صحيفة «الأومانيتيه» الفرنسية تحاور ممثل جبهة المقاومة الوطنية العراقية: المقاومة تمتد من البصرة الى كركوك

■ ندين الاعتداءات على الأمم المتحدة والصليب الأحمر.

■ المقاومة تضم مسيحيين وأكراد وشيعة وسنة.

■ العراق ـ سامراء  

تمكّن الموفد الخاص لصحيفة «الأومانيتيه» الفرنسية من الالتقاء قرب سامراء بأحد ممثلي مجموعات المقاومة. كان خطابه سياسياً للغاية، وطنياً للغاية، يرفض وجود صلات مع القاعدة أو مع مناصري صدّام.

شهادة...

في سامراء، على بعد 110 كيلومترات شمالي بغداد، وبعد يومين من المأساة، لم يجر تضميد الجروح بعد. وكيف يمكن أن تضمد؟ نساء وأطفال قتلوا، بيوت دمرت، مساجد أصيبت: لو أنّ قوات الاحتلال كانت ترغب عن اجتذاب الكراهية لنفسها لما تصرفت بطريقةٍ أخرى. يوم الأحد الماضي، حصلت مواجهات بين تلك القوات وبين مجموعاتٍ مسلحة. والناطقون الرسميون باسم الجيش الأمريكي، المعتادون على مثل هذه الممارسات، وحرصاً منهم على «احترام» المعلومة، الأمر الذي يمثّل رافعةً للديموقراطية، قاموا بتزويد الصحافة الدولية بتصريحات يتبدّى عدم صحتها تصريحاً بعد الآخر، وبالأخص فيما يتعلّق بعدد القتلى، الذي ارتفع، وفق الأمريكيين، من 46 إلى 54، في حين لم يحصِ مستشفى المدينة «سوى» ثمانية جثث. من هم المهاجمون؟ وما الذي جرى يوم الأحد في سامراء؟ وماذا تمثّل هذه «المقاومة»؟

المكان: على الطريق بين بغداد والمدينة. الزمان: صباح يوم الثلاثاء. العسكريون الأمريكيون أغلقوا مؤقتاً الطريق السريعة. أوقف انفجار آليةٍ مفخخة، جزءاً من قافلتهم التي كانت متوجهة إلى العاصمة، وبدا كأنّ الأمر جرى دون أضرار. وفي المنطقة المحيطة، نلاحظ للمرة الأولى بأنّ المشهد قد تغيّر. لقد حلّت ألوان الخريف، التي عادةً ما نراها إلى الغرب من البلاد. والأشجار التي يقتلعها الأمريكيون - وهو تكتيك قديم يستخدمه الإسرائيليون بحجة تدمير الأركان التي ربما تخفي كمائن - بدأت أخيراً تتحول من الأخضر إلى الأحمر. المنظر جميل! ساعة من التوقف، ثم نستطيع التحرك من جديد. لكن ليس لفترة طويلة، إذ على بعد بضعة كيلومترات، نضطر للتوقف من جديد، وللأسباب نفسها. هذه المرة، أصيبت قافلة الشاحنات العسكرية. أثناء الوقت اللازم للتقدم، ولتشتمنا جندية أمريكية نادراً ما تتجاوز كلماتها الألفاظ النابية، بحيث ننال نصيب جميع العراقيين الحاضرين، وكذلك الوقت اللازم لرؤية جثةٍ ممزقة مرمية في شاحنة، في حين تحمّل حوّامة رسم عليها صليبٌ أحمر الجرحى، يتقدّم رجلٌ نحونا. أربعيني، واضحٌ أنّه من الطبقة الوسطى، ويريد التحدّث مع الصحافي المتواجد بالصدفة ودفتره في يده. بضع كلماتٍ تكفي. تمشي سيارةٌ وراء أخرى فور فتح الطريق، وحتى سامراء.

بعد بضعة أزقّة، ندخل إلى بيت يماثل البيوت المجاورة. لا إجراءات خاصة، لا رجال مسلحون. لا شيء. يظهر أنّ الأمر ليس فلكلوراً، بل هو نقاشٌ ذو طابع سياسي.

محادثنا - الذي يحتفظ بسرّية اسمه - يشير إلى أنّه قد ترك حزب البعث (حزب صدّام حسين) في العام 1984، ويوضّح بأنّ تصرّفه ذاك لم يخلق له أبداً أيّة مشاكل مهنية. بدايةً يقول: «نحن متدينون ووطنيون. الأمريكيون يحتلون بلادنا. إذا اتبعنا تعاليم الدين، يجب علينا المقاومة لأنّهم غزاة». حديثه مهذّب، دون تجاوزاتٍ لفظية، دون جملٍ فيها مبالغات. عباراته رزينة ومدروسة. يذكر رجلنا تصرف الجنود الأمريكيين: الاحتقار والعنف وعدم احترام التقاليد، ليفسّر ظهور المجموعات المسلّحة، المصممة على إنهاء الاحتلال. «في البداية، كانت هذه المجموعات متفرقة، لكن بدأت تجري اتصالات فيما بينها. وحصلت لقاءات سرية. وهكذا، نفّذت عمليات عسكرية. وتواصلت الاتصالات خارج مناطقنا الأصلية». على موقدٍ من الغاز ينشر الحرارة، يغلي الماء في إبريق شاي. غير أنّ الشاي لم يسكب. حوارٌ ذكيّ، عبارات متماسكة، لكن لا إفراط في الضيافة. قال محادثنا: ينبغي «إفهام معنى معركتنا. الأمر مماثل لنداء ديغول ضدّ الاحتلال الألماني». على كلّ حال، هو يرفض تسمية «المثلث السني» التي أعطيت للمنطقة التي تشمل الرمادي والفالوجة وسامراء أو تكريت. ويؤكّد قائلاً: «أفضّل تسمية المثلث الوطني».

منذ 26 أيلول، ظهرت هيئة جديدة، جبهة (وتعني حرفياً الخط الأول في المعركة) المقاومة الوطنية، التي يبدو أنّها تضمّ «70% من المقاومة في العراق»، من كركوك في الشمال، إلى البصرة في الجنوب، مروراً ببغداد، مثلما يتضمّن بلاغٌ وقّعته هذه المجموعات المتناثرة جغرافياً والتي حصلت صحيفة الأومانيتيه على نسخةٍ منه. «الجبهة هي التعبير السياسي للعمل المسلح لهذه المجموعات»، يقول مضيفنا. «لدينا أموال وأسلحة حصلنا عليها من مخلفات الجيش العراقي». هذه الحركة الدينية والوطنية («الانتماء الديني غير مهم، لدينا مجموعات من المسيحيين والأكراد  وكذلك من الشيعة والسنة») تؤكّد بأنّها قد «استبعدت البعث منذ البداية، وكذلك أفراد الحرس الجمهوري وضباط الجيش، إذ إنّهم هم الذين سلّموا بغداد للأمريكيين دون قتال». لكّنه يعترف بأنّ الموالين للنظام السابق «الذين يريدون عودة صدّام فعّالون في بغداد بشكلٍ رئيسي». ويدين كذلك الاعتداءات ضدّ الأمم المتحدة والصليب الأحمر، وينفي أّية علاقة مع منظمة القاعدة، الغائبة عن منطقة سامراء. «لكن نحتاج على الدوام إلى الموازنة بين أفعال الأمريكيين وأفعالنا، وبالتالي فإننا نعدّل أفعالنا».

يوم السبت الماضي، قتل سبعة عناصر مخابرات إسبانية في جنوب بغداد. «مصادفة»، يؤكّد ممثل المقاومة. «كنا قد رصدنا تحركاتهم، في نفس العربات التي تستخدمها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA، لكننا لم نكن نعرف جنسيتهم». كذلك، وفي القافلة التي توقفت أثناء ذهابنا إلى سامراء، كانت هناك شاحنة تنقل حوامة أصيبت في مؤخرتها، كما شهدت على ذلك حجرة القيادة والثقب الفاغر. لم تقل المقاومة كلمةً عن تلك الحادثة. «لقد هاجم المقاتلون فرعاً للـ CIA في سامراء في 20 تشرين الثاني، يقول رجلنا. وأصبنا الحوامة بسلاح RBG7، وقد تمكنت من الهبوط، لكن بصعوبة. في اليوم نفسه، وفي هجوم آخر في يثرب، أصبنا شاحنتين وحوامتين، لكننا خسرنا مقاتلاً». منذ 16 حزيران، قتل سبعة عشر من أعضاء مجموعة سامراء، «وحدث ذلك بالنسبة للبعض أثناء تعاملهم مع أشياء مفخخة»، كما يشير محادثنا. 

هذه المجموعات، التي ليس لها قائد سياسي بعد، «لكننا نعمل على هذا الأمر»، والتي يتزايد ارتباطها باتجاهات مدنية، تحاول أن تنظّم نفسها. وهي ترفض مجلس الحكم المؤقت والاتفاقيات المعقودة مع الإدارة المدنية الأمريكية، وتؤكّد أنّها تريد الدعوة إلى إضرابٍ عام «في الأشهر القادمة» ضدّ هذا المجلس. ويؤكّد ممثل الجبهة الذي التقيناه «أنّنا قد وجهنا الأمر بأنّ يهاجم كلّ ما يرتبط بالأمريكيين من قريب أو من بعيد». عبارات استئذان بالانصراف، مجاملات. على طريق العودة نحو بغداد، جرى اللحاق بسيارتنا لأكثر من نصف ساعة. يبدو أنّ أجهزة الأمن والاستعلام التابعة لجبهة المقاومة الوطنية هذه والتي تلاحق «المخبرين والمتعاملين» تعمل بصورةٍ ممتازة. 

 

 ■ بيير باربانسي