أوباما وتنامي «العسكريتاريا» الأمريكية

مع دخول وجوده في البيت الأبيض شهره السادس، تتزايد الأدلة بأن إدارة أوباما تخطو فقط خطواتها الأولى باتجاه تصعيد واستمرار حرب الولايات المتحدة في أفغانستان.
تم انتخاب اوباما لسبب رئيس هو معاداة العمال الأمريكيين للسياسات العسكرية الوحشية لإدارة بوش. ولكن اوباما والبنتاغون يتحركان سوية لتكثيف الحملة الوحشية ضد المسلحين في أفغانستان. وهكذا بات من المتوقع أن تخفيف الحرب في العراق بسحب المزيد من القوات هو لتغذية حرب أفغانستان على مدى عقد آخر.

صار شهر تموز الأكثر دموية للقوات الأمريكية منذ ثماني سنوات، حيث قتل 48 من قوات الاحتلال لغايته، نصفهم أمريكيون، وبمعدل ثلاثة قتلى يومياً، وهو ما يعادل الرقم نفسه في فترة القتال الشديد في حرب العراق. بينما عدد القتلى لقوات أفغانستان أكبر بكثير 6-10 قتلى يومياً من الشرطة الحكومية، حسب تقرير صادر عن النظام المركزي في كابول.
وكما هي الحال دائماً فإن الثمن الأكبر لهذه الحرب يتحملها الشعب الأفغاني الذي يتعرض للقتل بأعداد متزايدة وأكثر مباشرة بالعلاقة مع ظروف الاحتلال الأجنبي، طالما أن الولايات المتحدة مستمرة في تنفيذ عملياتها الجوية «تنظيف وسيطرة».
ويظهر تصاعد مؤشر الحرب ضد المدنيين في أفغانستان من تقرير لعمليات القوة الجوية الأمريكية التي بلغت 17420 في تموز 2009 مقارنة بـ 19092 على مدى العام 2008. وهذا التصاعد في الهجمات الجوية يرتبط بتصاعد الحرب البرية والتي تقود إلى نتائج خطيرة من خلال تأثيرها في السكان المدنيين- خلق سلسلة من المجازر المرعبة- من بينها ارتكاب مجزرة بحق 140 مواطناً مدنياً في أيار ضد قريتين في مقاطعة «فرح» غرب البلاد.
كما أن زيادة العمليات العسكرية الأمريكية قادت إلى زيادة عدد القوات الأمريكية إلى أكثر من الضعف في البلاد من 32 ألف إلى 68 ألف. هذا علاوة على 36 ألف من قوات دول الناتو.
الجانب الأكثر بروزاً في تصاعد عدد القوات هو نشر أربعة آلاف من قوات المارينز مع الآلاف من القوات البريطانية لشن ما يسمى بـ«عملية الخنجر» على مقاطعة هلمند الجنوبية بوصفها معقلاً لمسلحي طالبان.
إن التهديدات بحرب دموية صارت واضحة في التصريحات الأخيرة للقادة العسكريين الأمريكيين. ومن بين أكثر هذه التصريحات فظاظة تلك التي صدرت عن الادميرال مايكل مولن، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة- عند زيارته لقاعدة باغرام العسكرية الجوية الأمريكية الرئيسة خارج كابول. حذر مولن بأن هذه القوات تواجه «قتالاً صعباً جداً»، وأخبر BBC أنه لا يعرف كم ستستمر هذه الحرب.. «أعرف أن الأمور سارت نحو الأسوأ على مدى الأعوام الثلاثة والنصف الماضية.. صار عناصر طالبان بمستوى أفضل كثيراً، أكثر قدرة قتالية، وأفضل تنظيماً، وهكذا تتجه الأوضاع نحو قتال أكثر عنفاً».
وبعد ثماني سنوات، إذا كانت ظروف قوات الاحتلال الأمريكي «تتجه نحو الأسوأ.. والمسلحين أصبحوا في حال أفضل»، فهذا مؤشر لتصاعد عداء شعب الأفغان للمحتلين، حيث جوبهت مهمة تصعيد أمريكا للحرب بانعدام قدرتها على تعبئة أي عدد مؤثر من الأفغان إلى جانب القوات الأمريكية. وفي حين أن القادة الأمريكان تخيلوا إمكانية تجنيد جندي أفغاني مقابل كل جندي أمريكي في العدوان على هلمند، أمكن فقط نشر 650 أفغانياً إلى جانب 4000 جندي أمريكي.
إن التصعيد الأمريكي للحرب فشل كذلك الحصول على دعم القوات الباكستانية، إذ كان من المؤمل نشرها على الحدود المشتركة لمنع مقاتلي طالبان عبورها. بقيت القوات الباكستانية مشدودة للحملة التحريضية الأمريكية باتجاه شمال غرب البلاد، حيث قادت إلى تشريد 2.5 مليون باكستاني وتحويلهم إلى مشردين داخل البلاد.
وفي حين يصور القادة الأمريكيون تكثيف الحرب في أفغانستان بكسب تأييد الناس، فالحقيقة هي أن هذه الحملة اتجهت ضد الناس الفقراء بغية إجبارهم على الإذعان والخضوع، في حين أن السبب الواضح الأخير والحقيقي في حرب أوباما يتجسد في أن «التفويض» الممنوح للقوات الأمريكية هو ضمان هيمنة واشنطن على الإقليم الغني بالنفط وذي الأهمية الجيو- ستراتيجية/ آسيا الوسطى.
وإن تضخيم أعداد القوات الأمريكية يبتغي الوصول إلى هذا الهدف. فقد قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس بأنه يأخذ في اعتباره اقتراحاً لزيادة حجم الجيش الأمريكي بـ30 ألف عنصر إضافي من أجل تخفيف الضغط في حرب أفغانستان واستمرار احتلال العراق. 
ليست هناك تهمة أكثر وضوحاً لإدارة اوباما. لقد تم انتخابه في ظل موجة إدعاءاته بمعاداة الحرب، بينما إدارته تتهيأ لتوسيع الجيش الأمريكي بقصد مواصلة حرب إمبريالية قذرة. وفي الوقت نفسه، فإن قادته العسكريين يفرضون ضغوطا عالية على الحكومة وحتى بشكل أكثر مباشر ومفتوح كما كان الحال في عهد إدارة بوش.
النزعة العسكرية الأمريكية في ظل اوباما تتمتع بالتأييد من جميع المؤسسات السياسية. الديمقراطيون في الكونغرس يصوتون لمصلحة تمويل الحرب، المؤسسات الإعلامية تعمل كببغاوات لنشر الدعاية السياسية وفقاً لمشيئة البيت الأبيض والبنتاغون، والمنظمات التي تدعي بأنها «يسارية» والتي كانت سابقاً ملتزمة بالسياسات الاحتجاجية، أوقفت الآن نشاطها وصارت تدعم حرب اوباما تكتيكياً.
ورغم ذلك، تبقى مواقف مضادة واسعة وعميقة ضد الحرب بين أكثرية الأمريكيين ممن سيكونون الهدف الأخير بإجبارهم على دفع فاتورة العسكريتاريا الأمريكية من خلال تشديد الهجوم على مستويات معيشتهم، وتصاعد قتلى وإصابات جنودهم، وأخيراً سحب شباب الطبقة العاملة لملء فراغات التوسع في الجيش الأمريكي.
..إن الكفاح ضد الحرب يأخذ طريقه إلى الأمام، فقط، من خلال تعبئة مستقلة للطبقة العاملة ضد إدارة اوباما ونظام الربح الرأسمالي الذي يفتح الطريق نحو التسلط العسكري..

بيل فان أوكين
ترجمة.  د. عبد الوهاب رشيد

معلومات إضافية

العدد رقم:
413