القمة العربية.. فشل جديد للنظام الرسمي العربي

أعلن حاتم بن سالم الكاتب العام للشؤون الخارجية التونسية، وبشكل مفاجئ، ودون التشاور مع وزراء الخارجية العرب المجتمعين في العاصمة التونسية تأجيل انعقاد الدورة السادسة عشرة لمؤتمر القمة العربية التي كان من المقرر عقدها يومي 29 و30 آذار الماضي.

إن هذا القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية التونسية قد جاء نيابة عن الولايات المتحدة، وتنفيذاً لأوامرها، وجه ضربة للقضايا العربية الملحة ومنع اتخاذ قرار بشأنها، كالقضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني والذي تتوج باغتيال الشيخ أحمد ياسين، وكذلك قضية الاحتلال الأمريكي للعراق، وغيرها من القضايا التي تهم العرب جميعاً، كما أنه بهذا القرار وجه إهانة إلى الشعوب العربية التي أصيبت بخيبة أمل كبيرة، وبغضب مكتوم.

وبذلك فإن الرئيس ابن علي كان أميناً ومخلصاً للذين جاؤوا به إلى السلطة. فإذا كان الرئيس التونسي السابق الحبيب بو رقيبة قد وصل إلى الحكم عن طريق الشعب، فإن خليفته وصل إلى الحكم عن طريق المخابرات الأجنبية وبالتحديد المخابرات الإيطالية كما ذكرت الصحف حينها.

حجج تونس لتأجيل القمة

لقد تذرعت الدولة المضيفة تونس في تأجيلها للقمة العربية بأسباب عدة أهمها:

1. كثرة الخلافات بين البلدان العربيـــة وتوزعها على ثلاثة محاور: فهناك المحور المصري الذي شدد على إصلاحات انطلاقاً من مؤتمر الإسكندرية، وقد حصلت مشادة، كما ذكرت الصحف، بين وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، ووزير الخارجية المصري أحمد ماهر، حيث رأى الشرع أن الوقت غير مناسب لبحث مبادرات عن الإصلاحات بسبب التصعيد الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته، وبخاصة بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين وقد طُلب تأجيل البت في قضية الإصلاحات حتى قمة الجزائر عام 2005.

وكان الخلاف الثاني قد برز بين الموقف السوري والموقف الليبي، فيما يتعلق بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، إذ طلب عبد الرحمن شلقم إدراج بند حول الموضوع في مقررات القمة والاقتداء بليبيا، وقد رفض الشرع بشدة الاقتراح ودعا إلى الاكتفاء بالدعوة إلى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل بما فيها إسرائيل.

وقال الشرع: على الدول العربية أن لا تقدم كل شيء، دون ثمن في إشارة إلى موافقة ليبيا على التخلي عن برامجها النووية عن طريق اتفاق منفرد مع الولايات المتحدة وبريطانيا من غير أن تطلب تطبيق الأمر ذاته على إسرائيل.

وكان السبب الثالث والأهم هو الموقف من مبادرة الإصلاح التي طرحتها تونس نيابة عن الولايات المتحدة.

محور مغاربي

والمحور الثاني هو محور مغربي تقدمته تونس يستند إلى ورقة تحت اسم: «وثيقة العهد والوفاق والتضامن» اعتبرها المحور الأول راديكالية بشأن الإصلاح العربي من حيث التطوير والتحديث الديمقراطي، وحماية حقوق الإنسان، وتدعم حقوق المرأة ودور المجتمع المدني وغيرها.

محور سوري لبناني فلسطيني

أما المحور الثالث فقد ضم كلاً من سورية ولبنان والسلطة الفلسطينية وتركز همهم الأول على أولوية مواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة وبالتالي لن يكون شريكاً في الصراع الدائر على الإصلاح ومضمونه.

2.  والسبب الثاني للتأجيل هو خفـــض نسبة التمثيل على مستوى الرؤساء، كما أفاد الجانب التونسي، وقال: لم تكن لائقة في حق الدولة المضيفة. وكانت السعودية والبحرين من أولى الدول العربية التي أعلنت تخفيض تمثيلها إلى مستوى وزراء الخارجية.

3.  والسبب الثالث والحقيقي للتأجيـــل هو الضغوط التي مارستها واشنطن عن طريق حكام تونس لفرض شرطها الأساسي وهو: إما القبول بمشروع الشرق الأوسط الكبير أو إفشال مؤتمر القمة.

وقد بدأت مؤشرات التأجيل و«فرطعة» القمة بعيد زيارة الرئيس التونسي ابن علي إلى واشنطن، حيث تعهد بتمرير الأفكار الأمريكية عبر صيغة تونسية.

ثم جاءت  زيارة وزير خارجية الأردن مروان المعشر إلى واشنطن لتشكل نقطة التحول في مسار القمة حول المطلوب والمقبول منها. سواء فيما يتعلق بالإصلاحات المطلوب تنفيذها من قبل الدول العربية أو فيما يتصل بالقضية الفلسطينية أو بالوضع في العراق.

صفعة تونسية

ولكل ماسبق قرر رئيس الدولة المضيفة، ودون التشاور مع أحد، تأجيل القمة العربية إلى أجل غير مسمى وبذلك يكون قد وجه صفعة نيابة عن واشنطن للقادة العرب وللشعوب العربية.

صدمة للفلسطينيين

كما شكل قرار التأجيل صدمة كبيرة للفلسطينيين وقال صائب عريقات إن حالة العجز والتشرذم العربي يمكن أن تدفع بإسرائيل للتحرك لتدمير السلطة الفلسطينية والمس برئيسها ياسر عرفات، وأكد محمد نزال ممثل حماس في الضفة الغربية أن «التأجيل سببه الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على القادة العرب، واعتبر التأجيل بمثابة رسالة وضوء أخضر لإسرائيل لاستئناف عملياتها».

الكماشة الأمريكية

وهكذا فإن القمة العربية قد حكمتها منذ البداية «الكماشة الأمريكية» أحد فكيها محور أردني خليجي واضح بتوجهاته، والآخر مغاربي برئاسة تونس، واضح أيضاً في توجهاته المماثلة لتلك، ولم يبق في معركة الرفض والممانعة إلا سورية ومعها لبنان والفلسطينيون، مع موقف وسط سعودي مصري لم يتمكن من ترجيح كفة الميزان لصالح مؤتمر القمة.

الإصلاحات أولاً

لقد توضح للجميع أن محور الخلاف لم يكن الملفين الفلسطيني والعراقي وإنما كان حول قائمة الإصلاحات التي طرحتها واشنطن على الحكام العرب وطالبتهم بالموافقة عليها، والتي أعلنت أنها ستقدمها أيضاً لقمة مجموعة الثماني للضغط على العرب من أجل تبنيها وإقرارها.

لقد تبين بجلاء أن باع واشنطن طويل، وأصابعها في كل مكان وإن الرد الوحيد على هذا التآمر هو الإصرار على عقد القمة واتخاذ القرارات المناسبة التي تخص قضايا العرب الراهنة، وعلى الحكام العرب أن يعتمدوا على شعوبهم، فهم الدرع الواقي لهم، وذلك بإجراء تغييرات من الداخل أساسها إشاعة الحريات الديمقراطية وسيادة القانون، وحقوق الإنسان وكرامته، ورفع مستوى المعيشة للجماهير الشعبية في كل بلد عربي، وقيام تضامن عربي حقيقي يستند إلى الشعوب العربية وقواها الوطنية للرد على كل تآمر خارجي ضد العرب وحقوقهم وكرامتهم.

 

■ عادل الملا