جمال مبارك أمير جمهوري – ومشروع طاغية

منذ أكثر من أربع سنوات تفضلت جريدة العربي فنشرت لي مقالاً معنوناً بعنوان «مبارك والجمهورية الوراثية».

ولقد حررت هذا المقال ونشرته بقصد إبلاغ الكافة من الناس بملامح الطبيعة السلطوية التي يحظى بها الرئيس حسني مبارك حيث يقبض بمفرده على سلطات الدولة الثلاث. التنفيذية. والتشريعية. والقضائية مما يثبت هيمنته المطلقة على الجيش والشرطة والحركة العمالية والنقابية الرسمية والسلطوية بنقاباتها القاعدية المنتشرة في المدن المصرية ونقاباتها العامة واتحادها العام للنقابات..

وبالتالي فلم تعد هذه الحركة العمالية والنقابية حركة نقابية شعبية ديمقراطية حرة ذات مضمون اجتماعي يتجلى في تحقيق حياة أفضل للعمال المصريين بل باتت وللأسف مؤسسة سلطوية تقوم بوظيفة الأمن الاجتماعي للسلطة وتقوم أيضاً بدور الجناح العمالي للعسكرة ورأس المال..

هكذا نجح النظام وعسكرته الحاكمة في استقطاب الطبقة العاملة المصرية ومحو طبيعتها الطبقية والنضالية ودورها في المجتمع المدني المصري باعتبارها أهم قطاعاته الصانعة والمنتجة الأكثر عدداُ والأشد فقراً وباعتبارها أيضاً العمود الفقري للوطنية المصرية ذات التاريخ العظيم مما أدى إلى هشاشة المجتمع المدني ووطنيته بدليل عجزهما في حشد وتنظيم أية مظاهرة احتجاجية ومطلبية وسلمية واحدة يزيد عدد أفرادها عن العشرات والمئات من المتظاهرين في حين أن هذه الوطنية المصرية العتيدة قد نظمت المئات من المظاهرات الوطنية والشعبية الحاشدة كان أبرزها مظاهرة عام 1951 (مظاهرة المليون مصري).. التي كانت تظللها آلاف الآلاف من الرايات واللافتات المنددة بالاحتلال البريطاني والاستعمار الأمريكي الجديد ومنددة أيضاً بالملك فاروق والرجعية المصرية ورأس المال..

هكذا كان المجتمع المدني المصري ووطنيته في حضور الطبقة العاملة المصرية التي قد اغتالتها العسكرة الحاكمة مادياً وروحياً وقبرتها في مقبرة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر وعنوانه 90 شارع الجلاء بالقاهرة..

إن اغتيال الطبقة العاملة المصرية على هذا النحو كان سبب الأسباب في جعل المجتمع المدني المصري ووطنيته مجتمعاً أبتر مقطوع الأثر والتأثير في مواجهة السلطة التي تضخمت بشكل خرافي. حيث أصبح الرئيس حسني مبارك في صحته وفي مرضه على السواء يقول للشيء كن فيكون وبالتالي فلا شعب ولا معارضة ولا من يحزنون في مواجهة ممارسات الرئيس التي تحظى بحصانة تضاهي حصانة النص القرآني وحصانة الحديث النبوي الصحيح الصحيح ..

ومن هنا ظهرت عقيدة الوراثة والتوريث السلطوي والجمهوري في عهد الرئيس مبارك دون أن تظهر في الفترة الناصرية أو في الفترة الساداتية.. ولهذا فقد تلقف رجال العهد والقصر هذه العقيدة وبادروا بتبريرها إثباتاً للولاء وحرصاً على المصلحة لم يكن الشعب المصري الساخط على ما يحدث في مصر المحروسة من أهوال تجعل الولدان شيبا في حالة من الغفلة على ما يجري بل رأى بعدسته اللامة أن التوريث الجمهوري قد تقرر منذ سنوات وسنوات وأن الوريث قد تحدد في شخص.. ابن أبيه – جمال مبارك وأن البيت الأبيض الأمريكي قد دشن وبارك تنصيب ابن أبيه جمال مبارك أميراً جمهورياً للقطر المصري بذريعة أن توريثه ليس توريثاً فئوياً وعسكرياً كما كان يحدث في مصر بل هو توريث مدني وعائلي وهذا هو المطلوب ولكن جمهور العارفين في مصر المعاصرة يجمعون على أن التوريث الجمهوري في مصر قد تحقق وانتقل المُلك من الأب الرئيس إلى الابن الرئيس.. وأن مسألة الإشهار ومسألة الجلوس على العرش مسألتان مرجئتان إلى حين..

وبالتالي فواقع الحال المصري يؤكد أن الرئيس الجديد للقطر المصري بدأ يباشر سلطاته من خلال سفرياته ولقاءاته واجتماعاته في العاصمة الأمريكية.. بالإضافة إلى نشاطه السلطوي الداخلي الملحوظ للناس كل الناس هذا النشاط الذي يشير إلى أن الشاب جمال مبارك يدير الشئون المصرية من الألف إلى الياء بشدة وغلظة خالية تماماً من اللطف والنعومة بالإضافة إلى انحيازه للرأسمالية ورأس المال دون العمل والعمال.

ففي اجتماعاته مع أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية برزت مكانته السلطوية الحقيقية كرئيس للقطر المصري من خلال موكبه الرسمي وشخصيته التي تقمصت شخصية القائد والمعلم وكلامه السلطوي العنيف الذي تضمن لاءات استبدادية تنز بالطغيان أولها.. لا لإلغاء قانون الطوارئ.. وثانيها لا لتغيير الدستور.. وثالثها لا للسماع لكلام رجل الشارع المصري.. هذه اللاءات الاستبدادية الثلاث قد وجهت إلى صفوة العلماء والمثقفين الجامعيين في مصر دون أن يتأفف أو يحتج أو ينسحب أستاذ جامعي واحد مما يثبت خوف الجميع على لقمة العيش وهذا موقف لم يعرفه أبداً أعضاء هيئات التدريس في الجامعات المصرية في العهد الملكي..

إن هذه اللاءات الاستبدادية وطرحها في حرم جامعي تفيد بأن الشاب جمال مبارك لم يعد أميراً بل أصبح رئيساً لمصر ولم يعد مشروع طاغية بل أصبح طاغية يرتدي الملابس المدنية علماً بأن الطاغية لا تفرزه السلطات فقط بل تفرزه المجتمعات الفاشية والعسكرية.

ففي احتفالات السلطة بعيد أول مايو – عيد العمال العالمي – في كل عام يفاجئنا النقابي سيد راشد البالغ من العمر ثمانين عاماً والذي يشغل وظيفة رئيس اتحاد نقابات عمال مصر ووظيفة وكيل مجلس الشعب المصري بخطاب صارخ يمدح فيه آل البيت الجمهوري الحاكم وخاصة زينة هذا البيت الشاب جمال مبارك الذي يصفه بالمُعلم ويدعي أنه خير مُعلم تعلم على يديه وهذا ما ذكرني بالمُعلم والطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي فمرحباً بالمُعلم والطاغية رئيساً لمصر المحروسة.

 

■ العامل – عطية الصيرفي ميت غمر

معلومات إضافية

العدد رقم:
228