الحادي عشر من أيلول بالتوقيت الهندي

 بعد عدة إرهاصات ليس آخرها التصريحات الاستفزازية الأمريكية حول العراق ولبنان وسورية وكذلك الصومال والإجراءات الميدانية التي سارعت اليمن لاتخاذها ضد ما وصف بمعسكرات ظهرت «فجأة» لمنظمة القاعدة يبدو أن الوقت قد حان بتوقيت البيت الأبيض لانتقال الحادي عشر من أيلول، وتداعيات إعادة رسم الخارطة الجغرافية السياسية للعالم بهدف اقتسامه من جديد، إلى شبه القارة الهندية ولكن بصيغة درامية تبدو مصغرة للوهلة الأولى…

 … «ما بعد أفغانستان…«
 فبعد أن شارفت الحرب العسكرية للولايات المتحدة ضد أفغانستان على الانتهاء في إطار ما تسميه بمكافحة الإرهاب، دون تحديد مفهوم واضح له، وبعد انحسار هذه الحرب نسبياً (بغض النظر عن دراما البحث عن بن لادن وفلول طالبان في المغاور واستمرار القصف الأمريكي بالخطأ للمدنيين وأنصار القبائل والرئيس الجديد( لصالح المشهد السياسي في أفغانستان وأداء الرئيس المعين في مؤتمر بون حامد قرضاي وحكومته اليمين القانونية وحديثه عن المصالحة الوطنية والإعمار دون التطرق للحلول الفعلية لمشكلات ملايين الأفغان المهددين بالمجاعة إن نجوا من القصف الأنغلو أمريكي، يبدو أن المرحلة التنفيذية المرسومة لإحداث تفجير جديد في شبه القارة الهندية قد اقتربت…
 الحدث: هجوم انتحاري أمام عدسات المصورين أيضاً على برلمان ما يوصف بأكبر ديمقراطيات العالم تماماً كما كان برجا التجارة في نيويورك رمزاً لأكبر اقتصادياته والبنتاغون رمزاً لأكبر قوة عسكرية فيه أيضاً… ولكن الخسائر الناجمة عن انفجارين أثنين أيضاً كانت صغيرة، بالمقارنة، بما ينسجم مع حجم الهجوم وتكتيكه علماً بأنه تضمن معركة بالبنادق استمرت ساعة كاملة…

جورج دبليو.. فاجبايي
 وعلى الفور، وبينما تم إعلان حالة الطوارئ في دلهي سارع رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي إلى إطلاق الوعيد بالقضاء على الإرهاب مؤكداً قبول أبناء الهند للتحدي الذي فرضه الهجوم «على الأمة بأسرها» بحسب تعبيره الذي كان يشير بإصبع الاتهام مباشرة إلى باكستان الجارة اللدودة منذ زمن طويل والتي أدى الخلاف معها بخصوص إقليم كشمير الهندي المتنازع عليه بين البلدين إلى اندلاع ثلاث مواجهات عسكرية سابقاً… وشأنه شأن جورج دبليو بوش في أيلول أكد فاجبايي أن المعركة وصلت إلى مرحلتها الحاسمة لأن «الصبر الهندي نفد» وأن «الأمة تتوحد في أوقات الأزمات»…
 الولايات المتحدة من جانبها كانت أول طرف خارجي (!؟) يدين بعد ساعات وجيزة ما وصفته سفارتها في نيودلهي بالعمل الإرهابي المروع قبل أن تصدر في يوم الحادثة ذاته تصريحات مماثلة عن باكستان وبريطانيا…

حبكة واحدة
 الهجوم على البرلمان الهندي ليس السابقة الأولى من نوعها، فقد كانت تتبادل الهند وباكستان على الدوام الاتهامات بخصوص أعمال تخريبية أكبر من حادثة البرلمان في حجم الضحايا على الأقل كاستهداف القطارات مثلاً.. ولم تكن تصدر تصريحات هندية تهديدية كهذه، غير أن هجوم الثالث عشر من كانون الأول استهدف رمز البرلمان بحد ذاته وذلك في الوقت الذي يفترض فيه تواجد معظم أعضائه وأبرز أعضاء الحكومة بمن فيهم رئيس الوزراء ذاته والذي لم يحضر للإجابة الروتينية عن تساؤلات النواب كما كان مقرراً (؟؟!!) والأهم أن الحدث أتى في سياق تداعيات الحادي عشر من أيلول، والأبرز هنا هو توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى منظمتين عسكريتين تؤويهما إسلام آباد وأجهزة استخباراتها المتعاونة تاريخياً مع السي آي إيه الأمريكية وهما عسكر التوبة وجيش محمد اللتين نفتا المسؤولية عن الحادثة في حين سارعت نيودلهي إلى تأكيد امتلاكها لأدلة تثبت تورطهما ولكن أيضاً دون عرض هذه الأدلة تماماً كما كانت الحال مع أحداث أيلول الأمريكية(!!؟)…

فتيل أزمة جديدة
 وتوالت بعدها تصريحات الوعيد الهندي والتنصل الباكستاني المرتبط بالتحذير من عواقب مهاجمة باكستان وذلك وسط دعوات دولية لضبط النفس واتباع الوسائل الدبلوماسية ولاسيما مع ارتفاع وتيرة الحشود العسكرية على جانبي الحدود وتبادل إطلاق النار على خط الهدنة الفاصل في ولاية جامو وكشمير المتنازع عليها وسقوط بواكير القتلى والضحايا الجدد لدى الطرفين…
 وبينما يسارع المسؤولون الهنود إلى مطالبة قيادة البلاد علناً باتباع الأسلوب العسكري الأمريكي في التعاطي مع القضية كما في أفغانستان، وبالانضمام إلى ما يسمى بالتحالف الدولي ضد الإرهاب وهم الذين يرغبون أساساً بتحصيل موقع لنيودلهي في الترتيبات الأمريكية في أفغانستان في موازاة ما حصلت عليه باكستان من امتيازات، حتى وإن كانت محفوفة بالمخاطر، انضم جورج بوش ومن موقع الحليف المفترض لباكستان بعد أيلول إلى حملة الضغط الهندية على إسلام آباد مطالباً إياها بالتضييق على من أسماها بالمنظمات الإرهابية بينما سارع وزير خارجيته باول إلى التصريح أنهم يراقبون الوضع عن كثب…

الجنرال في متاهته
 وتزامنت تصريحات بوش مع زيارة الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف، المرتبك بفعل تطورات الظرف الحالي، إلى بكين وتأكيده من هناك، تخفيفاً للامتعاض الصيني من التحالف الباكستاني الأمريكي الجديد فيما يبدو، على أن بكين «الصديق العريق عبر الزمن ستبقى حجر الأساس في السياسة الخارجية الباكستانية» علماً بأن الصين، التي حذت حذو الولايات المتحدة وأوربا في الإغداق على مشرِّف بالمساعدات والاتفاقات الاقتصادية والتقنية، لا تبدو ضمناً أقل قلقاً من إسلام آباد وهي التي جاءت تداعيات أيلول لتحضر القوات الأمريكية إلى خاصرتها مقابل قبولها كعملاق اقتصادي في منظمة التجارة العالمية ناهيك عن قضية تايوان المنشقة وتحالفها القوي مع الولايات المتحدة إلى جانب قلق بكين إزاء مستقبل التوازن الاستراتيجي في منطقة وسط آسيا بعد اندحار طالبان إلى حد كبير وتقلقل الحكم الباكستاني نفسه تحت وطأة الامتعاض الشعبي، ولاسيما لدى قبائل الباشتون الذين لهم امتداد في أفغانستان، من التحالف مع واشنطن، وإزاء تقارب روسيا بوتين مع الغرب وحلف الأطلسي عموماً، وإزاء الاحتمالات الكامنة وراء أي تفجير جديد في شبه القارة الهندية بين الجارين النوويين.. والذي إن تم فعلاً فستعود نتائجه بالمنفعة، كما هو الحال دائما،ً على مراكز القوى الخارجية ومراكز النفوذ في العالم وخصوصاً الغربية منها…

معلومات إضافية

العدد رقم:
165