أمريكا تخطط لحرب استباقية ضد مصرفي السودان

في إطار حروبها الاستباقية وإدارتها للعالم من خلال الضربات الوقائية عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تصعيد مفاجئ ومبالغ فيه عن قصد ضد السودان وبدا وكأن الأزمة في دار فور هي من صميم الشأن الأمريكي الداخلي والذي يمس أمنها القومي .

وفي هذه المسرحية الأمريكية سريعة «الرتم» ارتدى «كولن باول» «بنطلونه الجينز والتي شيرت الأمريكي» وذهب ليطمئن بنفسه على أبناء غرب السودان في دار فور وهكذا فعل أيضا كوفي عنان وعمد باول وإدارته إلى ترك عدد من رجال الـ (سي. أي. أيه) في دار فور لرصد ومتابعة وجمع الأهداف في حربهم القائمة وذلك لتنفيذ ما اتفقت عليه مع الأمين العام للأمم المتحدة.

يرى فريق من المراقبين أن الإدارة الأمريكية اختارت هذا التوقيت لإشعال الأزمة لعدة أسباب منها:

(1) لصناعة فرقعة إعلامية ضخمة تبتلع في طريقها آثار ما حدث في سجن أبو غريب من جرائم ضد الإنسانية وقد نجحت القاطرة الأمريكية في سحب عربات أوروبا المتهالكة وإعلام العرب المغيب إلى المحطة المستهدفة.

(2) تبييض وغسل وجه الإدارة الأمريكية أمام الرأي العام الدولي والأمريكي وتقديمها كإدارة إنسانية تسهر على حماية الضعفاء والمضطهدين المسلمين من إخوتهم المسلمين.

(3) إجبار الحكومة السودانية بعد وضعها تحت سيف العقوبات على قبول شروط الحركة الشعبية في الجولة النهائية للمفاوضات وأيضا إجبارها على قبول شروط المعارضة الشمالية والتي من المقرر ان تبدأ في جولة مفاوضات معها بالقاهرة الأسبوع القادم وتسعى أمريكا وأوروبا إلى تفكيك النظام السوداني من الداخل عبر مشاركة الحركة الشعبية بـ 28% من السلطة الاتحادية وإدخال المعارضة الشمالية بنسبة مماثلة وهو ما يعنى إحالة الحكومة الحالية إلى أقلية خلال السنوات الست القادمة التي تلي توقيع الاتفاق النهائي.

(5) تقديم انتصار سياسي أو عسكري إذا لم تخضع الحكومة السودانية إلى الشعب الأمريكي حتى يضمن جورج بوش نجاحه في الانتخابات القادمة ولكن هذه الأسباب غير منفصلة عن مجموعة أهداف أمريكية ترى في السودان جزءا من أمنها القومي ويؤكد الخبراء أن المخطط الأمريكي يقوم على شقين أحدهما عاجل والآخر استراتيجي .

أما الشق العاجل فهو ضرب التقارب المصري السوداني واستبعاد الدور المصري تماما من السودان وفي إطار الفهم الاستباقي للإدارة الأمريكية فقد رصد خبراء المراكز البحثية الأمريكية هذا التقارب الرسمي والشعبي المنظم بين الشعبين والذي تمثل في توقيع العديد من الاتفاقيات أهمها اتفاقيات الحريات الأربع التي تتيح لأبناء الشعبين حرية التملك والسفر والإقامة والتجارة وهو ما يعنى وجود تكامل حقيقي بين اكبر دولة عربية تملك القوى البشرية والخبرات وبين اكبر بلد أفريقي وعربي من حيث المساحة والموارد الطبيعية ويشكل التقارب المصري السوداني احد المهددات التي تقف في طريق التصور الأمريكي للسودان المجزأة والمقسم بين دويلات متصارعة كما انه يمثل تهديدا آخر باعتبار مصر دولة عربية ومسلمة ويمكن أن تكون قاطرة التنمية في السودان التي تسحب الأموال العربية والإسلامية إلى هناك ويخشى الأمريكان أيضا من أن يسفر هذا التكامل عن نجاح مصر في إنهاء مشكلة المياه وبالتالي نزع ورقة ضغط هامة جدا من أيدي الولايات المتحدة وإسرائيل نجحت طوال السنوات الماضية في ابتزاز المصريين بها والتكامل المصري يهدد الهدف الأمريكي الإسرائيلي المعلن في المراكز البحثية الأمريكية بإقامة دولة مسيحية في الجنوب وقد بات ذلك واضحا عندما طالبت الإدارة الأمريكية زعيم الحركة الشعبية «قرنق» بتصعيد قيادات معنية معروفة بمساندتها للانفصال .

أما الشق الاستراتيجي: فهو تحويل السودان «الدولة القارة» إلى مجموعة دويلات تشبه دول الخليج بحيث تسارع كل منها لطلب الحماية الأمريكية في مواجهة الأخرى وهو ما يضمن سيطرة تامة للأمريكان على هذه الموارد التي تكفي لإطعام ثلث العالم ولعل خطة الخارجية الأمريكية التي أعلنت في بداية الثمانينات هي التي تحاول الإدارة الأمريكية الآن تنفيذها وتقوم الخطة على إعادة تشكيل السودان وإفريقيا عموما، دول على أساس عرقي خالص بزعم أن الصراعات العرقية هي السبب في عدم استقرار أفريقيا وتخلفها وإضافة إلى الأرض والمياه التي تكفى لإطعام ثلث البشرية جمعاء ومئات الموارد الطبيعية إلا أن هناك ثلاث سلع إستراتيجية تسعى الولايات المتحدة للهيمنة عليها وهي: اليورانيوم الذي تم اكتشافه بشكل تجاري في الجنوب والبترول الذي يصدر منه ألان ثلاثمائة آلف برميل يوميا وينتظر أن يصل إلى نصف مليون في نهاية العام ومليونين مع نهاية العام المقبل ولعل الحنق الأمريكي على النظام السوداني مضاعف في هذا الشأن لاختراق النظام السوداني لقواعد لعبة البترول واستبدال الشركات الأمريكية والأوروبية بشركات آسيوية ممثلة في الصين والهند وماليزيا، هو تحد عالمي للوبي البترول وهو ما يفسر الإجماع الأوروبي خلف التشدد الأمريكي في مسالة دار فور، ويتشابه ما حدث مع تنويع مصادر السلاح بصفقة الأسلحة التشيكية لمصر في عام 1955 أما السلعة الثالثة فهي الصمغ العربي الذي يدخل في معظم الصناعات الإستراتيجية وخاصة البيبسى كولا والأدوية وهو يتركز في منطقة الصراع بدار فور ويباع كمادة خام للولايات المتحدة وهو يعد هدفا لعدد كبير من الشركات الأمريكية وقد استثنت الولايات الأمريكية التي تستورده من العقوبات.

الأهداف الأمريكية إذن لم تعد خافية أولها قطع «رجل» مصر من السودان لإنقاذ مخطط التقسيم ووضع هذا البلد مقسما تحت الهيمنة وضرب المزيج العربي الإفريقي كنموذج لتطبيق دول القبائل في إفريقيا.

 

ويبدو أن الإدارة المصرية لم تعد تهتم بالسياسة لأنها تسبب الصداع ولا تشغل نفسها بفكرة المؤامرة لأنها تخلف فلا وقفت بقوة أمام هذا الوحش الأمريكي الجامح ولا تدخلت بقوة لإنهاء الأزمة بما لها من ثقل، أم أن القاهرة تنتظر حتى يقيم الأمريكان قواعدهم على حدود بحيرة ناصر والسد العالي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
229