المبادرة السعودية .. ظاهرها الرحمة وباطنها الخراب لا مساومة على الحقوق

منذ الحديث الذي أدلى به ولي العهد السعودي الأمير عبد الله للصحفي الأمريكي توماس فريدمان، والذي دعا فيه إلى «التطبيع الكامل مع إسرائيل مقابل الانسحاب الكامل» أخذت وتيرة الدعاية والترويج لهذه المبادرة تتصاعد في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.

تطبيع كامل

 وقد أشاد الرئيس بوش بالمبادرة، لكنه لم ير فيها إلا بنداً واحداً وهو ما يتعلق بالتطبيع الكامل مع العدو الإسرائيلي.

أما شمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي فقد اعتبر الاقتراح السعودي «إيجابيا» وأن الخطة تتضمن لأول مرة (اعترافاً بإسرائيل وبتطبيع العلاقات بينها وبين العالم العربي) لكنه أضاف: أن إسرائيل لم تقبل اقتراحاً فلسطينياً بالعودة إلى الحدود التي كانت عليها قبل عام 1967.

رفض الانسحاب الكامل

وعلى الرغم من الترحيب الأمريكي بالمبادرة فإن واشنطن رفضت ربط المبادرة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية منذ عدوان 1967 وبرر باول موقفه بالقول بأن خطوط 1967 هي موضوع جدل ولابد من أن يقبل الطرفان بالمقترحات قبل أن تحدد واشنطن موقفها!!

المبادرة وحي أم إيحاء

ثمة سؤال لابد أن يفرض نفسه: هل المبادرة هي من وحي أفكار الأمير وغيرته على الشعب الفلسطيني وحرصه على مصلحته أم هي إيحاء من الخارج؟ قبل الإجابة عن هذا التساؤل وحتى يكون الحكم موضوعياً لابد من استعراض الوضع في المنطقة والعالم.

فلسطينياً:

 من المعروف أن اتفاق أوسلو لم يجلب للفلسطينيين أي خير، بل تفاقمت الأمور وسارت من سيئ إلى أسوأ وتوصل الشعب الفلسطيني إلى قناعة تامة بأن الطريق لاستعادة الحقوق هي العودة إلى الانتفاضة «انتفاضة الأقصى» والتي مضى على اندلاعها أكثر من سنة ونصف، وهي تزداد قوة وضراماً، رغم كل الخسائر التي يتكبدها الشعب الفلسطيني بل إن الانتفاضة تهدد بتوسيع ميادين كفاحها البطولي، لا داخل فلسطين فحسب بل أيضاً إلى خارجها.

الكيان الصهيوني: 

1. يعاني الكيان الصهيوني من أزمة اقتصادية خانقة، فالسياحة توقفت، والأزمات المالية تعمقت والبطالة استفحلت وصلت إلى 13% والاستثمارات الخارجية أحجمت عن القدوم إليها.

2. ازدياد حالات التذمر في صفوف جيش الاحتلال التي وصلت إلى 17% فيما ارتفع عدد الفارين من الجيش إلى نسب مخيفة.

3 . رفض عدد كبير من ضباط وجنود الجيش خصوصاً الاحتياطيين الخدمة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

4. ارتفاع الأصوات التي تدعو إلى الانسحاب الصهيوني من الأراضي الفلسطينية دون قيد أو شرط.

5. عودة التحرك الشعبي لدعاة السلام الذين يطالبون بوقف العدوان والانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

6. انعدام الأمن الذي وعد شارون الصهاينة به، وبروز ظاهرة الهجرة «على النصت» من «أرض الميعاد« للعمل في الخارج حيث الأمن والاستقرار.

7. إخفاق شارون في تحقيق وعده بالقضاء على الانتفاضة في خلال 100 يوم، ومازالت الانتفاضة مستمرة ومتصاعدة.

8. افتضاح أعمال شارون الإجرامية في العالم والتي تلقى الشجب والاستنكار.

9. بدأ العد العكسي لحياة شارون السياسية وأخذت الدعوات في أوروبا تتصاعد داعية الإسرائيليين إلى التخلص منه بسرعة.

أمريكياً:

 افتضاح المواقف الأمريكية المنحازة لإسرائيل بوقاحة لدرجة أحرجت الحكام العرب الذين يدورون في فلكهم ويأتمرون بأمرهم، إن إصرار واشنطن على اعتبار إسرائيل معتدى عليها وحقها بأن تدافع عن نفسها بأي شكل من الأشكال وأن الفلسطينيين هم المعتدون، إن هذا الموقف لا يستطيع أحد أن يدافع عنه، لأنه كشف عن وجه القيادة الأمريكية القبيح والمعادي للحقوق العربية.

عربياً:

 لقد كان الوضع العربي في اسوأ حالاته شعبياً ورسمياً، فقد صمت الحكام العرب صمت القبور حيال العدوان الإسرائيلي وأغمضوا العين عن المواقف الأمريكية المعادية على المكشوف، بل عمل الحكام العرب على منع قيام أي تحرك شعبي للتنديد بالعدوان والدفاع عن الشعب الفلسطيني، كما أن الحكام العرب لم يقدموا أي مساعدة للفلسطينيين، وإذا كانوا قد قدموا فكان بالقطارة بينما تتكدس أموالهم بمئات المليارات في البنوك الأمريكية والأوروبية.

أوروبياً:

أما الأوروبيون فقد أخذت مواقفهم تتوضح وتبتعد عن الموقف الأمريكي، وأخذت تدعو علناً إلى الانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية فضلا ًعن التحرك الجماهيري الأوروبي المستنكر للعدوان والرافض لوضع الظالم والمظلوم على صعيد واحد. هذه هي بإيجاز صورة الوضع العربي الذي طرحت فيه مبادرة الأمير عبد الله فهل كان الوقت مناسبا ً ومن ستخدم، العرب أم أعداءهم.

ما معنى المبادرة الآن؟

1. إجهاض انتفاضة الشعب الفلسطيني التي عجز الإسرائيليون عن إخمادها، بل إنها تصب الماء على لهيب الثورة لإطفائها والاستهانة بكل التضحيات التي قدمت حتى الآن.

2. إنقاذ شارون من المأزق الذي وصل إليه، ولم يعد أمامه إلا الرحيل، كما أنها تبيض صفحته ومنع مساءلته على ما اقترفه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني الباسل.

3. تبييض وجه حكام واشنطن الذي ظهر بجلاء أمام العالم أجمع.

4. تخفيف الضغط السياسي عن الحكام العرب الذين تهدد الانتفاضة وجودهم على كراسيهم.

5. الأخطر من ذلك هو أن الدعوة إلى التطبيع الكامل مع إسرائيل معناه فتح جميع الأبواب مشرعة أمام التغلغل الصهيوني السياسي والاقتصادي في البلدان العربية، وهذا ما كان يسعى إليه مؤتمر الشرق الأوسط الذي عقد منذ سنوات في الدار البيضاء وأعطى لإسرائيل الدور القيادي في جميع المناطق.

إن كل ما ذكر يؤدي إلى القناعة أن المبادرة لن تخدم إلا أعداء الأمة العربية والطامعين بثرواتها وسلب إرادتها وهي بالتأكيد ليست من وحي سمو الأمير بل إيحاء من الخارج.

إن النضال الفلسطيني المتصاعد والموقف الإسرائيلي المتأزم كان لابد من أن يفضي إلى إرغام إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية من طرف واحد كما حدث قبلاً في لبنان، وكما أعلن سفير سورية في الأمم المتحدة «ميخائيل وهبة» إن عملية السلام تتطلب إرادة سياسية من إسرائيل وليس المزيد من المبادرات، ووصف الأعمال التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين بأنها جرائم حرب وقتل جماعي «تطهير عرقي» ومثل هذه الأعمال ليست بحاجة إلى مبادرات تبييض صفحة العدو الإسرائيلي وحكام واشنطن. أما حزب الله فقد اعتبر أن أي طرح أو معالجة للقضية الفلسطينية لا يجب أن يكون إلا على أساس ضمان كامل للحقوق الشرعية والتاريخية للشعب الفلسطيني وأضاف: حتى لو أردنا أن نتحدث عن الأراضي المحتلة عام 1967 فإن استعادتها ممكنة دون تقديم أي أثمان سياسية باهظة كالتطبيع مع العدو.

 

وكتب د. عبد الله فهد النفيسي رئيس لجنة مقاومة التطبيع في الخليج العربي مقالة في صحيفة «الاتحاد» الظبيانية تحت عنوان «حديث التطبيع مع الصهاينة» تساءل فيه: «لماذا يعطى الكيان الصهيوني هذه الفسحة، وهو يكتم أنفاس حتى الأطفال والنساء تحت ركام البيوت المهدمة.! إن حديث التطبيع مع الكيان الصهيوني الوارد هذه الأيام ما كان ينبغي له أن يخرج إلى السطح لأنه حديث في غير محله زماناً ومكاناً».

معلومات إضافية

العدد رقم:
170