جبران الجابر جبران الجابر

روسيا والأزمة السورية

الظاهرة، أية ظاهرة، ليست معطى منتهي التكوين، إنها تتطور، تتغير، تتبدل، والظاهرة الاجتماعية يعتريها التغير والتطور والتبدل تحت تأثير فعل القوى الاجتماعية وممارساتها ومعالجاتها.

وليست الأزمة السورية خارج نطاق تلك القانونية التي تفرض التعاطي مع مستجداتها، وقد بدأت الظاهرة السورية في درعا وأريافها وأخذ يتسع نطاقها الجغرافي والديمغرافي، وقد خال البعض أن الأمر لا يتعدى أياماً معدودة، وتنتهي الأمور وتعود الحال إلى الاستقرار. وقد شملت التغيرات الأدوات والآليات والقوى وخرج الوضع عن نطاق قدرات أجهزة الأمن، وتطلب الحل الأمني استخدام وحدات عسكرية لمواجهة تطور الأزمة.

إن تطور وتغير اية أزمة لا يتيح لأية قوة سياسية ولا لأية دولة أن تتعاطى مع الأزمة بمواقف سياسية ثابتة، ويتصاعد إيجاباً أو سلباً التعاطي مع الأزمة، ويمكن القول إن المشكلة لا تكمن في الإحاطة بالثابت في سياسة هذه الدولة أو تلك، بل هو في المتغيرات والمعالجات السياسية المقترحة لمعالجة الأزمة.

ومن الهام لحظ مسار السياسة الروسية في التعامل مع الأزمة السورية، ويمكن القول إن ذلك المسار يمر بمراحل متعددة كان أولها متمثلاً في موقف صلب إلى جانب السلطات السورية، وقد أخذت الحكومة الروسية بعين الاعتبار ما طرحته السطات السورية حيث تعدى الأمر، منذ أحداث حوران موضوعة المظاهرات السلمية، وعبرت الحكومة الروسية عن ثباتها في رفض أي قرار أو رسالة تصدر عن مجلس الأمن وتدين الحكومة السورية، كما عبرت الحكومة الروسية عن قدرة السلطات السورية على إجراء الإصلاحات.

إن ذلك الموقف الروسي بني تحت تأثير عوامل متنوعة يأتي على رأسها ما أرسته العلاقات الروسية السورية من مصالح استراتيجية لروسيا في اقليم البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، ويضاف إلى ذلك أن خيوط التواصل مع المعارضة السورية لم تكن متوافرة، وأن المخاوف الروسية واردة إزاء معرفتها بعلاقات شخصيات سورية مع الولايات المتحدة والدول الأوربية، ثم لماذا تتسرع روسيا وليس في جعبتها صورة كاملة عن حجم الأزمة وأبعادها، وقد يكون عامل أخر قد لعب دوره وهو عدم المعرفة الدقيقة بتفاعلات وتأثيرات العلاقات السياسية الداخلية على الوعي والاصطفاف الاجتماعي.

لقد استمر ذلك الموقف الروسي أشهراً، ودخل مرحلته الثانية مع تعدد خيوط التواصل مع المعارضة السورية الخارجية، ثم تطور إلى الاعتراف بالمعارضة والاجتماع بوفد منها في موسكو، ويعود العامل الأساس إلى استمرار الأزمة، واتساع النطاقين الديمغرافي والجغرافي وتزايد أعداد الضحايا، وعدم استقرار الوضع حتى في المناطق التي جرت فيها المعالجات الأمنية، والتي لم تعد إلى وضعها الطبيعي، ومن البدهي القول إن روسيا خلال تلك المرحلة تعرفت على وجهات النظر الأخرى وخاصة وجهة النظر الأمريكية والأوربية، والأهم أن الاجتماع مع «المعارضة» وتطمينات أمريكية وأوروبية طرحت على مسامع المسؤولين الروس وذلك لتطمينهم على مصالح روسيا، ناهيك عن عامل أخر وهو دور الأقمار الصناعية في نقل ما يجري على الأراضي السورية، وقبل هذا وذاك، فالحكومة الروسية توفرت لها، عبر طرائق عديدة، معرفة أكبر بالأزمة السورية وأبعادها الاجتماعية.

تحرك الموقف الروسي تحت تأثير تلك العوامل وغيرها. فكانت الموافقة الروسية على الرسالة الرئاسية الصادرة عن مجلس لأمن، وقبل المضي نحو المرحلة الجديدة من السياسية الروسية، فإنه من الهام التنويه إلى أن السياسات الدولية والإقليمية للدول الكبرى تأخذ قنواتها من خلال اللقاءات والمشاورات والصفقات غير المعلنة، أو كما يقال تجري تحت الطاولة وفي الكواليس عميقة الأبعاد.

قد بدأت مرحلة جديدة في تعاطي المسؤولين الروس مع الأزمة السورية، ويشكل تصريح الرئيس ميدفيدف والذي تضمن دعوة صريحة لتعاطي السلطة السورية مع المعارضة السورية وإلا فإن «النهاية حزينة» إن ذلك يتضمن صيغة أخرى لمطلب البدء بمرحلة انتقالية في سورية.

إن التوقف عند عبارة «نهاية حزينة» التي استخدمها ميدفيدف لها جملة من الدلالات يأتي في مقدمتها تأكيد غير مباشر لفكرة أمريكية تكرر معزوفة «انتهاء الشرعية» والأدهى أن تلك العبارة تتضمن معرفة بالخطط والطرائق التي اعتمدتها الولايات المتحدة والدول الأوربية وتبلغتها روسيا بما فيها أن عملية التخلص من النظام السوري عملية لا راد لها خاصة وأن الأوضاع الداخلية تزداد تأزماً وأن عمليات الاحتجاج تتزايد(..) ومن البدهي القول في ضوء ذلك التصريح إن روسيا لن تذهب بعيداً في مواجهة الخطط الأمريكية الأوربية، ويمكن القول إن الفكر السياسي للمسؤولين الروس تقبل بصورة أفضل أفكاراً تتضمن تصريحات أمريكية وذلك مثل القول إن «عملية السلام» ستستمر بشكل افضل عندما ينتهي التحالف الإيراني السوري. ومن يدري فربما أخذ في الحسابات أن فكرة العلاقات السورية الإيرانية إذا ما ظل الأسد رئيساً ستتعمق وتزداد توطداً وتتطور في ميادين التسلح والعلاقات العسكرية ويشكل ذلك تحولاً سورياً جذرياً لإقامة تحالف سوري إيراني إلى درجة تجعل المسؤولين الروس في وضع السعي إلى تجنب تلك الوضعية، وليس من الغرابة في شيء أن البراغماتية السائدة دولياً تدفع المسؤولين الروس إلى قبول أشكال من المقايضات إلى جانب التأكيد أن الحل الأمني لن يجدي وأن «الجهود» تتكثف لإنهاء النظام السوري.

أيمكن القول إن الخطة الأمريكية الأوربية لن تنتهي إلى منتصر سوري، لا السلطة ولا المعارضة، وأن الانتصار سيكون للولايات المتحدة وفرنسا وانكلترا وألمانيا؟ ترى أغاب عن الذهن الروسي خطر اعتماد خطط على أساس وعود تتبخر بسرعة كما تدل صفحات التاريخ؟ وقبل المسؤولين الروس، أنقول أن أي قدر من الفعل والحكمة قد غاب لإنقاذ الوطن وأن ذلك يشكل حجر الأساس في الخطط الأمريكية الأوربية وأن الكثيرين يريدون تطوير الأزمة نحو وضع تكون فيه سورية ميادين حروب بين الأخرين.