جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

غزة تقاوم النار والحصار والدمار..

يتصاعد العدوان الفاشي الصهيوني على غزة العزة، في ظل تواطؤ رسمي عربي ودولي مخز، لكن حمّى العدوان وحممه وصواريخه وقنابله وكراهيته لا تصيب إلا الأطفال والعجائز والمدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف، ويثبت أبطال المقاومة كل لحظة، في كل شارع وحي ومخيم أن عصر الهزائم قد ولّى إلى غير رجعة، وليس في صفوف المقاومين الاستشهاديين من يرمي البندقية ليلوذ بالفرار طالباً النجاة.. بل إنهم يخترقون صفوف وأرتال القوات الغازية ويوقعون فيها خسائر متلاحقة. لكن الخوف، كل الخوف من مكر أنظمة «الاعتلا ل» العربية وخديعة «المجتمع الدولي» وعرابيه ووسطائه ومؤسساته الناطقة باسم الطاغوت الأكبر الولايات المتحدة، التي ما فتئت تبذل كل ما بوسعها لمحاصرة المقاومة بـ«الشرعية الدولية» و«قرارات مجلس الأمن» والحلول المخاتلة، حيث لا هدف لها إلا تأمين «استقرار إسرائيل» وحفظ أمنها ووجودها، وضرب كل من يحاول أن يقف في وجه أطماعها..

ومتابعة للحدث الفلسطيني التقت «قاسيون» مع الرفيقين، د.ماهر الطاهر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وخالد عبد المجيد الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وأجرت مع كليهما، كل على حدة، حواراً سريعاً

الرفيق د. ماهر الطاهر لـ«قاسيون»:
الشعب الفلسطيني سيفجّر انتفاضة ثالثة تعم كل الأراضي الفلسطينية

د. ماهر كيف تقرؤون ما يجري في غزة مع دخول العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني هناك مرحلة جديدة مع بدء الاجتياح البري، والصمود الأسطوري لقوى المقاومة.. وإلى أين تسير المعركة؟!
* هذا الهجوم البري يؤكد بأن كل الكلام الذي قيل عن أن سبب محاولة اجتياح غزة هو إطلاق بعض الصواريخ على المستوطنات هو كلام غير صحيح، أما دوافع العدوان الحقيقية فتكمن في رفض المقاومة لتمديد التهدئة واستمرارها على خطها الرافض للاستسلام.. وهذا يؤكد أن هناك عدواناً مخططاً ومبيتاً يهدف إلى تدمير البنية التحتية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة الباسل، ومحاولة إنهاء المقاومة الفلسطينية وضرب فصائلها، وبالتالي جوهر الموضوع محاولة بائسة لإنهاء المقاومة.. وأصبح واضحاً أن الهدف السياسي بعد ذلك محاولة تحديد الطريق لفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني والقبول بالإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، بمعنى قبول ماسمي بخطة خارطة الطريق ومقررات اللجنة الرباعية والقبول بالحل كما تتصوره إسرائيل والإدارة الأمريكية.. هذا الحل لا يشكل تسوية بل هو عملية تصفية للقضية الفلسطينية. نحن نقول إن الشعب الفلسطيني بكل فصائله لا يمكن أن يقبل بهذا الحل، وليس أمامنا من خيار إلا أن نصمد ونقاوم ونقاتل رغم إدراكنا لاختلال موازين القوى، وأن إسرائيل تملك جيشاً مدعماً بكل أنواع الأسلحة، ومدعوماً من أمريكا، ومع الأسف في ظل موقف رسمي عربي إما صامت أو متواطئ، لكن عندما نخير بين الاستسلام أو استمرار الصمود والشهادة، فخيارنا هو الصمود والمقاومة، ولن نقبل بهذا المخطط الذي يحاولون فرضه علينا.

طالما تطرقت إلى الموقف العربي.. النظام الرسمي العربي، وخاصة في بعض دول «الاعتلال» كما نسميهم، انتقل من كونه ضاغطاً أو متواطئاً، إلى شريك سافر في العدوان، هذا التغير الانعطافي الخطير في مواقف بعض الدول العربية كيف تقرؤونه؟ وما مستقبله؟ هل يمكن أن تتدخل بعض الأنظمة العربية الآن ميدانياً ضد المقاومة؟
* يؤسفني القول: إن بعض الدول العربية تريد من الشعب الفلسطيني أن يوقف المقاومة وأن يقبل بالحلول المطروحة.. هذا أمر يتعلق بالشعب الفلسطيني.. والإدارة الفلسطينية يجب أن تحترمه، ونحن نقول على الشارع العربي أن يستمر بتحركه، وأن يستمر بضغطه، ويطور حركته الشعبية ويصعدها من أجل أن نفرض على الحكام العرب الذين يريدون إنهاء المقاومة إعادة النظر في حساباتهم، لأن المخطط الصهيوني يستهدف العرب جميعاً، ويستهدف الأمن القومي العربي برمته، وثبت بالملموس أن كل حديث عن تسوية سياسية وعن المفاوضات، وأوسلو، وخطة خارطة الطريق، وأنابوليس.. ليس أكثر من عملية خداع وتضليل تمارسها الإدارة الأمريكية وإسرائيل بالتواطؤ مع بعض الدول العربية، وحصيلتها أن هناك برنامجاً إسرائيلياًَ يطبق على الأرض هدفه التهويد والتوسع تحت ستار المفاوضات وما يسمى بالعملية السياسية.. ما يسمى بالعملية السياسية وصلت إلى طريق مسدود بالكامل، وليس أمامنا من خيار إلا التيقن منه أنه لا يوجد أي أفق بحلول سياسية، وعلينا أن نرسم إستراتيجية مقاومة ومواجهة مع هذا الاحتلال.

أمام فشل التسويات والصفقات التي يسعى الأمريكان والصهاينة لفرضها.. هل تعتقد أن هناك احتمالاً لتوسيع رقعة العدوان؟
* أتصور الآن أن إسرائيل إن تمكنت من الدخول برياً في بعض مناطق قطاع غزة، فإنها سرعان ما ستخرج... إسرائيل لن تعيد احتلال القطاع.. لأنها تعرف أن ذلك له تكلفة كبيرة وثمن باهظ.. الآن قسمت غزة إلى ثلاثة أقسام، وقطعت الأوصال وتريد أن تقتل أكبر عدد ممكن من المقاومين، وتحاول أن تقوم باعتقالات، وهي تحاول أن تدمر البنية التحتية بشكل كامل..
لكن هناك عمليات مواجهة جدية على الأرض وصمود أسطوري للشعب الفلسطيني، لذلك التقدم الإسرائيلي بطيء وهم يجابهون بمقاومة عنيفة للغاية، وهناك خسائر إسرائيلية. أتوقع أن هذه المعركة ستطول وسيفاجؤون بحجم صمود الشعب الفلسطيني، بعد ذلك سيحاولون أن يفرضوا على الفلسطينيين إملاءات سياسية، وسيقولون يجب توقيع هدنة جديدة، دون أي مقابل.. وعليكم أن تقبلوا بالشروط.. الموقف السياسي الفلسطيني لن يقبل بهذا بكل الأحوال.

لكن أتصور أن العملية ستقتصر على غزة... هذا من جانب إسرائيل، ولكن الشعب الفلسطيني سيغيّر المعادلة القائمة.. وأقولها بكل وضوح.. على إسرائيل أن تتوقع انتفاضة فلسطينية ثالثة تعم كل الأراضي الفلسطينية في المرحلة القادمة.. جوابنا لن يكون الرضوخ للاملاءات الإسرائيلية بل تصعيد الكفاح بمختلف أشكاله وتفجير انتفاضة أخرى في عموم الأراضي الفلسطينية.
ولكن سلطة محمود عباس تضيق الخناق على الشعب الفلسطيني في مدن الضفة الغربية حتى أنها اعتقلت الكثير من كوادر فصائل المقاومة بما في ذلك بعض كوادركم.. فكيف ستتعامل السلطة الفلسطينية مع انتفاضة ثالثة؟

* نعم السلطة الفلسطينية اعتقلت عدداً من كوادر الجبهة الشعبية فقط لأنهم اشتبكوا مع جنود الاحتلال، وقد وصل عدد المعتقلين إلى تسعة، وهم مايزالون في سجون السلطة الفلسطينية في (رام الله). إذا كانت السلطة الفلسطينية ستستمر بهذا النهج، عليها أن تدرك أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يقبل بذلك. على هذه السلطة أن توقف المفاوضات بشكل كامل مع العدو الإسرائيلي، وقد تم نقل هذا الموقف للسلطة، وقلنا لهم بكل وضوح إن استمرار المفاوضات لم يعد يشكل إلا تغطية للبرنامج الإسرائيلي الذي يمارس على الأرض، شعبنا سيفرض إرادته ويستمر بالمقاومة وسيفجر انتفاضة ثالثة في عموم الأرض الفلسطينية.
 
الرفيق خالد عبد المجيد لـ«قاسيون»:
غزة هي الخندق الأمامي للدفاع عن قوى المقاومة والممانعة
الرفيق خالد عبد المجيد أين تضعون ما يجري في غزة الآن في سياق الصراع في المنطقة، وما هي النتائج التي تتوخاها «إسرائيل» من هذا العدوان؟
* ما يجري الآن من عدوان غاشم على قطاع غزة، فصل من فصول المؤامرة لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية والنيل من الحقوق الوطنية الثابتة لشعب الفلسطيني، إضافة إلى أنه يأتي في إطار خطة تستهدف كل قوى الممانعة والمقاومة في المنطقة، وبالتالي فإن غزة اليوم تمثل الخندق الأمامي للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ضد مؤامرات تصفية القضية الفلسطينية، خاصة ما طرح في أنابوليس والرباعية والقرار الأخير في مجلس الأمن رقم /1850/ الذي يسعى لتصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، إضافة إلى النيل من قوى المقاومة وإخضاع قوى ودول الممانعة للرؤية الأمريكية الإسرائيلية في إطار محاولة جديدة لتمرير لما سمي بإطار الشرق الأوسط الجديد في المنطقة، بعد أن فشلت الولايات المتحدة في تنفيذها هذا المشروع عبر عدوانها واحتلالها للعراق، والعدوان الصهيوني على جنوب لبنان الذي كان له نتائج وتداعيات خطيرة على الكيان الصهيوني. هذا الوضع هو الذي يقاومه الشعب الفلسطيني باعتباره الآن في الخندق الأمامي. هناك أيضاً اعتبارات داخلية إسرائيلية تحاول إعادة الاعتبار للجيش الإسرائيلي، ونحن نعتبر أن هذا العدوان لم يحقق غاياته حتى الآن، والخسائر البشرية التي خسرناها في هذه المرحلة، لن تؤدي إلى تحقيق الأهداف الصهيونية، وبالتالي نعتبر أن الحرب السياسية خلال الأيام القادمة عبر تحركات من النظام العربي الرسمي في معسكر «الاعتدال» والدول الغربية برئاسة الولايات المتحدة، هذه الحرب السياسية ستحاول فرض قرارات في مجلس الأمن للنيل من نتائج هذه المعركة التي لم تستطع إسرائيل تحقيق أهدافها فيها.
 إذاً أنت ترى أنه قد يتم الالتفاف على المقاومة وموقفها ووضعها تحت خيارات صعبة بضغط النظام الرسمي العربي.. ما هي احتمالات توسع العدوان في حال لم تمرر هذه التسويات التي يريد معسكر «الاعتدال» العربي القيام بها؟!
* بدايةً، الخاسر الأكبر في هذه الحرب المجنونة حتى الآن، هو الكيان الصهيوني رغم الحجم الكبير من القذائف والصواريخ التي قذفها المعتدون على الناس والسكان المدنيين، وما هذه إلا بداية المعركة. إذاً لم يستطع الاحتلال أن يحقق التقدم المطلوب، ولم يصل إلى ما سماه بالمناطق التي يتم منها إطلاق الصواريخ، ونعتبر أن إحباط هذه الخطة ميدانياً سيؤدي إلى فشل المحاولات الإسرائيلية والأمريكية والغربية، وسيقومون بعدها بالبحث عن مخرج سياسي عبر مجلس الأمن أو عبر التحركات السياسية.
ولكن إن كان الصهاينة وحلفاؤهم  يعتقدون سابقاً أنهم يستطيعون عبر هذا التدمير أن يفرضوا قراراً جائراً على الشعب الفلسطيني في مجلس الأمن، فإن الصورة انعكست اليوم، وسيضطر العدو الصهيوني أن يقدم بعض التنازلات للخروج من المأزق والالتفاف على خسارته في الميدان... نحن نعتبر أن كل الاحتمالات مفتوحة بالنسبة لتوسيع هذه الحرب، فشعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية يقوم بانتفاضة ثالثة رغم الظروف الصعبة.. جماهير شعبنا الفلسطيني في الأرض المحتلة عام 48 تحركت بشكل كبير.. نعتقد أن الاحتمالات أمام الشعب الفلسطيني مفتوحة، وأشكال المقاومة متعددة.. سيقاوم الشعب الفلسطيني بكل ما أوتي من قوة من أجل مجابهة هذه الجرائم الصهيونية.. إضافة لذلك أحد الاحتمالات أن تتحرك إسرائيل باتجاهات أخرى لأنها أعلنت استدعاء عشرات الآلاف من جنودها تحت شعار الخشية من الجبهة الشمالية.. احتمال توسيع الحرب من الاحتمالات القائمة، لكن في الوقت نفسه تعرف إسرائيل أن توسيع هذه الحرب مرتبط بنجاحها في معركة قطاع غزة، فشل هذه المعركة سيؤدي بالنتيجة إلى وقف التفكير الإسرائيلي بأي عدوان على أية جهة.

كيف ترى موقف بعض زعماء دول «الاعتدال العربي» الذين يقومون بدور أكثر تواطؤاً ضد المقاومة وضد القضية الفلسطينية؟
* الحرب الدائرة لم تقررها إسرائيل لوحدها.. خطط لها قبل ستة أشهر عندما حضرت كوندليزا رايس وجالت في المنطقة على مسؤولي معسكر «الاعتدال» العربي والتقت بوزراء المخابرات العربية لعدد من دول المنطقة في شرم الشيخ، بمن فيهم الطرف الفلسطيني المفاوض، ومن تلك اللحظة تم الاتفاق على موضوع هذه الحملة إذا لم تنجح الجهود المصرية في تحقيق الأهداف والترتيبات التي كانت تقوم بها جمهورية مصر العربية لاحتواء حركة حماس والمقاومة الفلسطينية وإدخالها في نفق معسكر الاعتدال لاحتوائها مجدداً في الإطار العربي. بعد أن فشلت مصر في تحقيق ذلك سياسياً من خلال التهدئة أعطت أمريكا الضوء الأخضر لإسرائيل وقسم من معسكر الاعتدال العربي. نحن نتهم النظام المصري بالتورط بالعدوان، فمدير المخابرات المصرية أشار في لقاءاته مع «عامون جلعاد» أحد مسؤولي الاستخبارات العسكرية في الكيان الصهيوني بأنه لابد من تكسير رؤوس حركة حماس. تسيبي ليفني قالت في تصريحات متعددة أن ضرب حماس هو حاجة إسرائيلية وحاجة لمعسكر «الاعتدال» العربي والفلسطيني، وبالتالي هناك تآمر ضد المقاومة سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر من هذا المعسكر، وقد أدى إلى استفزاز مشاعر الجماهير العربية، وأنتم تلاحظون ماذا يحصل في كل العواصم العربية والإسلامية وعواصم العالم... ليس تجاه إسرائيل فقط، بل تجاه الموقف الذي اتخذته القيادة المصرية.


بالنسبة لكم كفصائل مقاومة فلسطينية، في ظل اشتداد الهجمة على الشعب الفلسطيني هل ثمة خطة لإعادة اللحمة إلى الصف الوطني الفلسطيني؟
* من حيث المبدأ الجميع مع إعادة اللحمة بين الفصائل الفلسطينية.. لكن لابد من الإشارة بداية إلى أن اللحمة الشعبية الفلسطينية كانت متجلية في أرقى أشكالها من خلال هذا الموقف العظيم الذي تمثله شعبنا في غزة وفي الضفة وفي الأراضي المحتلة عام 48، وفي مخيمات وتجمعات شعبنا في الشتات مع المقاومة ضد العدوان... هذه اللحمة الشعبية حول موقف واضح داعم للمقاومة، هي أساس أية خطة لتوحيد الصف الوطني الفلسطيني.. على الجميع أن يؤمنوا أن المقاومة هي الخيار الوحيد أمام الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية للتحرير، هذا ما سيوحد الصف والكلمة..

معلومات إضافية

العدد رقم:
386
آخر تعديل على الجمعة, 16 كانون1/ديسمبر 2016 16:42