لبنان.. الانتكاسة الجديدة للمخطط الأمريكي

الوعيد الحازم والحاسم الذي فجرته قوى الممانعة والمقاومة اللبنانية ضد حكومة الوصاية الإمبريالية، والذي جاء على شكل دعوة للحوار لتشكيل حكومة وحدة وطنية، أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في حديثه لمحطة المنار، أحدث انعطافة حادة في تطور الأوضاع والأحداث في لبنان..

فهذه الدعوة – التحذير، التي رافقها التلويح باللجوء إلى الشارع كأحد الخيارات المتاحة، وليس أهمها أو آخرها، في حال عدم موافقة أقطاب الحكومة الأساسيين عليها، وقعت كالصاعقة على معظم أطراف (الأكثرية) الحاكمة، وسرعان ما راح هؤلاء يجرون اتصالاتهم مع حُماتهم والأوصياء عليهم في الغرب والشرق، وشهدت العاصمة بيروت على الفور حركة محمومة ذهاباً وإياباً من وإلى السفارتين الفرنسية والأمريكية.. وكذلك السعودية والمصرية، وتكثف النشاط الحزبي والفئوي داخل وخارج الحدود اللبنانية!
لقد أظهرت هذه الخطوة التي بدت مفاجئة بصورة أو بأخرى لفريق 14 شباط، مدى الانسجام الكبير بين قوى الممانعة المتمثلة بـ(التيار الوطني) و(تيار المردة) وغيرهما من القوى والتيارات.. وقوى المقاومة التي تجسدها بعض الأحزاب الوطنية وفي مقدمتها حزب الله والحزب الشيوعي وحركة أمل والسوري القومي وغيرها، وأكدت أن المسافة فيما بينهما آخذة بالتضيق مع اتساع أفق الالتقاء، ووضوح المخطط الإمبريالي الأمريكي – الفرنسي الساعي إلى الهيمنة ليس فقط على القرار السياسي اللبناني، وإنما على مستقبل لبنان وهويته، وحتى وجوده ككيان موحد ومستقل..
من هنا، فإن أية قراءة للوضع اللبناني الجديد وفق التصورات التي كانت سائدة في السبعينات من القرن الماضي وما قبلها هي قراءة خاطئة، ولا فرق هنا أكان القارئ صديقاً حقيقياً للبنان أو عدواً حقيقياً له، ومن بينهما من أصحاب المصالح المؤقتة، فعلى القارئ اليوم، أن يأخذ في الحسبان اعتبارات كثيرة، أهمها أن اللبنانيين وقواهم السياسية قد تجاوزوا فعلياً مرحلة الانقسام الطائفي، وباتوا يجتمعون أو ينقسمون على أساس سياسي، وأن خطر الاقتتال الأهلي الذي طالما سعت فرنسا والولايات المتحدة وبعض الأنظمة العربية وعلى رأسها السعودية لتفجيره مجدداً بالاعتماد على بعض الاستفزازيين من الساسة أولاً، وعلى العملاء المباشرين الرخيصين ثانياً، قد بات في حكم الماضي الذي لن يعود..
لقد بات من الواضح أن الانفعال العاطفي الذي ولّده اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، والاستياء المغذى إعلامياً من سورية، قد بطل مفعول كل منهما في هذه المرحلة وإلى غير رجعة، والمزاج العام للشارع اللبناني تغير كثيراً وخاصة بعد العدوان الصهيوني على لبنان وما أفرزه من نتائج سياسياً وعسكرياً واجتماعياً، وأصبح أكثر انضباطاً وتعقلاً وإدراكاً، وراح الجمهور ينظر إلى مجموعة من القضايا بكثير من التوجس والحذر، وهذه القضايا ليس أولها إعادة النظر بطبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ودول الخليج ومصر والأردن.. ولا تنتهي بقوات اليونيفيل، دورها، سلوكها، تصريحات قادتها، والغاية من وجودها...
إن جزءاً كبيراً من اللبنانيين أصبح مدركاً لأهمية (البوابة) اللبنانية التي يريدها البعض في الداخل أن تكون معبراً لكل المخططات الإمبريالية والصهيونية لقاء أجر سياسي ومالي رخيص، وينظرون إلى ما أثبتته المقاومة البطلة في تصديها المذهل للعدوان المجرم في تموز- آب 2006 من أن هذه (البوابة) لايمكن أن تكون إلا عنواناً لصمود المنطقة، بكثير من الاعتزاز والفخر والإيمان بالذات..
أخيراً، من الواجب التأكيد أن معظم اللبنانيين اليوم، يرون أنه مثلما كان من أشد درجات الضرورة أن تنتصر المقاومة في تصديها للعدوان الأمريكي – الصهيوني الصيف الماضي وأن تفشله عسكرياً، فإنه من الممنوع الآن أن يحاول أي يكن أن يلحق بها هزيمة سياسية أو أن ينتقم منها سياسياً، فهي الضامن الحقيقي والوحيد لوحدة لبنان وأمنه..                

معلومات إضافية

العدد رقم:
285