كاسترو: سننتصر.. الوطن أو الموت! الأمريكان معتدون... والمقاومة العراقية مشروعة

في المهرجان الذي أقيم بمناسبة عيد العمال العالمي، ألقى الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، كلمة جاء فيها:

ضمن الظروف الحالية التي يعيشها العالم يهيمن الخوف الشامل من الإمبراطورية المتوحشة وتهديداتها وضغوطها وأعمالها الانتقامية من كل نوع، وخاصة بحق أضعف بلدان العالم الثالث. إن التصويت في جنيف ضد قرار تعدّه وتفرضه الولايات المتحدة، وخاصة إذا كان موجهاً ضد كوبا، البلد الذي تحدى عجرفتها وغطرستها على مدى نحو نصف قرن من الزمن، يتحول إلى عمل انتحاري تقريباً. بل وأن أقوى الدول وأكثرها استقلالاً تجد نفسها مضطرة لأن تأخذ العواقب السياسية والاقتصادية لقرارها بعين الاعتبار.

...حين اقترحت كوبا هذه السنة إرسال ممثل عن اللجنة لرؤية ما يحدث في قاعدة غوانتانامو البحرية، دب الذعر بين قطيع المنافقين، وخاصة منهم منافقي المجموعة الأوروبية. انهارت الأخلاق. بعض الحكومات الأوروبية شعر بالخجل والعار فعلاً، إما أن يعترف بتناقضه مع نفسه وبنفاقه، أو القيام بأمر مستحيل: الخروج عن طاعة الإمبراطورية. كان هذا حملاً كبيراً بالنسبة لمدافعين بالغي الجلالة عن حقوق الإنسان، والذين لا توجّه مزاريقهم إلا إلى من كانوا مستعمرات لهم على مدى قرون من الزمن، حيث أبادوا عشرات الملايين من الهنود الحمر ونقلوا من أفريقيا أعداداً لا تحصى من أبناء البشر ممن تم تحولهم إلى عبيد، بحرية تقل عن حرية الدواب. هكذا يعاملون آلاف الملايين من سكان العالم الثالث، ضحايا السلب والتبادل اللا متساوي واستخراج ثرواتهم الطبيعية وكل العملات القابلة للصرف من احتياطات مصارفهم المركزية، وهي أموال مودعة في بنوك الولايات المتحدة بشكل أساسي، أو في أوروبا، والتي يموّل بها هذان استثمارات الإمبراطورية وحلفائها وعجزهم التجاري وفي الموازنة ومغامراتهم.

حيال الاقتراح الكوبي في جنيف، اضطر بوش شخصياً وأرفع موظفيه مستوى أن يتحركوا بشكل هستيري للاتصال شخصياً برؤساء دول وحكومات. لا أحد يعرف من أين أتى بكل ذلك الوقت، ولا كيف تمكن من الاهتمام بشأن العراق والمشكلات المالية التي تعانيها الدولة ومآدب جمع الأرصدة واحتفالات الحملة الانتخابات. ربما لا يكون عادلاً تسميته فوهرر. أو ربما يكون عبقرياً.

لماذا يستطيع بوش أن يتحدث عن عجز في الموازنة بقيـــمة 512 مليـــون دولار وعجز تجاري آخر مماثل، ما مجموعه مليون مليون دولار خلال سنة واحدة؟ لأنه يتلاعب وينفق الأموال الصعبة الخاصة بأغلبية العالم من أجل الدفاع عن هذه الامتيازات وغيرها. يتدججون بأحدث المعدات العسكرية ويشنون حروب فتح سعياً للمواد الأولية.

الوضع الدولي هو وضع معقد. فالسياسة المغامرة التي تتبعها الإدارة الأميركية الحالية قادت العالم وما تزال تقوده إلى مشكلات هي أقل قابلية للحل يوماً بعد يوم. والنظام الاقتصادي هو نظام تقل قدرته على الديمومة يوماً بعد يوم.

حدثت في إسبانيا واقعة عظيمة وحافزة. كان إنجازاً ما فوق العادي وشبه حصري على الشعب الإسباني، وخاصة الشبان من أبنائه. معركته السياسية البطولية التي استغرقت 48 بالكاد، بعد المأساة وعشية الانتخابات، وجهت ضربة ساحقة للمناورة الغادرة التي قامت بها الحكومة الإسبانية السابقة من أجل تجيير اعتداء الحادي عشر من آذار المريع لصالحها ولصالح الغايات العسكرية للولايات المتحدة.

الحكومة الحالية نفذت التزامها بسحب القوات الإسبانية من العراق. إنها دون شك خطوة محمودة. ولكن الدولة الإسبانية في ظل الحكومة السابقة تولّت مسؤولية تجنيد عدد كبير من الشبان الدومينيكانيين والهندوراسيين والسلفادوريين والنيكاراغويين من أجل إرسالهم كوقود حرب في العراق تحت أمرة الكتيبة الإسبانية، وهي حالة فريدة من نوعها في تاريخ هذه القارة وإسبانيا، التي تطمح بصفتها الدولة المستعمرة سابقاً للشعوب الأمريكية اللاتينية لكسب الاحترام والاعتبار، بل وللعب دور معين في أمريكا اللاتينية والكاريبي، تقع عليها المسؤولية والواجب الأخلاقي في العمل من أجل العودة النهائية للشبان الأمريكيين اللاتينيين الذين تم إرسالهم إلى العراق بموجب مساعي الحكومة السابقة.

إن شعوب العالم، ومن بينها شعب كوبا، لا تكن الحقد لشعب الولايات المتحدة ولا تتمنى الموت لجنود شبان أمريكيين، وكثيرون منهم هم من الزنوج والخلاسيين والأمريكيين اللاتينيين، ممن قادهم الفقر والبطالة إلى امتهان حمل السلاح، ويذهبون اليوم ضحية حرب غير ضرورية وحمقاء؛ لا ندعم في العراق أي حكومة ولا أنظمة سياسية معينة، وهو حق العراقيين حصراً؛ كنا تضامنيين مع الذين قضوا في أعمال نيويورك و في مدريد، وندين مثل هذه الأساليب والتعاطف العالمي الهائل والمتزايد مع شعب العراق تولّد عن أعمال القصف الهمجية لبغداد وغيرها من المدن، والتي أنزلت الهول والموت بين مدنيين أبرياء، من دون أن يؤخذ بعين الاعتبار في شيء الأثر النفسي المريع الذي سيرافق ملايين الأطفال والفتيان والنساء الحوامل والأمهات والشيوخ مدى حياتهم، دون أي مبرر ممكن وعلى أساس أكاذيب فظة. هذا التعاطف يتضاعف، لأن آلاف الملايين من الأشخاص وعوا بأن الأمر كان يتعلق بحرب فتح من أجل الاستيلاء على الموارد والمواد الأولية التي تتمتع بها البلاد، لأنه لم يكن هناك تبرير ولا أي تشريع، لأنه تم انتهاك الأعراف الدولية، ولأن سلطة الأمم المتحدة وصلاحياتها قد تم انتهاكها.

يكافح الشعب العراقي اليوم من أجل استقلاله وحياته وحياة أبنائه، ومن أجل حقوقه المشروعة وموارده.

ولهذا تواجه حكومة الولايات المتحدة وضعاً معقداً، لأنها أرادت اتباع خط العنف والحرب والرعب... 

...إن حرب العراق تعيد إلى أذهان الكثيرين حرب فيتنام. أنها تعيد إلى ذهني حرب التحرير الجزائرية، عندما اصطدمت القوة العسكرية الفرنسية العظمى بمقاومة شعب ذي ثقافة ولغة وديانة مختلفة جداً، تدبّر أمره في أماكن صحراوية جداً كمناطق كثيرة من العراق، لكي يلحق الهزيمة بالقوات الفرنسية وبكل تكنولوجيتها، التي كانت على نحو كبير من التقدم في ذلك الحين. قبل ذلك كانت قد منيت بهزيمة ديان بيان فو، حيث كان أسلاف بوش على وشك استخدام السلاح النووي. في هذا النوع من الحرب، لا تنفع في شيء كل ترسانة أي قوة عسكرية تسعى للهيمنة. بجبروتها الهائل، تستطيع هذه أن تغزو بلداً، ولكن لا يمكنها إدارته وحكمه إذا كان مواطنوه يكافحون بحزم ضد المحتلين...

   ...إلى أولئك الذين يصرّون على تدمير الثورة، أقول لهم بكل بساطة باسم أغلبية الحشد المجتمع هنا في هذا الأول من أيار، كما في خيرون وفي لحظات أخرى حاسمة من نضالنا:

   عاشت الاشتراكية! الوطن أو الموت!

 

   سننتصر!