البراغماتية الأمريكية تحكم مسار أزمة كشمير

عشية الانتخابات التشريعية التي ستشهدها أربع ولايات في بلاده وفي ضغط تحريضي دولي جديد على خصمه الحدودي اللدود الرئيس الباكستاني بيرويز مشرف أعرب رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي عن عدم استغرابه من العثور على أسامة بن لادن مختبئاً في باكستان داعياً مشرف إلى التركيز على سحب قواته من خط الحدود المتوتر في كشمير والذي لا يزال يشهد المزيد من حوادث تبادل إطلاق النار ليشكل قنبلة موقوتة مجهولة العواقب حقاً…

وكان الرئيس الباكستاني بيرويز مشرف قد عاد من واشنطن في زيارة خلّفت، لدى بعض المراقبين دون غيرهم من العارفين بملامح الاستراتيجيات الأمريكية، المزيد من التساؤلات عن حقيقة الدور الأمريكي في محاولة إيجاد تسوية حقيقية للأزمة الناشبة بين البلدين النوويين…
وقد عملت واشنطن، بعد الحادي عشر من أيلول ولغاية تسهيل الدخول إلى أفغانستان، على خطب ود باكستان ورئيسها الذي وصل بانقلاب عسكري تدعي واشنطن أنها لم تكن راضية عنه… وانهالت المساعدات المالية والاقتصادية على إسلام آباد وحصل مشرف على رفع اسم بلاده من لائحة العقوبات الأمريكية، وتلقى وعوداً كبرى خيِّل إليه على إثرها أن بلاده أصبحت في مصاف الدول الكبار كونه حليفاً أساسياً فيما سمي بالحملة العالمية ضد الإرهاب… غير أن مشرف ذاته بعد الثالث عشر من كانون الأول تاريخ استهداف البرلمان الهندي، بدأ يشعر بالضعف من جديد نتيجة الارتهان المذكور، حيث عمدت واشنطن إلى محاباة نيودلهي واختيار عدم التدخل كطرف ثالث كما تصر الهند، بل والبقاء بعيدة عن ممارسة أي ضغوط فعلية على البلدين لنزع فتيل الأزمة… وصار المطلوب من مشرف نقل حيثيات الحملة المذكورة إلى بلاده وتصعيد الإجراءات التي اتخذها ضد الميليشيات الكشميرية المسلحة والجماعات الداعمة لها داخل باكستان مع ما ينطوي عليه ذلك من مراهنات تهدد الاستقرار الداخلي واستمرار مشرف ذاته في الحكم…

في واشنطن، عاد من جديد منطق البراغماتية الزئبقية الأمريكية ليحكم مسار العلاقات الأمريكية وتبدلاتها، حيث وصف الرئيس الأمريكي بيرويز مشرف بأنه «زعيم كبير لديه رؤية عظيمة» في حين تحدث رئيس الكتلة الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي عن أن الولايات المتحدة مهتمة «بإقامة علاقات جديدة مع باكستان جديدة» في حين تمكنت واشنطن في تطور لافت من إحياء خط المشاورات والتعاون العسكري مع إسلام آباد، وهو الذي تجمد طيلة عقود، وذلك ارتباطاً بالحديث عن إغداق المزيد من المساعدات المالية والاقتصادية شريطة استكمال مشرف للخطوات التي بدأها في بلاده…
وهنا لم يخف مشرف مخاوفه، حيث ربط بين استمرار حكمه والمساعدات المالية الأمريكية له ولحكومته من أجل تقليص فاعلية ما اسماه بتيار التشدد في باكستان…

وقبيل توجهه إلى واشنطن كان مشرف التقى في إسلام آباد، في خطوة تحمل الكثير من الدلالات والمعاني لجهة المساعي الباكستانية لقلب معادلة التجاذبات والتناقضات القائمة في المنطقة بعد 11 أيلول لصالحه قدر الإمكان، التقى برئيس الحكومة الانتقالية حامد قرضاي بعد استقبال رسمي في المطار حضره شخصياً خلافاً للبرتوكولات الباكستانية المعتمدة…
ويبدو أن مشرف من خلال المساعدات التي وعد بها إلى أفغانستان هو الآخر يريد تحييد المزيد من الضغوط عليه عبر إقامة تحالفات جديدة حتى وإن كانت انقلابية، طالما كان من شأنها توجيه رسائل تهديد ما للهند التي تريد بدورها ضمان دور ما لها في ترتيبات أفغانستان ما بعد طالبان…
فقد كانت باكستان تدعم طالبان وتناهض تحالف الشمال من الأوزبك والطاجيك الذين يشكلون معظم قوام الحكومة الأفغانية الانتقالية المعينة في مؤتمر بون، غير أن التطورات الأخيرة والمعطيات التي تشمل وجود أكثر من مليوني لاجئ أفغاني في إسلام آباد ووجود علاقات وطرق تجارية مشتركة بين البلدين وتلويح قبائل الباشتون سابقاً الممتدة عبر حدود البلدين بإقامة دولة باشتونستان، كل ذلك دفع بمشرف وقرضاي فيما يبدو لاعتماد لغة الأمر الواقع في فترة تشهد مساعي أمريكية محمومة للدخول إلى المنطقة بكل الوسائل المتاحة بغض النظر عن مشروعيتها…* *

معلومات إضافية

العدد رقم:
169