ابراهيم البدراوي ابراهيم البدراوي

مبارك.. إما أن يتنحّى، أو يُنحّى!

تمر مصر بظروف عصيبة وأزمة شاملة ناتجة عن سياسات التبعية والاستسلام التي تتبعها سلطة الطبقة الحاكمة بقيادة حسني مبارك. تلك السياسات المدمرة والمهلكة المنحازة بشكل مطلق لمصالح رأس المال الأجنبي والمحلي التابع، والتي دمرت الكادحين جوعاً وبطالة وفقراً واستبداداً، وأدت إلى مخاطر هائلة على الأمن القومي المصري، وقوضت بحكم ثقل مصر ودورها التضامن والنهوض العربي، وأفقدتها دورها القيادي عربياً والريادي عالمياً، وتقلصت إلى أبعد الحدود إمكانيات التطور الحر والسلمي للبلاد ووضعت مستقبلها كله في مهب الريح.

لقد بلغ الوضع حداً يؤذن إما بانفجار عفوي لا أحد يعرف مداه، أو بانهيار شامل. وكلاهما سوف يدمر الكيان الوطني برمته. فالغضب عارم وهائل، والصراع الطبقي والوطني والقومي محتدم في تشابك وتفاعل يفوق الوصف.
المشهد الآن يجمع بين إضرابات عمالية لا تعرف التوقف (نضالات طبقية) واحتجاجات واعتصامات ومظاهرات تضامناً مع أشقائنا في غزة والعراق تكرس لها السلطة مئات الآلاف من جنود وضباط الشرطة، (نضالات وطنية وقومية).
لقد أصبح الوضع أكثر حدة بما لايقاس مقارناً بأوضاع  البلاد عام 1951 وبدايات عام 1952 السابقة مباشرة على ثورة 23 يوليو. حينها كانت البرجوازية المصرية، وأعني القسم الوطني منها آنذاك، عاجزة عن إدارة الصراع ضد الاستعمار البريطاني وعملائه المحليين بما يحقق الاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي، وذلك بحكم طبيعتها المزدوجة المعادية للاستعمار من ناحية والمعادية للطبقة العاملة وسائر الكادحين من ناحية أخرى. كما لم تتمكن القوى التقدمية لظروف وأخطاء عديدة تسببت في إضعافها من قيادة الحركة العارمة للجماهير وإدارة الصراع الجاري.
إزاء ذلك بادر الجيش المصري ليلة 23 يوليو بالانقلاب الثوري. وسرعان ما استدعت الجماهير ذاكرتها التاريخية الجمعية والتفت حول الجيش وأضفت الطابع الثوري على الحدث الهائل. ذلك لأن التجربة التاريخية للمصريين تؤكد أن للجيش خصوصية  حددت له دوراً أكثر رحابة وسعة عن دور الدركي حارس الحدود، وذلك منذ «أحمس» و«حور محب» ومحمد عبيد وأحمد عرابي، باعتباره المنقذ للوطن في المفاصل التاريخية التي تمثل خطراً على مصيره. وذلك أضفى على الجيش طبيعة متفردة ودوراً وواجباً والتزاماً تاريخياً، وتحدد وضعه الحاسم في قلب المعادلة السياسية في البلاد.
دشن جمال عبد الناصر منذ الأيام الأولى للمرحلة الجديدة بإلغاء رتب الباشوية والباكوية (مخلفات العهد التركي) ثم قانون الإصلاح الزراعي الأول... ثم تصاعدت إرهاصات بلورة مشروع النهضة في مؤتمر باندونج ، ثم صفقة الأسلحة التشيكية ومعركة الأحلاف، ثم معركة بناء السد العالي وتأميم قناة السويس ومواجهة العدوان الثلاثي والانتصار 1956، ثم تمصير المؤسسات الاقتصادية البريطانية والفرنسية أساساً (نواة القطاع العام)، فالوحدة المصرية السورية، والخطة الخمسية الأولى، ثم التأميمات الواسعة 1961 وإرساء حقوق اجتماعية واسعة للعمال والفلاحين الفقراء وسائر الكادحين. وتلازم كل ذلك بمناهضة الاستعمار ومساندة حركات التحرر الوطني خصوصاً في الوطن العربي وأفريقيا، وتنمية واسعة للعلاقات مع الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية على أسس متكافئة والنهوض بالتعليم والبحث العلمي والثقافة، الخ...
لقد تمت كل المنجزات في خضم صراع هائل ضد الأعداء الخارجيين وعملائهم المحليين والإقليميين. وكانت ملحمة بناء الدولة هي لب الصراع ضد أعداء محددين بوضوح، وبعلاقات خارجية محددة بوضوح. وكانت إدارة الصراع التي تجري بنجاح رغم الصعوبات الهائلة هي جوهر الأداء السياسي للسلطة.
ثم كان عدوان 1967 الذي استهدف تصفية المشروع وإيصالنا إلى ما نحن فيه هو ذروة الصراع. ورغم النكسة فقد خرجت الجماهير المصرية، بل والعربية، ربما كما لم تخرج من قبل، لتطالب جمال عبد الناصر بالاستمرار. وتمت إعادة بناء الجيش وتطويره وتسليحه، واستمرت التنمية الاقتصادية– الاجتماعية الشاملة، وتعمقت المكتسبات الاجتماعية (مثل الإصلاح الزراعي الثالث) وبذلت جهود خارقة في الإعداد للتحرير، وكان كل ذلك هو التمهيد لمأثرة حرب أكتوبر المجيدة.
بعد وفاة عبد الناصر وتولي السادات للرئاسة، قام بانقلابه المضاد في 14 مايو 1971. ولكنه تحت ضغط هائل من الشعب والجيش اضطر لدخول حرب 1973 على غير رغبة منه. ولكنه اغتال مأثرة ضباط مصر وجنودها بسرعة. ثم بدأت الاستدارة الصريحة والواضحة على الخط الوطني– التحرري– التقدمي وصولاً إلى «عار» زيارة القدس والصلح المشين مع العدو الصهيوني والتبعية للامبريالية الأمريكية.
رغم مقتل السادات فان ردته لم تهلك معه، بل عمقها مبارك بشكل يفوق حتى أحلام السادات. وتم كنس كل الانجازات الهائلة التي رواها المصريون شعباً وجيشاً بدمائهم وعرقهم. ووصلت البلاد إلى أزمتها الراهنة الرهيبة.
ويتبين مما نراه ونلمسه الآن، كيف أن خروج مصر من الصراع التاريخي «الصراع العربي الامبريالي الصهيوني» المفروض علينا فرضاً،  قد صاحبه انكسار عربي هائل، واحتلال مباشر للعديد من الدول، وكيف صاحبه الجوع والحرمان والفساد والدمار للشعب المصري، وكيف صاحبه انحياز مهين للعدو، مكنه من الإمعان في عدوانه الوحشي ضد أشقائنا في فلسطين ولبنان، واحتلال العراق، وصولاً إلى تخومنا الإسلامية في أفغانستان، والبقية تأتي!! ورأينا كيف يتهدد الإقليم كله بأخطار داهمة. ويتم كل ذلك في حماية استبداد وحكم بالطوارئ فرضه مبارك منذ توليه السلطة حتى الآن.
إن الوطن يعيش مفصلاً حاسماً يحدد مصيره ومصير الإقليم كله لفترة قادمة لا يمكن تحديدها بافتراض بقائه وعدم تلاشيه. لذلك فإن ضرورات بقاء الوطن تحتم «تنحي مبارك» أو «تنحيته» وخلع الطبقة النهابة والتابعة والخائنة من مواقعها، وإحلال سلطة جديدة يمكنها أن تدير الصراع الذي لا مهرب منه، وتتبنى مشروعاً للنهضة الشاملة في انحياز كامل للشعب وقواه الكادحة، للوطن والأمة، للتحرر والتقدم والعدل الاجتماعي.
كل الظروف مهيأة للتغيير الجذري وإنقاذ الوطن. إذ لايمكن التعلل بالخشية من العدو الصهيوني أو الأمريكي، فإن ما يجري في العالم الآن، والأزمات والنكسات والنكبات التي يغرق فيها كل منها واضحة للعيان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
386
آخر تعديل على الجمعة, 16 كانون1/ديسمبر 2016 16:41