ويليـام بفاف ويليـام بفاف

العجرفة الأمريكية تتجاهل شعب باكستان

انتشر على الدوام في أوساط السياسة الخارجية الأمريكية فيروس اسمه العجرفة، بسبب الادعاء الموروث بأن الأمريكيين يعرفون أكثر مما يعرفه الآخرون. والمذهل أن التشخيص لم يكتف بإثبات الحالة فقط، بل أظهر أيضاً أنها تقاوم محاولات العلاج بشدة، بعد العديد من التجارب. ويبدو أن أعراض الداء قد بدأت تظهر على إدارة أوباما في معالجتها لقضية باكستان (بغض النظر عن حالة العلاقات الأمريكية الأفغانية). فهذه الإدارة وصلت إلى البيت الأبيض بقناعة أن قضية أفغانستان تعتبر مشكلة للولايات المتحدة، لأنها عملياً تسبب مشكلة لباكستان.

ترجمة: موفق اسماعيل

تمتلك الدولة الكبيرة، باكستان، أسلحة نووية، ويقطنها عدد كبير من «البشتون» الذين يمدون حركة طالبان بالمقاتلين. بينما أفغانستان بلد صغير نسبياً، عدد سكانه يعادل ثلث عدد سكان باكستان، ويقطنه عدد كبير أيضاً من «البشتون» الذين يؤون مائة عنصر فقط من عناصر تنظيم القاعدة (إذا صدقنا مستشار الأمن القومي الأمريكي، الجنرال جيمس جونز)، في حين يشاع في واشنطن أن باكستان تعج بهم، والبلد بأكمله يغذّ السير نحو التحول إلى «مفرخة» إرهابيين يبغون غزو الغرب، وتفجيره بالأسلحة النووية المسحوبة من المستودعات الباكستانية، وإقامة خلافة إرهابية عالمية جديدة على أنقاضه.
وما زال مجهولاً ما إذا كانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، تحمل الرأي نفسه، ولكنها بالتأكيد ستسمع الكثير عن مقدار تضرر باكستان من الضغط الأمريكي عليها، ومقدار خوف الشعب الباكستاني، ليس من طالبان والقاعدة، بل من الولايات المتحدة ذاتها.
وفقاً لمقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، 27/10/2009، من جاين بيرليز في إسلام آباد، فإن المعارك ضد الإسلاميين هناك «أثلجت صدر الأمريكيين، لكنها أدت إلى حصار أجزاء واسعة من باكستان، مما دفع بالميليشيات في مناطق القبائل المعزولة إلى نقل الحرب للمدن الباكستانية. ولذلك يحمّل الباكستانيون الولايات المتحدة مسؤولية عدم استقرار أوضاع بلدهم».
وفي استفتاء حديث وموثوق، أجري في شهر آب، قبل الهجمات الأخيرة التي شنها الجيش الباكستاني ضد الإسلاميين في وزيرستان ووادي سوات، وقبل وقوع سلسلة التفجيرات الانتقامية في المدن، اعتبر 11% من الباكستانيين فقط أن تنظيم القاعدة يشكل الخطر الأكبر على باكستان حالياً، بينما 18% قالوا الهند، و59% اعتبروا أن مصدر الخطر الأكبر يأتي من الولايات المتحدة.
من الواضح أن قطاعاً واسعاً من الشعب الباكستاني يرفض الوجود الأمريكي على أرضه، ويرفض حتى المساعدات التي تأتيه منها. فالحقيقة المُرّة الثابتة تاريخياً أن مقاومة الولايات المتحدة، أهلياً وشعبياً، قامت على فكرة أن هدف المساعدات الأمريكية هو حماية الأنظمة العسكرية الحاكمة، ورشوة الجيش ضماناً لتعاونه مع السياسة الأمريكية. لكن هذه المرة، الجيش الباكستاني هو الذي لا يريد حزمة المساعدات المقدرة بـ 7.5 مليار دولار، التي خصصتها إدارة أوباما؛ ويرفض أية مساعدة قد تُفضي إلى التدخل بالشؤون الداخلية لباكستان، وهي كذلك فعلاً.
ومن المعروف عموماً أن واشنطن كانت تقف خلف وصول الحكومة المدنية للرئيس آصف علي زارداري إلى سدة السلطة، و«يُنظر إليها كحكومة تابعة للأمريكيين إضافة إلى عجزها عن معالجة الوضع الراهن» (نفس المقال المذكور سابقاً). لذلك قام الطلاب برشق وزير الداخلية الباكستاني بالحجارة أثناء زيارته «الجامعة الإسلامية الدولية» مؤخراً وإثر الحادثة أغلقت الحكومة كل مدارس وجامعات إقليم البنجاب ذي الكثافة السكانية العالية، «الأمر الذي تأثرت به العائلات الباكستانية بشكل غير مسبوق» (يفترض أن يكون قد أعيد فتحها في 26/تشرين الأول).
وبالنظر إلى القضية من خلال التصريحات العلنية لمستشاري أوباما، تُعتبر باكستان مصدر خطر كبير في المنطقة، بسياساتها الشاذة وأسلحتها النووية، والتمرد الإسلامي النشط فيها، لذلك من المحتمل، حسب تعبير مستشار أوباما، بروس رايدل، أن تصبح مصدر «أعظم تهديد تواجهه الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب الباردة». ولعل هذا يوضح سبب رغبة الولايات المتحدة بحكومة باكستانية تستطيع التحكم بها وإجبار جيشها على محاربة الإسلاميين على أراضيهم، وإن أدى ذلك إلى عزل الجيش، وتأجيج مشاعر الكراهية ضد الولايات المتحدة.
لكن أليس ترك باكستان ذات الخدمات المدنية الجيدة والجيش رفيع المستوى، تتولى الدفاع عن أمنها أفضل من ترك الولايات المتحدة تفرض أفكارها وآراءها؟
أمن الصعب تصور أن الباكستانيين يعرفون ما هو أفضل لهم أكثر مما يعرفه الأمريكيون؟
أيمكن أن يعجب الأمريكيون بجيش باكستاني يتموضع في واشنطن، ويُملي على الولايات المتحدة كيفية إدارتها لسياستها الخارجية بشكل يتلاءم مع المصالح القومية الباكستانية؟