مصر: «أسرار» المشروع النووي لـ «مبارك» الصغير

كشفت مصادر مطلعة عن أن البرنامج النووي المصري الذي تحدث عنه جمال مبارك الأمين العام المساعد للحزب الوطني في المؤتمر السنوي الرابع للحزب الحاكم، وأشار إليه الرئيس مبارك في كلمته الختامية بالمؤتمر، ما هو إلا إحياء لمشروعين أمريكيين قديمين كان الرئيسان داويت ايزنهاور وريتشارد نيكسون ولويس شتراوس رئيس هيئة الطاقة الذرية الأمريكية، قد اقترحوا إقامتهما في سيناء لتحلية مياه البحر لمساعدة إسرائيل في زراعة سيناء، وإنتاج المواد الانشطارية لصالح الولايات المتحدة.

وبحسب المصادر؛ فإن البرنامج النووي المقترح الذي سيخضع لإدارة أمريكية- إسرائيلية في حال تنفيذه، سيكون نسخة مكررة من المشروعين اللذين اقترحتهما الولايات المتحدة أغسطس في عامي 1967م و1974م.
ويتلخص المشروع الأول منهما في إنشاء عدد من المفاعلات النووية أحدها على الساحل الإسرائيلي، والآخر في الجانب المصري من خليج العقبة، والثالث في إسرائيل أو الأردن، بقدرة 500 ميجا وات لكل مفاعل أو أكثر.
وكان المشروع يهدف لإزالة ملوحة مياه البحر لتوفير المياه للزراعة والشرب في إسرائيل وسيناء، مما يساعد على (السلام في الشرق الأوسط، كما زعم مروجو المشروع الأمريكي آنذاك)، عبر استخدام الطاقة الناتجة عن تلك المفاعلات في إقامة أساس لمجمعات صناعية وزراعية وسياحية مصرية (إسرائيلية) مشتركة، وإنتاج العناصر الانشطارية لصالح الولايات المتحدة.
وطبقا لما أعلنه رئيس هيئة الطاقة الذرية الأمريكية في أكتوبر 1967م في حديثه عن المشروع وقتذاك، فإن الولايات المتحدة كانت تهدف من إنشاء المشروع ضمان تطبيق الضمانات النووية والتفتيش على المنشآت النووية في تلك الدول لمنع سباق التسلح النووي.
وكان الرئيس نيكسون وافق عند زيارته لمصر في عام 1974م على تزويد مصر بمفاعلات نووية، مشترطًا أن يكون المشروع المقترح في ذلك الوقت استكمالاً للمشروع القديم الذي قدمه الرئيس ايزنهاور بغرض إقامة مجمعات زراعية صناعية سياحية مشتركة بين مصر والولايات المتحدة.
وقد رفض الرئيس السادات العرض الأمريكي، وذلك لتأثيراته على الأمن القومي المصري والذي يستحيل معه مستقبلا تطوير أي برامج نووية لوجود شريك إسرائيلي، وبعد أن أدرك أن إقامة مثل هذا المشروع قد يؤثر بشكل كبير على القرار المصري مستقبلاً.
وحاولت الولايات المتحدة مرة أخرى في عام 1975م أن توقع اتفاقية مع مصر لإقامة هذا المشروع بتسهيلات جديدة وشروط وضمانات مشجعه لمصر، وبالفعل تم في 5 نوفمبر من العام ذاته توقيع البيان المشترك المصري- الأمريكي حول التعاون النووي، والذي تضمن المبادئ التي تم على أساسها التعاون النووي بين البلدين، والذي نص على إمكانية أن تشتري مصر مفاعلات نووية أمريكية بقدرة إجمالية 1300 ميجاوات وكذا الوقود النووي اللازم لها.
ووصف البيان المذكور بأنه كان خبيثًا وكريمًا في وقت واحد، بعد أن اشترطت الولايات المتحدة على تخزين البلوتونيوم الناتج عن تلك المنشآت خارج مصر بزعم الحفاظ على البيئة المصرية، في حين كان الهدف من ذلك منع مصر من استغلال هذا البلوتونيوم في إنتاج أسلحة نووية.
وقد انتهت المفاوضات بين الجانبين في عام 1976م وتم التوقيع بالأحرف الأولى وكان الأساس من المشروع هو تحلية مياه البحر لإسرائيل وإقامة مجمعات زراعية سياحية صناعية مشتركة بين مصر وإسرائيل.
ورغم توقيعها وتكليف الشركات الأمريكية ببدء العمل، طالبت الولايات المتحدة وقتذاك بإعادة التفاوض لوضع شروط إضافية ضد مصر تتعلق بمنع الانتشار النووي والضمانات، بسبب إجراء الهند تفجير نووي عام 1974م، وكذا الظروف الداخلية التي أدت لاستقالة الرئيس نيكسون.
وقالت المصادر إن ما يؤكد الإصرار الأمريكي والإسرائيلي على إحياء مشروعهم القديم في سيناء هو محاولاتهم المستمرة لتحويل ارض محطة الضبعة النووية إلى منشآت سياحية ، رغم أن تلك الأرض مخصصة للمشروع النووي المصري بالقرار الجمهوري 309 لسنة 1981م، ومازال ساريًا حتى الآن.
وأكدت المصادر أن إعلان جمال مبارك ووالده عن خطوة إحياء البرنامج النووي المصري جاءت بالتنسيق مع الولايات المتحدة وعزت ذلك إلى الترحيب الأمريكي السريع فور الإعلان عنه خلال فعاليات المؤتمر الرابع للحزب الوطني .
لكن المصادر ذاتها كشفت عن أن كبار الخبراء في مجال الطاقة والأمن القومي لا يرحبون بمشروع جمال مبارك النووي لأنه سيكون على حساب الأمن القومي المصري، وطموحات مصر النووية مستقبلاً في أن يكون لها برنامج طموح سلميا لإنتاج الطاقة دون ارتباط مع إسرائيل، أو تحويل سيناء إلى مزرعة إسرائيلية مصرية مشتركة تحت زعم تعزيز السلام والأمن في المنطقة.
من جهة أخرى ذكرت صحيفة «نوفال أبوزفاتور» الفرنسية في تقرير نشرته عن المؤتمر السنوي للحزب الوطني الذي اختتمت فعالياته الخميس الماضي، أن مصر أجرت محادثات على مدار ستة أشهر مع إسرائيل حول نيتها بإنشاء مفاعل نووي سلمي يستخدم لتوليد الطاقة الكهربائية بقدرة 20 ميجاوات.
وقالت الصحيفة إن إسرائيل توجست خيفة في بادئ الأمر لكنها وافقت بعد أن حصلت على تعهدات من مصر، بأن يتم إخضاع المفاعل للرقابة المستمرة من وكالة الطاقة الذرية، لكن مصر رفضت أن تفرض إسرائيل وصايتها عليها، قبل أن تجرى محادثات أخرى على مستوى الخارجية والأمن القومي يتوصل فيها الجانبان إلى صيغة مرضية بهذا الشأن.
وأوضحت أن حديث مصر مع إسرائيل جاء بمقتضى بنود اتفاقية السلام المبرمة بين الجانبين، وتحسبًا لأي تفسيرات أو أي إعلان مفاجئ قد يؤثر على العلاقات بينهما.
ولفتت الصحيفة أيضًا إلى أن مصر استأذنت الولايات المتحدة قبل إعلان جمال مبارك الأمين العام المساعد للحزب الوطني عن رغبة مصر في إنتاج طاقة نووية للأغراض السلمية، بعد أن طلب نجل الرئيس من أعضاء بالكونجرس الأمريكي خلال زيارتهم القاهرة منذ عدة أسابيع، الخبرة الأمريكية في إنشاء مفاعل نووي بقدرة 20 ميجاوات يستخدم للأغراض السلمية.
وأشارت إلى أن مصر تمتلك مفاعلاً نوويًا بقدرة ضعيفة جدا 2 ميجاوات يقع بمدينة أنشاص شمال القاهرة وتستخدم الطاقة المتولدة منها في إنتاج الطاقة الكهربية والنظائر المشعة، والذي تم إنشاؤه في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بخبرة روسية.
وتناولت الصحيفة الطموحات السلمية النووية لمصر، قائلة إنها وضعت الأساسيات الأولي بإنشاء مفاعل بمنطقة الضبعة عم 1986م، لكنه لم يكتمل بسبب ما حدث في تسرب مفاعل تشرنوبل الروسي الذي أثار الهلع للمصريين مما جعلهم يتنازلون عن هذا الطموح النووي.
وقالت إن أمام المصريين عدة شركات متخصصة في بناء المفاعلات النووية لكن النية تتجه للتعاقد مع شركة «أتومكس انترناشيونال» الأمريكية التي قامت بإنشاء المفاعلات الأمريكية والإسرائيلية، وقدرت تكلفته ما بين 200 إلى 300 مليون دولار، مرجحة أن يعمل المفاعل بالماء الخفيف، بهدف إنتاج طاقة كهربية وإنتاج نظائر مشعة كالسيوم والنحاس والكبريت والزنك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
282