ابراهيم البدراوي ابراهيم البدراوي

الطبخة المسمومة..

تحركات عارمة تجري هذه الأيام. أتانا رئيس وزراء كيان العصابات الصهيونية. ويشد الرحال إلى واشنطن كل من مبارك وعباس ونتنياهو بعد عودة ملك الأردن من هناك. يأتينا أوباما ليخاطب المسلمين من بلادنا..

تروج أبواق التبعية في المنطقة ببزوغ عصر جديد على يد المبارك، باراك، أوباما. ولا يخجل هؤلاء بفشل رهاناتهم على العدو الأمريكي طيلة السنوات الماضية.

لم ينتج لقاء شرم الشيخ بين مبارك ونتنياهو أي جديد. كرر الأخير كل ما قاله في حملته الانتخابية واستحوذ به على عقول وقلوب العصابات الغاصبة لفلسطين.

الطبخة التي يجري إعدادها هي مقايضة تاريخية. يريدون أن يقايض العرب حاضرهم (ما بقي منه)، بل ومستقبلهم، مقابل مجرد وهم يطلقون عليه اسم «السلام».

نتائج هذه المقايضة أكثر بشاعة من نكبة 1948، ومن وطأة هزيمة 1967، حيث لم يتمكن العدو من هزيمة إرادة المقاومة والإصرار على التحرير. ثم أثبتت حرب أكتوبر1973– التي تم اغتيالها– أننا قادرون على هزيمة العدو. وأثبتت المقاومة أثناء عدوان 2006 على لبنان وعدوان 2008 على غزة، ومواقف الجماهير العربية وغير العربية، أن العدو ليس عصياً على الاقتلاع.

الجديد الآن ليس جديداً بالمطلق، بل هو استمرار لما بدأه السادات، حيث حصل العدو سلماً على ما لم يتمكن من الحصول عليه بالحرب. إذ خرجت مصر الرسمية– وليس الشعبية– من معادلة الصراع. وكان الثمن باهظاً لدرجة هائلة بالنسبة للشعب المصري أولاً، وبالنسبة للعرب. بل أكاد أجزم بأنه أحدث تأثيراً سلبياً عميقاً على الأوضاع الاستراتيجية العالمية، إذ مكن للعدو الأمريكي أن يكون اللاعب الأساسي في المنطقة  للمرة الأولى منذ هزيمة مشروع حلف بغداد ونظرية ملء الفراغ، بفضل التمسك بخط التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية. ولكن النتيجة اليوم بالنسبة لنا في مصر هي الخراب والجوع والتبعية والتهميش إقليمياً ودولياً...الخ.

إن ما يحدث الآن هو محاولة تعميم هذه التجربة رغم حصادها المر، مستهدفاً:

إنهاء كل مقاومة عسكرية أو سياسية... الخ

اعترافاً كاملاً بالكيان الصهيوني من كل البلدان العربية والإسلامية

تطبيعاً اقتصادياً كاملاً بين العدو وجميع البلدان العربية والإسلامية

إنهاء الصراع والتنازل عن كل الحقوق الفلسطينية، بوهم إقامة كيان فلسطيني ضعيف وتابع ومنزوع السلاح وتحت السيطرة الكاملة للعدو الصهيوني، وإنهاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وعدم المساس بالمستوطنات الصهيونية، أي تحويل مابقى من أرض فلسطين إلى مجرد كانتونات.. وضياع القدس نهائياً

ضمان أمن الكيان الصهيوني بمثل ما اتبع في سيناء منزوعة السلاح بالنسبة لأية أرض عربية يمكن أن ينسحب منها العدو

وفي سياق ذلك تجري تصفية الحساب مع سورية وإيران.

 

إن ذلك لا يعني فحسب فتح الطريق أمام التغلغل الصهيوني بشكل واسع وعلني في كل البلدان العربية والإسلامية، ولكنه يعني– وهذا هو الأهم– تنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يعني إتمام الهيمنة على الاقليم العربي الإسلامي من حدود الصين والهند حتى الأطلسي، بكل ما يعنيه ذلك من تفتيت لكل هذه البلدان، والعودة إلى ما هو أسوأ من الاستعمار القديم والجديد معاً، إذ سيكون هذه المرة استعماراً استيطانياً يعمل حثيثا على إبادة شعوبنا.

إن المقابل الوحيد لهذه المقايضة هو حماية النظم والطبقات العميلة الحاكمة.

إن أوباما  ليس أكثر من ابن بار للمؤسسات الأمريكية بطبيعتها الطبقية، وهو مجرد موظف لدى طواغيت المال الأمريكيين والصهاينة، وبالتالي فهو ليس ثورياً يناضل من أجل الحقوق، كما أن الاستراتيجيات لا تتغير بمثل هذه البساطة.

ومن الغريب حقاً أن هذا المخطط يراد تمريره بينما العدو الأمريكي في أضعف حالاته، على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية. إذ يتداعى اقتصاده وتتردى أوضاعه الاجتماعية، ويفقد هيبته دولياً، ويتلقى الهزائم والصفعات عسكرياً وسياسياً في إقليمنا وفي العالم. وبالمثل يعاني كيان العدو الصهيوني منذ هزيمته في لبنان وغزة أكثر من أي وقت مضى من اهتزاز يقينه في القدرة على البقاء.

في علم الإستراتيجية فإن الإمبراطوريات (وحتى الدول) لا تحمي كياناتها القوة العسكرية فحسب (وإن كانت القوة العسكرية من أهم عناصر القوة الشاملة التي يمكنها أن تؤخر الانهيار ولو إلى حين)، لذا فإن تآكل عناصر القوة الشاملة الأخرى هي عوامل لا يمكن كبحها في إحداث الانهيار. لكن القوى الحاكمة في غالبية بلداننا، التي دخلت في خندق الامبريالية والصهيونية طلباً للحماية من شعوب بلدانها، تسير بعكس تيار التطور التاريخي، لا تتعلم لأن التعلم لا يحقق مصالحها. فهي عمياء لا تدرك أن امبراطوريتين هائلتين تم دق آخر مسمارين في نعشيهما في منطقتنا، وكانت كل منهما تمتلك قوة عسكرية جبارة كما كانت كل منهما تمتلك ترسانة نووية (بريطانيا في السويس عام 1956، وفرنسا في الجزائر عام 1962).

وهنا تكمن المفارقة في أن منطقتنا يراد منها أن تمد العدو الصهيو– أمريكي بـ«اكسير الحياة» رغم حالته الصعبة.

هل نأكل الطبخة المسمومة التي يعدها العدو الصهيو– أمريكي وعملاؤه المحليون؟ أم ننهض بمسؤولياتنا، فنقاوم ونقاوم حتى تحقيق النصر عليه وتمام هزيمته. لأن هزيمته لن تتم من تلقاء نفسها؟

آخر تعديل على الثلاثاء, 30 آب/أغسطس 2016 23:05