«بصراحة وبلا رتوش»

ما أن تسال أي مواطن عن احتمالات التدخل الخارجي والعدوان على سورية حتى يجيئك الجواب البسيط والمعبر: «مثل ما فعل (الآباء سنفعل نحن) ولا خيار أمامنا إلا المقاومة وعند ذاك سيصبح للشهادة معنى وتتوحد الناس حول هدف واضح وليس كما يحدث الآن من تشوش وقلق وارتباك وخوف على مصير البلد ككل...»!

وما إن تسأل من يحدثك عن أسباب ما نحن فيه منذ أشهر إلا وتتفق الآراء حول الدور الرئيسي لقوى الفساد والنهب في الأزمة الوطنية العميقة التي تعاني منها سورية سياسياً واجتماعياً وأمنياً.

... ومن الملاحظ أن المواطن العادي لا يتطرق في حديثه وهمومه لا من قريب ولا من بعيد عن الأحزاب السياسية الرسمية لأنه لا يعرف أي شيء عن برامجها أو علاقتها بالناس العاديين ويكتفي بالقول: عند كل انتخابات «تقوم القيامة» ولكن لا نرى إلا صور المرشحين ولافتاتهم وأسماءهم داخل قوائم الجبهة التي تفوز دائماً ولدورات عديدة و بالأسماء  نفسها تقريباً ولكن أحوال الناس تزداد سوءاً حيث الأغنياء يزدادون غنى والفقراء  ترتفع أرقامهم وتنخفض مداخيلهم بشكل مريع.

... وإذا أدرك محدثك أنك لست من أهل النفوذ والثروة، أو «بصراحة أكثر» أنك لست من الأمن تتوسع قائمة الشكوى والمطالب وحقوق المواطنة المهدورة دون أن يرتبط ذلك مطلقاً لا «بالمعارضة الكلاسيكية» ولا بالموالاة، بل بالواقع المعاش مع عدم المساس أو التراجع عن حب الوطن والجاهزية للدفاع عنه كما يليق بالرجال.

وعندما يجري الحديث عن الإعلام الوطني والخارجي يأخذ الجواب الوجهة التالية: لسنا بحاجة إلى توجيه عن خطورة أهداف الإعلام الخارجي وخصوصاً المرتبط بقوى العدوان على سورية، تمويلاً وتوجيهاً.. وإذا كانت تلك الوسائل تعكس المشهد السوري على أنه «حالة حرب» يشنها النظام على الشعب فإن الإعلام الوطني يعتبر مهمته الأساسية هي شن الحرب على تلك الوسائل من باب انحيازها لأعداء سورية وغياب مهنيتها وموضوعيتها أي يحاول إثبات لزوم ما لا يلزم. وبالمقابل عندما ينشغل الإعلام الوطني بالمؤامرة الخارجية لا يقدم خطاباً مقنعاً ومدروساً عن كيفية وأشكال ومتطلبات تعزيز الوحدة الوطنية وطرق مقاومة كل أشكال التدخل الخارجي سياسياً أو عسكرياً. ولعل أخطر ما يغيب عن الإعلام الوطني ضرورة الاعتراف بالحركة الشعبية ومطالبها المحقة وطرق تنفيذها وترجمتها على أرض الواقع عبر الحلول السياسية والتي هي مطلب وطني يجتمع حوله كل القوى الوطنية لتـأمين الخروج الآمن من الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد منذ أشهر.. كان من الأجدى للإعلام الوطني ليس فقط الاعتراف بوجود الحركة الشعبية بل العمل على تطويرها وهذا لا يعني عدم انتقادها ووضع حد لكل من يلوثها من الداخل وعدم الاعتداء عليها من خارجها وخنقها لأنها في نهاية المطاف هي ضمانة أساسية للإصلاح الجذري والشامل. ومن اللافت أن هذا الإعلام أوقف الحديث عن قوى الفساد بحجة إعطاء الأولوية للحلول الأمنية لمواجهة «قوى الإرهاب المسلح». وهذا المنطق يتجاهل الحقيقة التي أثبتتها تجربة سورية في السنوات الأخيرة بأن قوى الفساد داخل وخارج جهاز الدولة لا تقف فقط خلف «قوى الإرهاب المسلح» بل تحولت من حيث مصالحها الطبقية إلى أدوات للشحن الطائفي في المجتمع مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر لجهة تدمير الوحدة الوطنية وتهيئة المناخ لاستدراج التدخل الخارجي بحديه الأدنى والأعلى.

ها قد مضى أكثر من شهر على اللقاء التشاوري وبيانه الختامي، والذي تصالبت عليه النيران من بعض القوى داخل النظام وكذلك من خارجه ومن مواقع مختلفة شكلاً لكنها تدافع عن مصالح مشتركة تتناقض جذرياً مع المصلحة الوطنية العليا للبلاد وبالتالي تتناقض مع مصالح الشعب الذي يريد الخروج من الأزمة عبر قرارات البنود الثمانية عشر التي جرى التوافق عليها في اللقاء التشاوري تمهيداً لعقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل وصولاً إلى انبثاق بنية سياسية جديدة، بدءاً بصياغة وإقرار دستور جديد للبلاد يؤمن أعمق وحدة وطنية، وصولاً إلى مواجهة الخطر المركب ضد سورية من الخارج والداخل.

... وإذا كان البعض ينزعج من الفكرة الداعية إلى ضرورة إجراء عمليات جراحة دقيقة ضد المسلحين من كل شاكلة ولون، فإن كل تأخر في الإصلاح الجذري الشامل أو عدم إعطاء الأولوية للحلول السياسية سيجعل الكلفة على المجتمع والوطن قاسية جداً وغير مبررة على الإطلاق. 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.