انقلاب على حدود الإمبراطورية يهدد القيصر جورجيوس بوش: ■ محاولات لاغتياله بالسم وبالرصاص.. وبرجال الأعمال.. ■ هل حاضر نزويلا مستقبل العالم الثالث؟

في العدد السابق من قاسيون طرحنا سؤالاً انطلاقاً من الإيمان بقدرة الشعوب على تحديد مصائرها. هل تستطيع أميركا أن تتحمل فيديل كاسترو آخر على حدودها الجنوبية، وبعيد انتصار شافيز في الاستفتاء، سارعت الكثير من الصحف المنتشرة حول العالم إلى تبني شكل مشابه لهذا الطرح، أساس هذا الطرح يقوم على سؤال: «هل من الممكن أن يكون حاضر فنزويلا مستقبل شعوب العالم الثالث»، وربما الأول أيضاً؟ وهذا ما تخشاه واشنطن حقاً. فهذه الدولة النفطية الأمريكية اللاتينية تسبح الآن، وبشكل خطر، في عكس التيار الذي أنجب نهاية التاريخ عام 1989.

هو (التيار) يعلن الانتصار النهائي للرأسمالية الليبرالية المتطرفة. وهي (فنزويلا) تعلن أن هذا النهائي ليس نهائياً بالضرورة، وأن الاشتراكية المغمّسة بأكسير الديمقراطية لا تزال خياراً قوياً وجذاباً.

هو يقول: إن السوبر أغنياء هم الذين يجب أن يرثوا العالم لينشروا العولمة والرخاء والتقدم التكنولوجي. وحين يسعد هؤلاء يبتسم الاقتصاد. وهي تقول: إن الفقراء هم العنوان الحقيقي الذي يجب أن يسير نحوه النمو الاقتصادي والاكتشافات العلمية. وحين يسعد هؤلاء، يبتسم الله سبحانه.

هو يقول أخيراً: إن وصفات إجماع واشنطن حول تحرير السوق وإطلاق حرية الرأسماليين المحليين والأجانب، يجب أن تكون الدستور الجديد للجميع. وهي تقول: إن إجماع الشعب حول قيم العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون، هو الذي يجب أن يكون النص الوحيد المقبول.

الترجمة العملية لما تقوله فنزويلا، ينفذها بشجاعة الآن رئيسها ترجمان التاريخ الجديد هوغو شافيز، الذي يزعج الرأسماليين العنصريين البيض بسحنته الهندية الحمراء.

فهو ضرب بعرض الحائط كل تعليمات صندوق النقد الدولي وأوامر البنك الدولي، وأعاد توجيه عائدات النفط نحو برامج اجتماعية جديدة، ومشاريع إنسانية لا عدّ لها ولا حصر في كل أنحاء البلاد، مما أعاد إلى أذهان الكثيرين (ومنهم الذهن الأمريكي) أجواء السنوات الأولى من الثورة الكوبية.

كما انه أطلق خططاً طموحة لمكافحة الأمية، وتوفير المدارس لمئات آلاف الأطفال واليافعين، ومواجهة البطالة، وتوفير الطعام الرخيص، ونشر الخدمات الصحية في الريف والمناطق الفقيرة من المدن بمساعدة 10 آلاف طبيب كوبي، إضافة إلى تحويل العديد من مباني شركات النفط إلى جامعة للفقراء، وإقامة قناة فضائية تلفزيونية ثقافية لمقارعة الإعلام الأمريكي الاستهلاكي التجاري في كل أنحاء أمريكا اللاتينية.

والأدهى (بالنسبة لواشنطن بالطبع) أن شافيز قرر بيع النفط الفنزويلي بسعر مخفض إلى بعض دول أمريكا اللاتينية الفقيرة. وهذا ما حوله بين ليلة وضحاها من بطل قومي فنزويلي إلى بطل قومي أمريكي لاتيني.

بالطبع، لم تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي.

فمنذ وصول شافيز إلى السلطة في انتخابات ديمقراطية عام، 1989 والأجهزة الأمريكية المعنية تبذل المحاولة تلو الأخرى للتخلص منه: في نيسان 2002 محاولة انقلاب عسكري على الطريقة الفاشية التشيلية. في كانون الأول 2002 محاولة انقلاب إضرابية نفذها رجال الأعمال في شركة النفط وباقي القطاعات المنتجة.

إضافة إلى عدد لا بأس به من محاولات ال سي.آي.إيه لاغتياله بالسمّ أو بالرصاص أو بكليهما.

بيد ان كل هذه المحاولات فشلت بسبب الطوق الذي كان يلقيه الشعب حول شافيز في كل حين كانت تحاصره أسماك القرش الرأسمالية المحلية والأمريكية لخنقه. وهذا ما حدث بشكل فاقع عام، 2002 على سبيل المثال، حين قامت الجماهير وصغار الضباط بمحاصرة دبابات الانقلابيين التي كانت تحاصر شافيز. وهذا ما حدث في الاستفتاء حيث صوت الشعب بأغلبية كاسحة إلى جانب بقاء شافيز في السلطة حتى انتخابات 2006.

هل يعني كل ذلك أن أمريكا ستقبل ببروز فيدل كاسترو آخر في حديقتها الخلفية؟

كلا بالتأكيد.

فالحرب ستتواصل عليه، وبكل أنواع الأسلحة، خاصة في خضم الحملة العالمية التي تشنّها واشنطن حالياً للسيطرة على نفط العالم.

وفي النهاية، قد تنجح الدولة الكبيرة في وضع حدّ لتمرد هذه الدولة الصغيرة وفي إعادتها إلى قفص نظامها الامبراطوري العالمي.

لكن، هل هذا النجاح المتوقع سيعني أيضاً نجاح نهاية التاريخ؟

 

بكلمات أوضح: هل ستتمكن أمريكا من منع حاضر فنزويلا من أن يكون هو مستقبل شعوب العالم الثالث وحتى العالم الأول؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
228