إبراهيم البدراوي إبراهيم البدراوي

توريث الحكم في مصر.. الكارثة المحدقة

تدور في مصر الآن، وعلى نطاق واسع أحاديث عن قرب حل مجلس الشعب، تتبعه إجراءات خاصة بترتيب الأوضاع تمهيدا لتوريث الحكم لـ«جمال مبارك». وهو أمر يعد موضع رضاء كامل من القوى الخارجية الإمبريالية المعادية بوجه عام، والصهيو– أمريكية بشكل خاص، مضافاً إليها قوى التبعية المحلية والإقليمية. وهذا دون شك يستند إلى رصد العديد من المؤشرات منها:

تحركات رجال الأعمال المهيمنين على ما يسمى «لجنة السياسات» التي تقود حزب الجماعة الحاكمة، والتي يتولى جمال مبارك أمانتها.
جولات المذكور بصورة مكثفة في محافظات مصر.
الحملات الإعلامية الواسعة التي تستهدف تلميع المذكور وإبرازه، وصولاً إلى تبييض وجه السلطة بالكشف عن عمليات فساد، هي لا شك جزئية وهامشية في نطاق الفساد الشامل في مصر.
التضامن السياسي والتزييف الإعلامي الواسع لإرضاء أمريكا والغرب وإسرائيل في موضوع الانتخابات الإيرانية التي أسفرت عن سقوط عملاء الامبريالية.
 لكن كل ما يتم إنما يدفع بالبلاد بقوة إلى مزيد من تفاقم الأزمة الشاملة لدرجة غير مسبوقة، بل يمكن القطع أن توريث السلطة، رغم الرفض الشعبي ورفض قوى فعالة، إنما يعني ولوج مرحلة خطيرة من انعدام الاستقرار، وتعريض البلاد للفوضى، وانسداد أفق التطور السلمي.
إزاء هذا الحدث الخطير، لابد من نظرة سريعة تلخص مجمل الوضع بالنسبة لقوى العمل المباشر الراهن خارج إطار الطبقة الحاكمة والقوى المنخرطة في مشروعها:
 
أولاً– قوى التغيير (المعارضة الحقيقية):
القوى السياسية الجذرية النشطة على اختلاف انتماءاتها السياسية والفكرية، وهي ذات توجه يساري بالمعنى الواسع. ولكنها رغم اخلاصها الشديد تعتبر حتى الآن دائرة محدودة، وتواجه صعوبات جمة في توحيد صفوفها عملياً، وفي اجتذاب حركات الاحتجاج الاجتماعي. غير أن الظاهرة الايجابية هي رفدها بالعنصر الشبابي (حركة شباب 6 ابريل التي يجري الفرز بداخلها ويحقق نتائج ايجابية).
حركات الاحتجاج الاجتماعي النشطة في صفوف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والطلاب والمهنيين والموظفين... الخ، التي عبرت عن نفسها بعدد غير محدود من الإضرابات والتحركات الاحتجاجية المتنوعة والواسعة في كل أنحاء البلاد.
وتتمثل المشكلة في أن حركات الاحتجاج الاجتماعي لا تزال محجمة عن الانخراط في النضال السياسي الشامل بفعل تجربتها السياسية مع الأحزاب التي انخرطت في المشروع السياسي للسلطة. ويفاقم من هذا الأمر قيام مجموعات محسوبة على قوى التغيير بتزكية رفض هذه الحركات للنضال السياسي اكتفاءً بالتحركات حول مطالب جزئية.
 
ثانياً- القوى المنافسة للسلطة:
ويقف على رأسها الإخوان المسلمون الذين لا تختلف رؤاهم السياسية والاجتماعية عن السلطة الحاكمة، وبالتالي تطرح الجماعة خطاباً سياسياً ملتبساً. بل ومتناقضاً، وتتخذ موقفاً متأرجحاً من الغرب الإمبريالي (خصوصاً الولايات المتحدة) حيث حضروا خطاب أوباما في جامعة القاهرة. كما يوافقون علناً على توريث السلطة بشرط إلغاء قانون الطوارئ بهدف الاستفادة من آلية الانتخابات في الوصول للحكم. وهم يراهنون على إمكانية حدوث انفجار اجتماعي عفوي واسع للقفز إلى السلطة.
قوى الليبراليين الجدد خارج الأطر السياسية الرسمية (أيمن نور، سعد الدين ابراهيم، جماعات حقوق الانسان بما فيهم حزبيون... الخ) حيث تنشط الولايات المتحدة والغرب الإمبريالي عموماً عبر التمويل السخي لاستخدامهم في تركيع السلطة أكثر فأكثر وإشاعة  أفكار الليبرالية الجديدة والعولمة الرأسمالية... الخ.
القوى الإصلاحية  التي تشيع الالتباس الفكري عمداً باستخدام خطاب مراوغ ظاهره المعارضة وباطنه استهداف ترشيد أداء البرجوازية وجعل الرأسمالية أكثر قبولاً وقدرة على الاستمرار ويطمحون لقبولهم كشركاء في الكعكة.
وتبين هذه الصورة العامة أن الأزمة في مصر مركبة وتزداد تعقيداً. ويزيدها تفاقماً، رغم نضج الظرف الموضوعي إلى حد كبير، عدد من العوامل:
ضعف العامل الذاتي للقوى الوطنية والجذرية حالياً. وتباطؤ عملية توحيد قواها، وعدم انخراط  حركات الاحتجاج الاجتماعي فيها إلى حد الآن.
تعجيل عملية توريث الحكم قبل أن ينضج العامل الذاتي.
تصاعد دور العامل الخارجي، حيث تم تطوير أساليب الإمبريالية وعملائها عبر تضخيم غير مسبوق لدور قوة المال والإعلام  بعد الهزائم التي منيت بها الإمبريالية في حروبها (طبعاً مع عدم استبعاد استخدام القوة عند اللزوم).
على أن الأمر– رغم الصعوبات– لايفضي في النهاية إلى طريق مسدود. إذ لا تزال قوى التغيير الجذري تمتلك احتياطياً هائلاً متمثلاً في دوائر واسعة من السياسيين الوطنيين الشرفاء العازفين عن المشاركة حالياً، ودوائر فاعلة ومؤثرة أخرى. وهو ما يتطلب جهوداً كبيرة للتصدي للتوريث الذي سيتسبب في كارثة وطنية حقيقية، ولتأمين تغيير شامل وتطور سلمي في البلاد.
إن تبعات هذا الأمر مهما كانت، لاتقاس بالأضرار الهائلة التي تهدد مستقبل الكيان الوطني نتيجة تفاقم الأزمة الشاملة الراهنة، وما سوف ينتجه التوريث، أو نتيجة انفجار اجتماعي عفوي هائل لا يمكن التنبؤ بنتائجه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
411