تحليل إخباري: ماذا يحمل التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة؟

إلى أين تمضي الولايات المتحدة في توسيع تواجدها العسكري في مختلف ارجاء العالم تحت لافتة «مكافحة الإرهاب» التي لا تغيب عنها غايات الهيمنة الاقتصادية والسياسية تحت وطأة البسطار العسكري، سؤال ينبغي على ساسة الحكومات الوطنية والدول المستقلة استيعابه وإيجاد أشكال دفاعية حمائية مسبقة لكياناتهم الوطنية ومفهوم سيادتها…

ولم يعد جديداً القول بأن واشنطن بعد الحادي عشر من ايلول بدأت عملياً بمحاولة إعادة رسم الخارطة الجغرافية السياسية للعالم مع لوحة تحالفاته خدمة لمصالحها التي يهددها الضعف الرأسمالي البنيوي والتنافس الامبريالي وصحوة الشعوب العائدة إلى الشارع بقوة من جديد، وليس خافياً على أحد حجم الاستشراس الأمريكي الضارب بعرض الحائط، كل المقاييس والأعراف الدولية والمستند إلى المعايير المزدوجة والمترافق مع ممارسة الابتزاز السياسي والاقتصادي المقترن بالضغط العسكري والعزف على وتر تأجيج التناقضات والصراعات الاقليمية لدى البلدان المستهدَفة وجيرانها الطبيعيين أو المُقحمين وذلك عبر استغلال حالة الفراغ القائمة غالباً بين شعوب هذه البلدان وقياداتها المستعدة بدورها لتقديم التنازلات في سبيل البقاء في مواقع نفوذها..

فما معنى إجراء مناورات عسكرية هندية امريكية لأول مرة منذ 40 عاماً في شبه الجزيرة الهندية في وقت يشهد توتراً متصاعداً للصراع الهندي الباكستاني بما يترافق مع تفجر الأوضاع الداخلية في البلدين كليهما وبما يتزامن مع التودد الأمريكي غير المسبوق أيضاً لباكستان بما يشمله ذلك من تواجد قوات خاصة لايزال النفي والغموض يكتنف تحركاتها، علماً بأن إسلام آباد كانت خصم واشنطن وحليف بكين تاريخياً مقابل الهند خصم واشنطن أيضاً وحليف موسكو تاريخياً؟

وإلى جانب الوقوف العسكري المباشر فوق أنابيب النفط الاستراتيجية في القوقاز غداة القمة الثلاثية التي جمعت رؤساء تركيا وأذربيجان وجورجيا التي قررت تسريع العمل في مشروعي خطوط الغاز والنفط فيما بين البلدان الثلاثة، ما معنى إنفاق واشنطن لمبلغ 64 مليون دولار على ما تصفه بالبرنامج المتواضع للمساعدة في تدريب وتسليح القوات المسلحة الجورجية وتطويرها في مجال مكافحة الإرهاب على يد فريق من 200 خببير عسكري من وزارة الدفاع الأمريكية الذين أعلنوا أنهم سيبقون  شهرين فقط(؟؟) و«أنهم لا ينوون التدخل في الشؤون الأمنية الجورجية الداخلية» وإنما تكمن مهمتهم «في تطوير نوع القدرات الأمنية التي تحتاجها جورجيا لتلبية احتياجاتها الأمنية (!!؟)»وذلك في إشارة إلى الجماعات المسلحة المتمردة ومخابئها المتمركزة في اقليم بانكيسي الجبلي على الحدود مع جمهورية الشيشان الساعية بدورها للانفصال عن موسكو؟

وما معنى طلب الجيش الفلبيني تمديد بقاء بعض القوات الأمريكية المتواجدة بالمئات في الفلبين بهدف «المساعدة في بناء طرق ومهابط طائرات ضمن ما يسمى بالحملة على المتشددين الإسلاميين» في جنوب البلاد الفقير والمهمل حكومياً بالأساس بما يشكل ارضية خصبة للتطرف من حيث المبدأ؟

وما معنى التواجد العسكري الأمريكي الجديد في دول آسيا الوسطى؟ وما معنى خطط توسيع حلف الأطلسي ذي القيادة أمريكياً شرقاً؟ أسئلة تضاف إلى المعاني ذات النتائج الملموسة من التواجد العسكري الأمريكي في كوريا الجنوبية مثلاً ودوره في إعاقة عملية توحيد شبه الجزيرة الكورية وهو ما عبرت عنه المظاهرات الشعبية في سيؤول ذاتها.. ومن التواجد في اليابان وكولومبيا وشواطئ فنزويلا إبان محاولة الانقلاب الأمريكية الفاشلة فيها.. ومن التواجد في الخليج العربي مع كل منعكسات الضغط والابتزاز الأمريكيين ودورها هي الأخرى بحكم الارتباطات القائمة وتناقضها البيني في إعاقة قيام ابسط اشكال التضامن العربي...

أما الأخطر الآن فهو فهم الأبعاد المحتملة في نداءات «الاستغاثة» التي تطلقها بعض الأطراف العربية بخصوص إرسال قوات مراقبة دولية للأراضي المحتلة... والتي ستكون أمريكية في غالبها أو مجملها...

فبعد ممارسة كل الضغوط اسرائيليا وأمريكيا لتفريغ القرارات الدولية الخاصة بالصراع العربي الصهيوني من مضمونها، مع اختزال القضية العربية، وخفض سقف المطالب العربية والفلسطينية، وتشتيت المرجعيات الدولية ذات الصلة عبر استصدار قرارات مجتزأة جديدة والتوصية بمؤتمرات جديدة تبتعد عن ثوابت الحقوق في الصراع... وبعد إدخال وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سيئة الصيت إلى المنطقة واعتبارها مع رئيسها طرفاً «مرموقاً» في محاولات التوصل إلى «هدنة» وحلول «للنزاع» بما أفضى عملياً إلى تورط قوات الأمن الفلسطينية وقياداتها، وبعض القيادات العربية المرتبطة باتفاقيات سلام مع الكيان الاسرائيلي برعاية أمريكية، في مؤامرة القضاء على نشطاء الانتفاضة وبنيتها التحتية، كما جرى ويجري في جنين وطولكرم ونابلس والخليل وغيرها من المدن الفلسطينية... وبعد التلويح الترهيبي بتوسيع الحرب المعلنة أمريكياً ضد الإرهاب بحسب القواميس الأمريكية التي تصر على الخلط بين الإرهاب والمقاومة... وبعد استصدار اللائحة الثانية من دول محور الشر بعد العراق وإيران وكورية الشمالية... بعد ذلك كله جاءت صفقة تسوية يريد البعض تبسيطها، وهي الاتفاق الذي تم بموجبه نقل ستة فلسطينيين يقول الكيان الاسرائيلي أنهم مطلوبون لديه ليقبعوا في سجن فلسطيني ولكن تحت حراسة أمريكية وبريطانية، أي أن الأراضي الفلسطينية، وبحكم التحالف الأمريكي الاسرائيلي الوثيق الذي يخرج كل يوم مسؤول أمريكي ليؤكده، لن تعاني من الاحتلال الاسرائيلي فحسب وإنما أيضاً من الاحتلال الأمريكي فوقه، بما يقذف أي حل عملي وحقوقي لمعاناة الشعب الفلسطيني سنوات إلى الأمام ويجعل الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، كما هو منشود، حلماً بعيد المنال أو دويلة أكثر من مقزومة عملياً كنتيجة لكل عمليات الابتزاز والرضوخ... ناهيك عن انعكاسات ذلك تجاه الاقتراب العسكري الأمريكي المباشر من الدول غير المرتبطة بالكيان وغير الموالية للسياسات الأمريكية... وهو ما يعود بنا إلى ضرورة قرع أجراس الإنذار في بادئ القول.

معلومات إضافية

العدد رقم:
175