الضمير عم الفئة السياسية المتعاونة مع المحتل من زاخو إلى الفاو، لقد حشد خدم أمريكا كل طاقاتهم لا لسرقة الشعب فحسب بل لقتله أيضا.
إن الحالة واحدة في كل أجزاء الوطن، وبصدد الديمقراطية الموعودة لعل السيد الطالباني يتذكر أول تجربة ديمقراطية له وغير بعيدة مع حلفائه الديمقراطيين الجدد، عندما كتبت صحيفة الاتحاد التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني مقالا تناول حزب الفضيلة، قيل عنه إنه مقال أهان رجل دين، فطالبوا الطلباني باعتذار عن انتقاد الشيخ اليعقوبي.
وقبل أن يأتي رد الطلباني، شاهد الجميع ما حل بمكاتب الاتحاد الوطني الكردستاني في 11/8/2006 في بعض المدن العراقية، التي يفترض أن رئيس الاتحاد الوطني رئيسا لتلك المدن، حيث حطمت نوافذ مكاتب مقرات حزب الطلباني وكتبه ووثائقه ونثرت الأوراق على الأرض، والنيران تفعل فعلها في مقرات الحليف ولسان حالها يقول: ونطعم النار أحلى ما كتبناه. ونترك الحديث عن الاعتذار للمعني نفسه، ليقول ما حصل. ولكن قد يكون شفيع البعض في هذا الصدد، أن بشاعة هؤلاء لم تصل إلى بشاعة مجزرة بشت آشان.
إن رجال الدين، ولا أقول علماء الدين، يسرقون اليوم وعلى رؤوس الأشهاد النفط والأرض والمباني الحكومية وحتى الأعراض، ويقودون عصابات القتل والجريمة وغيرها الكثير. هل هؤلاء هم الحلفاء المخلصون للحقوق القومية للشعب الكردي؟.
إنكم معهم في الترويج لأفكار بقاء الاحتلال كحارس للعراقيين من العراقيين، ومعهم في معاقبة وقتل الناس لأسباب سياسية، وقتل النساء أيضا، ولكن في هذه الحالة الأخيرة، يجري اضطهاد وقتل المرأة، وفقاً لصفقات وتقاليد عشائرية بالية وغير إنسانية.وأنتم أيضا شركاؤهم في الصمت على تزوير الانتخابات العامة أكثر من مرة، والتواطؤ على الدستور الخياني، واضطهاد الصحفيين والمثقفين بتهمة التحريض، ومعهم في ممارسة التعذيب والاعتقال غير المشروع، والتغاضي عن القتل على الهوية، وقتل العلماء والأطباء والطيارين وغيرهم، وفي شراء الذمم وتوزيع الهبات والمكارم.
القومية والديمقراطية.. والعراق الواحد
نعود إلى نقطة البدء القوية والمهمة والراهنة، فالقضية القومية في أي بلد مرتبطة عضويا بقضية الديمقراطية، وكلما تتوسع الديمقراطية تتوسع معها حقوق القوميات، وهنالك ظروف ملائمة للأكراد في العراق، خاصة وان حركة النهضة العربية قد تميزت بأنها غير عنصرية، ولم تتخذ مواقف عدائية من القوميات والأديان الأخرى على العكس من الأنظمة والدكتاتوريات العربية.
إن الطموحات المشروعة للشعب الكردي لا تتحقق من خلال الدعوات للسيطرة على مدينة كركوك الغنية بالنفط، والتي يقطنها إلى جانب الكرد التركمان والعرب وغيرهم. ولا تتحقق من خلال الدعوات إلى استفتاءات في خانقين ومندلي وحتى زرباطية، أو من خلال الدعوة إلى أي مطلب في غير وقته ومحله، أو يمكن أن يساء فهمه.
 
 عمال طاسلوجة وأبناء المدن والقصبات الكردية غاضبون من حقيقة أن كردستان قد تحولت إلى أمتين متناقضتين، أمة الفقراء وأمة أغوات السياسة
 
وينبغي العلم بأن كل القرارات في زمن الاحتلال باطلة، وقد تكون مجرد ألغام ضد كل مكونات الشعب العراقي، لان كل فئة عراقية سوف تجد في نهاية المطاف، إن مصالحها الحقيقية متشابكة مع مصالح الفئة العراقية الأخرى. إن كل قرارات زمن الاحتلال قد تشكل خطرا على الطرف المعني. نقول لكل من تعنيه مصلحة العراق، وفيه ذرة إخلاص: ألم يحن وقت المراجعة بعد؟.
إن ما تعانيه جماهير كردستان من ظروف شاقة وعسيرة، ابتداء من شحة مياه الشرب وإنقطاع التيار الكهربائي وأزمة الوقود والغلاء وتدني الأجور والرواتب والبطالة والحرمان وتدني الخدمات الاجتماعية إلى القمع والفساد المنتشر في مؤسسات حكومة الإقليم كافة لن يعالج من خلال زراعة الأوهام، وإذا لم تعالج هذه المآسي فان النتائج سوف تكون وخيمة على سلطات الإقليم.
..العراق ليس صناعة بريطانية، كما يدعون، أو كما حاولت دعاية الاحتلال أن تصوره، إن هذه الأكذوبة الخطيرة والمريضة التي تستهدف شل إرادة العراقيين، سوف يتنازل عنها الاحتلال، كما بدأ يتنازل عن طروحات صماء رعناء وأكاذيب أخرى، أو يجبر على الاعتراف بإرادة الشعب العراقي، كما اعترف بأن الشعب العراقي لم يستقبله بالورود، وان جاء هذا الاعتراف بعد حين، ولن يستطيع إعلان النصر ثانية.
هذه هي الحالة ياعمال طاسلوجة بكل مظاهرها المشرقة منها والمحزنة، وإنكم بإضرابكم من أجل انتزاع حقوقكم قد خطوتم الخطوة الصحيحة، وقرعتم الجرس لكل النائمين في مستنقع أحلامهم المريضة، واعلموا أنكم لستم وحدكم في معركة الحقوق الملموسة والعادلة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
281