أسعار النفط بلا ضوابط.. شكرا أميركا السحر ينقلب على الساحر/ البرميل لامس الـ 50 $

إثر تحطيم أسعار النفط لأرقامها القياسية والتي وصلت إليها خلال قرن من الزمن، أثارت هذه التحولات موجات واسعة من الاستغراب، وقد أعرب رئيس منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك الدكتور«بورنومو يوسيجيانتورو» عن قلق المنظمة للاستمرار في ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، ووصولها إلى أرقام قياسية، على الرغم من الزيادة الكبيرة في سقف الإنتاج العالمي للنفط.

زيادة في الإنتاج وارتفاع في الأسعار:

أكد رئيس الأوبك في بيان صحافي وزعته اليوم الدائرة الإعلامية في الأمانة العامة للمنظمة التي تتخذ من العاصمة النمساوية فيينا مقراً لها أن مجموع إنتاج الدول الأعضاء وصل إلى 30 مليون برميل في اليوم، بينها 2 مليون برميل زيادة عن سقف الإنتاج المحدد بموجب الاتفاق الذي توصل إليه وزراء النفط خلال اجتماعهم غير العادي المنعقد في بيروت في الثالث من يونيو الماضي، والقاضي بزيادة الإنتاج على مرحلتين، الأولى، زيادة مليوني برميل في اليوم اعتباراً من الاول من يوليو الماضي، والثانية، زيادة نصف مليون برميل في اليوم اعتباراً من الأول من أغسطس الحالي. ورفض رئيس الأوبك مجدداً اعتبار الزيادة الإضافية خرقاً للحصص الإنتاجية المخصصة للدول الأعضاء بل رسالة تؤكد التزام المنظمة بتعهداتها في تأمين الإمدادات النفطية، كما تؤكد حرصها على استقرار السوق وتوازن الأسعار. وأشار الدكتور يوسجيانتورو وهو وزير الطاقة والمعادن في إندونيسيا إلى أن غالبية الدول المنتجة للنفط من خارج الاوبك تنتج بدورها بأقصى طاقاتها.

وأوضح رئيس الأوبك أن قائمة جرد الحسابات ذات الصلة بحجم الطاقة النفطية الفائضة أو الاحتياطية لدول المنظمة ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار لمعرفة حجم الإنتاج الإضافي الذي يمكنها ضخه إلى السوق في المرحلة المقبلة. وأعرب عن اعتقاده بأنه لدى الأوبك قدرة على إنتاج مليوني برميل في اليوم، وهو ما تطبقه الآن، مشيراً في هذا السياق إلى أن إنتاج المملكة العربية السعودية حالياً بلغ أقصى طاقاته. وأكد الدكتور «يوسجيانتورو» بأن قراراً بهذا الشأن سيعكف وزراء النفط والطاقة والمعادن في الدول الأعضاء على مناقشته خلال اجتماعهم العادي المقرر انعقاده في فيينا في 15 أيلول المقبل، والذي سيحضره مندوبون عن الدول الرئيسية المنتجة للبترول من خارج الأوبك. وبهذه المناسبة، دعا رئيس الأوبك مجدداً الدول المنتجة للبترول من خارج الأوبك، وخصوصاً تلك التي تملك قدرات احتياطية إلى الاستعداد لزيادة إنتاجها من النفط في المرحلة المقبلة. كما شدّد على ضرورة تكثيف الجهود وحشد الطاقات من أجل الحد من ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية. وأعرب عن اعتقاده بأن الارتفاع الحاد لأسعار النفط ليس في مصلحة أحد. ورأى أن الارتفاع الحاد في أسعار النفط لا يعود لعوامل أساسية مثل نقص في الإمدادات أو اختلال في العرض والطلب، بل يعود للاختلاف في تحديد نوعية ومواصفات البنزين والمحروقات بين ولاية وأخرى في الولايات المتحدة.

عوامل خفية:

ويلاحظ المراقبون أن رئيس الأوبك لم يشر من قريب أو بعيد هذه المرة إلى العوامل الخارجية وأبرزها ما يسمى بـ العوامل الجيو/سياسية واستمرار التوترات الإقليمية والدولية، وتفاقم الاشتباكات المسلحة بين قوات التحالف وجيش السيد مقتدى الصدر في منطقة النجف، بالإضافة إلى احتدام المضاربات في الأسواق العالمية، والرسوم الباهظة التي تفرضها حكومات الدول الصناعية المستهلكة للنفط، والانخفاض المستمر في القيمة الشرائية للدولار الأميركي. وكانت أسعار النفط سجلت في بداية هذا الأسبوع أرقاماً قياسية في الارتفاع، حيث تجاوز سعر النفط الأميركي الخام والخفيف سقف الـ 46 دولاراً للبرميل الواحد، في حين وصل سعر خامات سلة نفط الأوبك إلى 41.70 دولاراً للبرميل الواحد. ويتوقع عدد من المراقبين والمحللين أن تواصل أسعار النفط ارتفاعها بشكل مطرد خلال النصف الثاني من العام، في ظل مخاوف تجتاح أوساط المتعاملين في قطاع الصناعة النفطية والأسهم والبورصات العالمية من ارتفاع أسعار البترول إلى ما فوق الـ 70 دولاراً للبرميل الواحد. وفي هذا السياق، فقد حذر عدد من الخبراء الكوريين في شؤون النفط من مخاطر حدوث أزمة نفطية عالمية خانقة على غرار أزمة العام 1973 عندما استخدم النفط كسلاح للضغط في المعركة ضد إسرائيل. ولكن وزير المالية والاقتصاد الوطني في الجمهورية الكورية كيم غوانغ ليم استبعد حدوث مثل هذا السيناريو المبالغ فيه وقال: ينبغي علينا ألا نطلق الأحكام والتكهنات المخيفة جزافاً، وعلينا أن ننتظر لنرى اتجاهات الأسعار في غضون الأيام والأسابيع القليلة المقبلة.

ردود الفعل العالمية:

وفي دائرة أوسع، فقد بدأ عدد من الدول مجموعة من التحركات لمحاولة الإحاطة بالأزمة، فتحاول حكومة الفليبين الحذو حذو الشركات النفطية من خلال اتخاذ كافة التدابير لكبح جماح أسعار بيع البنزين والمشتقات البترولية بالمفرق للمستهلكين العاديين. في غضون ذلك أخذ خبراء في شؤون النفط في تايلاند يتساءلون بقلق عن فحوى ونتائج قرار الحكومة التايلاندية للحصول على منحة لدعم ميزان المحروقات. في حين أعربت جريدة الأمة الصادرة في بانكوك عن اعتقاد قوي مفاده أن التمسك بتحمل فروقات الأسعار والنفقات الباهظة لمحروقات الديزل المنتج محلياً هي سياسة فاشلة وستؤدي إلى تداعيات وانعكاسات خطيرة، لأن أسعار النفط في العالم تتحكم بها قوى عالمية مهيمنة على قطاعات النقل والتكرير والتصنيع والأسهم. ونسبت الصحيفة إلى مسؤول نفطي تايلاندي كبير لم تكشف النقاب عن اسمه قوله: ينبغي على الحكومة أن تتنازل عن سياستها الخاصة بالتحكم الجائر بأسعار النفط المحلي والمستورد، وتبادر إلى تبني نظام إداري متوازن. كما ينبغي على بنك تايلاند الوطني أن يعتمد سياسة عائمة، وخصوصاً فيما يتعلق بتسعير العملة التايلاندية البات. وأشارت صحيفة الأمة إلى أن أسعار الأسهم والبورصات ذات الصلة بالطاقة تأثرت بشكل سلبي بالارتفاع الحاد لأسعار النفط في السوق العالمية.

في غضون ذلك، أكدت مصادر مطلعة لدى الأوبك، بأن الدول الأعضاء والأجهزة المعنية في الأمانة العامة للمنظمة بذلت وتبذل كل ما بوسعها من أجل تحقيق استقرار السوق وتوازن الأسعار. ونسبت شبكة المعلومات في منظمة الطاقة والبترول التي تتخذ من طهران مقراً لها إلى وزير البترول الإيراني «بيجان نمدار زنغانه» قوله: بأن عوامل السوق الأساسية لم تلعب أي دور لكبح جماح ارتفاع أسعار النفط الذي سببته عوامل التوتر الأمني والسياسي في المنطقة. وأعرب الوزير «زنغانة» عن اعتقاده بأن الارتفاع الحاد بأسعار النفط أثرّ بشكل سلبي على العمليات القائمة في تطوير قطاع الصناعة البترولية. وأشار إلى أنه بقدر ما تكون أسعار النفط مرتفعة، بقدر ما تتأثر برامج وعمليات تطوير حقول النفط. ولكن وزير النفط الإيراني استدرك قائلاً: مما لا شك فيه أن ارتفاع أسعار النفط قد يكون لمصلحة إيران، ولكن على المدى القصير.

من جهة ثانية، نسبت وكالة أنباء «أوبكنا» التي تصدرها الدائرة الإعلامية في الأمانة العامة لمنظمة الدول المصدرة للبترول أوبك إلى «حسين كاظمبور أردابيلي» محافظ إيران لدى المنظمة قوله إن منظمة الأوبك لا تستطيع عمل أي شيء من أجل كبح جماح ارتفاع الأسعار، بعدما فعلت كل ما بوسعها، مشيراً إلى أن المنظمة تضخ 2.8 مليون برميل في اليوم زيادة عن سقف الإنتاج المحدد لها. وحذر «حسين أردابيلي» وهو مرشح إيران لشغل منصب الأمين العام لمنظمة الأوبك إلى جانب مرشحي الكويت «الدكتور عدنان شهاب الدين» ومرشح فنزويلا «سيلفا كالديرون»، حذر من تدهور حاد بأسعار النفط، وذلك نتيجة لضخ المنظمة 2.8 مليون برميل زيادة عن سقف الإنتاج المحدد لها. وبعدما أعرب محافظ إيران عن اعتقاده بأنه لا توجد هناك حاجة لزيادة الإنتاج، اكتفى بالقول: هذه المنظمة أثبتت أنها لا تستطيع عمل أي شيء في المرحلة الراهنة، ولذلك فإن الأسعار ستواصل الارتفاع بدون الأخذ في الاعتبار العوامل الأساسية الفاعلة في استقرار السوق وتوازن الأسعار وهي المواءمة بين العرض والطلب على النفط. وشدد «أردابيلي» على القول بأن التطورات السياسية والعسكرية الراهنة في المنطقة تعتبر من أبرز الأسباب الكامنة للارتفاع الحاد الحاصل بأسعار النفط.

 

في غضون ذلك، ما تزال صادرات العراق من النفط منخفضة إلى النصف بسبب استمرار وتيرة العنف والاشتباكات المسلحة بين الاحتلال والمقاومة العراقية. وأشارت مصادر مطلعة إلى أن العراق يصدر حوالي 900 ألف برميل في اليوم من ميناء البكر في البصرة، في حين ما يزال التصدير متوقفاً إلى ميناء جيهان التركي بسبب تعرضه لعملية تخريب يوم الاثنين الماضي. وجدير بالذكر أن الطاقة النفطية الإنتاجية المتوقعة للعراق تراوحت ما بين 1.8 مليون ومليوني برميل في اليوم بما فيها الكمية المحددة للاستهلاك المحلي والتي تصل إلى 700 ألف برميل في اليوم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
228