حاوره: جهاد أسعد محمد حاوره: جهاد أسعد محمد

غالب بو مصلح لقاسيون: جميع المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة التجارة مهددة بالانهيار

أخفقت المحادثات المستمرة في جنيف منذ ثمانية أيام في التوصل إلى اتفاق بشأن اتفاقية تحرير التجارة العالمية، على خلفية تزعم الصين والهند للأصوات الرافضة لما تطرحه الدول الصناعية من شروط لرفع الدعم والحماية عن المزارعين، ولوقوفهما على رأس الدول المعارضة لفتح الأسواق أمام المنتجات المصنعة في الدول الصناعية .

وانطلاقاً من الحرص على متابعة تفاصيل هذا الموضوع الحساس، أجرت قاسيون اتصالاً هاتفياً مع المحلل الاستراتيجي غالب بو مصلح في لبنان، وأجرت معه حواراً سريعاً حول أبعاد إخفاق المحادثات.. 

الأستاذ غالب بو مصلح، كيف تقرؤون فشل محادثات جنيف حول اتفاقية تحرير التجارة العالمية بعد حوارات مارتونية استمرت ثمانية أيام؟!

هذا الفشل برأيي كان منتظراً في الدوحة، حيث كانت المباحثات تتركز حول قضايا أساسية... الزراعة وتحرير الخدمات، وكان واضحاً من الدول الصناعية المتقدمة، أنها لن ترضى بأي شكل من الأشكال، بشطب دعم قطاع الزراعة في بلدانها، حيث تقدم دعماً لهذا القطاع بنسب عالية جداً، وهذا الدعم يؤذي دول العالم الثالث إلى حدّ بعيد، إذ أنه يشكل نوعاً من سياسة الإغراق في أسواقها.

وعلى سبيل المثال ففي كل الاتفاقات التي تعقدها السوق الأوروبية المشتركة مع دول العالم الثالث، يتضح أنها تريد خفض الحواجز الجمركية للحد الأدنى كما حدث في لبنان، فالحد الأقصى للحواجز الجمركية لايتجاوز 5 %، في الوقت الذي يبلغ الدعم في الإنتاج الزراعي عندها 35 %، فالبقرة في أوربا تنال دعماً مقداره أكثر من ثلاثة دولارات في اليوم الواحد، فكيف يمكن للإنتاج الزراعي في بلدان العالم الثالث أن يجاري مثيله الأوربي أو الأمريكي، أو أن يتطور؟

فسياسات الإغراق هذه على صعيد القطاع الزراعي أدت إلى تقلص قطاع الزراعة في العالم الثالث، وجعلت الزراعة مرهقة في دوله مما تسبب الآن عملياً في أزمة حادة على صعيد الغذاء في معظم دول العالم الثالث.

هل تواجه البلدان النامية شروط الدول الصناعية الكبرى نتيجةً للضغط الداخلي المحلي، أم نتيجة تنامي المواقف الوطنية لحكوماتها، أم نتيجة تغير الظروف الدولية؟ كيف تقرأ وقوف دولة كالهند في وجه إرادة الدول الصناعية الكبرى؟

الهند من الدول المتضررة إلى حد بعيد جداً من السياسات الليبرالية، وكذلك الصين، وهناك دول كثيرة تحررت إلى حدّ ما من الهيمنة الإمبريالية، وأصبحت تتطلع إلى مصالحها وليس للانصياع لمصالح الدول الكبيرة.. الهند وغيرها من الدول الفقيرة من حقها أن تعارض سياسات الدول الرأسمالية الكبرى لأنها تعرقل نموها وتطورها.

إلى أين سوف يصل هذا الحوار العقيم بين الجانبين، خاصة وأن المباحثات ماتزال مستمرة وربما يكون هناك يوم تفاوض طويل جديد؟ وهل تعتقد أن المسألة ستُحل في لقاء جنيف؟

لا أعتقد. برأيي السياسات الليبرالية الجديدة تسعى لإسقاط الموانع الجمركية بشكل شبه كلي.. وهذا ما لن تقبله الدول النامية.. إن الفكر الحمائي هو الذي يسيطر على هذه المباحثات.. الولايات المتحدة منذ مدة ليست قصيرة.. استعاضت عن منظمة التجارة العالمية وتحرير التجارة باتفاقيات جزئية التي هي نقيض لهذه لسياسات منظمة التجارة العالمية، لأن هذه السياسة عقدت الأمور أكثر في العلاقات الاقتصادية بين الدول. والآن هناك أكثر من 275 اتفاقاً ثنائياً بين الدول المتقدمة ودول العالم الثالث، والتي هي نقيض لهذه اللبرلة الاقتصادية التي تدعو إليها الولايات المتحدة رسمياً، وتناقضها عملياً.

إلى أي مدى يتناغم الموقف الأمريكي مع الموقف الأوروبي وموقف بعض الكتل الكبرى؟

ليس هناك تناقض، بل بالعكس، بالنسبة للتجارة العالمية والاستمرار في إغراق أسواق دول العالم الثالث بالسلع الزراعية..إلخ.. ليس هناك تناقض، بل تناغم كامل وموقف واحد ضد دول العالم الثالث والتي تضم الآن أكثر من 70 دولة وعلى رأسها الهند والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا.. الدول الصناعية تريد من هذه الدول أن تفتح أسواقها وقطاع الخدمات تحديداً أمام منتجاتها، في الوقت الذي تغلق فيه عملياً سوقها أمام صادرات الدول النامية الزراعية والصناعية بشتى الأعذار، أو تضع أمامها عوائق كثيرة وتلزمها بشروط مجحفة.

والحال كذلك هل ترى ثمة احتمال لانهيار منظمة التجارة، في ظل تناقض ما يريده الأعضاء فيها؟

كل المنظمات الدولية القائمة التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية هي عملياً تحت سيطرة الدول الكبرى، وخاصة سيطرة الإمبريالية الأمريكية وفي خدمتها، وبالتالي الآن هناك مأزق، خصوصاً بعد التغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تطرأ على العالم يومياً، والسؤال: هل سترضى دول العالم الثالث أن تبقى هذه المؤسسات كما هي؟ أم ستُحدث تغييرات جذرية جوهرية فيها تمكنها من تحسين مواقعها وتحقيق مصالح شعوبها؟.

الآن أمريكا وأوربا تقولان أنهما مستعدتان لإحداث بعض التغييرات، ولكن التغييرات التي توافقان عليها شكلية ولا تلبي طموحات الدول النامية.

الآن نتيجة هذه المتغيرات العميقة ونتيجة بداية انحدار قوى الامبريالية الأمريكية.. هذا سيؤدي إلى تباينات جديدة وإلى خلق مؤسسات أكثر قدرة على ترجمة موازين القوى التي تنمو على الصعد الاقتصادية والسياسية كافة، وبالتالي كل هذا النظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، مهدد بالسقوط ويجب أن يسقط لأنه لا يلبي حاجة هذا العالم.

وطبعاً مع هزيمة أمريكا من الطبيعي أن تبرز قوى في دول العالم الثالث، نحو عالم دون أقطاب أو متعدد الأقطاب إلى حد بعيد جداً.. ونتيجة أزمة النظام الرأسمالي العالمي الحالية، لابد أن يخرج نظام جديد على الصعيد العالمي، وأفكار ومبادئ جديدة تنفي وتسقط هذه الليبرالية الجديدة التي لم يطل عمرها كثيراً، لأنها لم تستطع أن تمثل مصالح أية دولة من دول العالم، حتى في الدول الرأسمالية المتقدمة نفسها، حيث أحدثت هذه الليبرالية الجديدة فيها فروقات كبيرة وتناقضات بين من يملك ومن لا يملك.

أعتقد أن العقدين القادمين سيشهدان تغيرات عالمية عميقة على كل الصعد الأيديولوجية، العسكرية، السياسية، والاقتصادية لصالح الشعوب.

آخر تعديل على الإثنين, 05 كانون1/ديسمبر 2016 23:45