«طبخة بحص» أمريكية جديدة!

بعد خطابه في جامعة القاهرة، وبعد الحملات الإعلامية الأمريكية، وفي بعض الإعلام العربي الذي اجتهد في تفسير خطاب أوباما، وإعطائه أبعاداً مختلفة ومغايرة لنزعة الهيمنة العسكرية والسياسية المباشرة التي سادت فترة جورج بوش، إزاء العالمين العربي والإسلامي، وإزاء قضية الصراع العربي الصهيوني، سرعان ما تبين أن ذلك الخطاب قد استنفد نفسه وذابت مصداقيته أسرع مما تصور كبار منتقديه، والذين لم ينخدعوا بأهدافه ومراميه القريبة والبعيدة.

لقد توافد على المنطقة مبعوثو أوباما ليس للبحث عن حل للصراع العربي الصهيوني، بل لفرض تنازلات جديدة على النظام الرسمي العربي الذي لم يعد لدى دول الاعتلال فيه شيء يقدمونه سوى التبعية المطلقة للمخطط الإمبريالي الصهيوني في المنطقة. ففي الأسبوع الماضي لاحظنا قطاراً جوياً من المبعوثين الأمريكيين يصل إلى تل أبيب وبعض عواصم المنطقة، لتقديم «طبخة بحص» أمريكية جديدة للعرب مقابل مكاسب وتعهدات للكيان الصهيوني «بالحفاظ على أمنه وتفوقه العسكري على كل ما عداه في المنطقة»..
ـ فعلى مدى أسبوع كامل قام جورج ميتشل بزيارة بريطانيا والإمارات العربية وسورية ومصر والكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية في رام الله، وقد تبين أن الهدف الأكبر للجولة هو «دفع عجلة التطبيع العربية مع إسرائيل مقابل الإعلان عن وقف (متعثر رغم أنه) مؤقت للاستيطان» في الضفة الغربية المحتلة، وكان لافتاً تصريح الناطق باسم البيت الأبيض يوم 27/7/2009: «إن إدارة أوباما بعثت برسائل إلى عدد من الزعماء العرب وطلبت منهم القيام بخطوات بناء ثقة تجاه إسرائيل لخلق أجواء مناسبة لتجديد العملية السياسية في الشرق الأوسط..»!.
وبعد اجتماعه مع الرئيس حسني مبارك جدد ميتشل دعوته إلى القادة العرب لاتخاذ خطوات حقيقية من أجل التطبيع مع «إسرائيل لأنها تشكل جزءاً أساسياً من العملية السياسية في المنطقة». نلاحظ هنا أن مباحثات المبعوث الأمريكي في المنطقة تجاهلت كلياً ما يسمى بالمبادرة العربية ولم يتطرق قط ميتشل عقب محادثاته مع نتيناهو إلى ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، بل «بشرنا» بتضييق الفجوة بين واشنطن وتل أبيب حول موضوع الاستيطان الذي تصوره إدارة أوباما ووصف ذلك التضييق «مكسباً» تهديه للنظام الرسمي العربي، بدل الانسحاب الإسرائيلي حتى حدود الرابع من حزيران 1967.
وأمام هذا التكامل في المواقف بين واشنطن وتل أبيب ازداد صلف قادة الكيان الصهيوني حول استمرار احتلال الجولان، حيث جدد نائب رئيس وزراء العدو سليفان شالوم مطالبة سورية بالتخلي عن دعم المقاومة في فلسطين ولبنان وفك تحالفها مع إيران!.
ـ .. وبالتوازي مع جولة ميتشل في المنطقة قام كل من وزير الحرب الأمريكي روبرت غيتس ورئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي جيمس جونز ومستشار أوباما دينيس روس بزيارة تل أبيب والقاهرة وعمان وبغداد وكان العنوان الرئيسي لمباحثات هؤلاء هو «الموقف من الملف النووي الإيراني وتحديد الآجال الزمنية للانتهاء منه». فقبيل تصريح وزير خارجية الكيان الصهيوني افيغدور ليبرمان من البيرو بضرورة إنهاء الحوار مع إيران حتى أواخر أيلول القادم تاريخ موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، صرح روبرت غيتس في تل أبيب عقب لقائه باراك ونتنياهو «أن سياسة الحوار مع إيران ستكون محدودة زمنياً وأنه غير مقتنع بأن الحوار وحده كفيل بوقف المشروع النووي الإيراني لكن الحوار مطلوب لتحشيد الرأي العام الدولي ضد إيران..»!
يتبين من التوافق الأمريكي الإسرائيلي وقبله تخدير مجموعة الثماني الكبار لإيران أن التحالف الإمبريالي الصهيوني بصدد تحضير سيناريو جدي لضرب إيران سواء بشكل مشترك أو عبر الكيان الصهيوني. أما جولات ميتشل المكوكية والحديث عن إحياء عملية السلام في المنطقة فتذكرنا بما قام به المبعوث فيليب حبيب بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ويبدو أن الحديث عن إحياء وتعزيز الحوار السوري الأمريكي لا يعدو كونه قنابل دخانية لإخفاء التحضيرات الجدية لعمل عسكري عدواني واسع النطاق ليس فقط ضد إيران بل ضد سورية والمقاومة في لبنان وفلسطين كمخرج من المأزق الذي دخل فيه المشروع الأمريكي في المنطقة أولاً وفي منطقة قوس التوتر ثانياً.
أمام ما تقدم، علينا عدم الانخداع بـ«طبخة البحص» الأمريكية الجديدة، بل غذ السير نحو الالتزام بخيار المقاومة الشاملة كخيار استراتيجي لتحرير الأرض واستعادة الحقوق غير منقوصة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
414