رايس «ضيفة» دائمة على دول الحكام المهزومين!

عندما تغيب الإرادة في المواجهة في أي بلد أو منطقة (مثل الوطن العربي) يتقدم الخصوم وتستباح السيادة وتتكشف عورة الحكام أمام شعوبهم وعند ذاك تفرض الضرورة الموضوعية على تلك الشعوب مواجهة الموقف وتعبئة الفراغ الناجم عن هزيمة الحكام، وأخذ زمام المبادرة ورفض الاستسلام.

هكذا كان الموقف غداة إنذار غورو عند يوسف العظمة ورفاقه عام 1920، وهكذا كان الموقف عند سلطان الأطرش ورفاقه في 1 آب 1925، يوم رفضوا إنذار قائد الحملة الفرنسية على جبل العرب إبراهام ميشو «بأن الحملة ذاهبة إلى بيتها ولا يعدم إلا من سيقف في طريقها». وكان الرد باتخاذ قرار الهجوم على الحملة، وكان الانتصار الشهير في معركة «المزرعة» في 2 آب 1925، رغم الفارق الهائل في موازين القوى آنذاك!

وها هو التاريخ يعيد نفسه. فمع كل زيارة لوزيرة الخارجية الأمريكية ـ وقد أصبحت ضيفة دائمة على دول المهزومين في المنطقة ـ نسمع بإنذارات جديدة صريحة أو مغلفة بالتعابير الدبلوماسية، جوهرها استكمال التحضيرات السياسية المطلوبة لاستباحة المنطقة وتفتيت بنيتها الجغرافية والديمغرافية والاجتماعية والثقافية.

فمن دارفور إلى فلسطين والعراق ولبنان، وصولاً إلى أفغانستان وما بينهما: إيران وسورية، كلها ساحة عمليات واحدة من وجهة نظر واشنطن، و«رقعة شطرنج» مستهدفة يجب تطويقها وإخضاعها للمصالح الإمبريالية الأمريكية والصهيونية.

لكن حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر، وإذا كانت المنطقة تعج بحكامٍ من أنصاف الرجال، الذين تزورهم رايس على الدوام وتأخذ موافقاتهم على تسهيل المشروع الأمريكي في المنطقة والسير مع واشنطن على طريق خلق حلف أمريكي ـ إسرائيلي «عربي» ضد أي شكل من المقاومة والممانعة في المنطقة، فإن تجربة السنوات الثلاث الماضية تشير بوضوح إلى عمق المأزق الذي وصل إليه المشروع الأمريكي في المنطقة. فعندما أرادت واشنطن وقف تدهور مشروعها في العراق أوعزت لحكومة الكيان بشن العدوان على لبنان لكسر ظهر المقاومة والإجهاز على حزب الله وشل سورية، فجاءت النتائج معاكسة تماماً حيث تحقق أول انتصار ميداني عربي على جيش  الاحتلال الصهيوني في حرب هي الأطول قياساً لكل ما سبقها، واستخدم فيها التحالف الأمريكي ـ الصهيوني أكثر أسلحته تطوراً عدا السلاح النووي.  وهذا يعني، أنه في حال توفر الإرادة السياسية للمواجهة ليس فقط يمكن الدفاع عن الوطن، بل يمكن تحقيق الانتصار بغض النظر عن الترسانة العسكرية للعدو.

ولعل أكبر مؤشر على المأزق الذي وصل إليه المشروع الأمريكي في المنطقة هو كثرة الجولات المتلاحقة لوزيرة الخارجية الأمريكية رايس إلى دول المهزومين في الوطن العربي، واجتماعاتها مع قادة هذه الدول وقادة أجهزتها الأمنية، والعنوان الدائم لهذه الاجتماعات تقوية ما يسمى بـ«دول الاعتدال» وضرب خيار المقاومة، وفتح الطريق أمام التطبيع مع الكيان الصهيوني بدون مقابل ورفض أي حديث عن السلام الشامل على جميع المسارات.

ففي جولتها السابعة الحالية إلى المنطقة تحاول كونداليسا رايس أخذ موافقة أكبر عدد ممكن من الحكام العرب على حضور الاجتماع الدولي في الشهر القادم لفرض تنازلات عربية جديدة أعمق مما تضمنته المبادرة العربية إزاء الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني. وبدل الاحتجاج على قرار الكونغرس الأمريكي حول تقسيم العراق، نلاحظ النظام الرسمي العربي يتحول إلى أداة بيد التحالف الامبريالي ـ الصهيوني لضرب المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، ومحاولة فرض الحصار على سورية، والانخراط في حلف ضد إيران بحجة الخوف من ملفها النووي.

لا شك أن خيارات التحالف الأمريكي ـ الصهيوني أمام حالات الاستعصاء التي تحدثنا عنها، مفتوحة باتجاه توسيع رقعة الحرب سواء باتجاه إيران أو باتجاه سورية أو لبنان، لكن الثور الأمريكي الهائج أصيب بجراح كثيرة في السنوات الثلاث الماضية.

والأهم أن التمسك بخيار المقاومة الشاملة لمواجهة الاعتداءات المرتقبة، هو الكفيل بإلحاق الهزيمة التاريخية بالوجود الأمريكي ـ الصهيوني في المنطقة.