معادلات غير رياضية...

-1-

كما سمّرنا أمام شاشات التلفزة لمتابعة إنجازاته نحن وكل من لم يتسن له الوجود على خطوط المواجهة المباشرة طيلة الأيام الثلاثة والثلاثين التي شكلت عمر بطولاته ومفاجآته إبان عدوان تموز 2006، أعاد حزب الله الكرّة في هذا اليوم الذي امتد طويلاً جداً، يوم السادس عشر من تموز 2008، يوم تحرير الأسرى اللبنانيين ورفات عدد من الشهداء اللبنانيين والعرب من سجون ومقابر أرقام الاحتلال الإسرائيلي، مقدماً مع السيد حسن نصر الله، سلسلة مفاجآت تُسري القشعريرة في الأبدان، ولاتقل في الفخر والفرح بها عن تدمير البارجة الصهيونية ساعر5، ولا عن صور دبابات الميركافا وهي تتخذ من جنوب لبنان المقاوم والصامد مقابر ومراجل احتراق لها بسواعد وقذائف المقاومين.

***

دون الخوض في التعليق والتحليل والتفصيل، فإن الرجل المقدام، الذي فاجأ لبنان والعرب والعالم، بظهوره الشخصي في ملعب الراية لتقديم التحية المباشرة للأسرى المحررين، موجهاً ضربة أخرى سيندم عليها «عتاولة» الموساد الإسرائيلي وقياداته السياسية وأزلامها في الداخل اللبناني، قدم خطاباً مقتدراً كعادته، مع رؤية وطنية غير متحفظة تجاه أحد، وتؤكد تمسكها بصوابية خيار المقاومة المتجذر لدى شعوب المنطقة وقواها وأحزابها وتياراتها الحية.. 

ومن قبله انفردت عقدة لسان عميد الأسرى سمير القنطار بعد أن هاله للوهلة الأولى اللقاء الحي والحديث المباشر أمام جمهور عريض طال انتظاره بعد ثلاثين عاماً من الأسر ليقول بالمختصر المفيد للمحتل الإسرائيلي:  «ستترحمون على أيام الحاج رضوان».. و«جئت من فلسطين لأعود إليها (مقاوماً)»..

***

اعتاد خصوم حزب الله وأعداؤه أن يرددوا منتقدين، مهاجمين أن «حزب الله يشكل دولة في قلب دولة».. حسناً.. باختصار شديد وإذا نظرنا في قوام وبنية وإنجازات هذه «الدولة»، بالمقارنة مع غيرها سواء من القوى اللبنانية أو الأنظمة العربية.. فنجد أنها أوجدت قاعدة شعبية داعمة لها على المستوى الطائفي الضيق والوطني اللبناني والامتدادات الشعبية العربية والإسلامية والثورية العالمية المحلقة خارج السرب الأمريكي الإسرائيلي وذلك من خلال تقديم رؤية وخطاب وممارسة وبنية تحتية، ورعاية اجتماعية للفقراء والمحرومين والمظلومين، وتأسيس ثقافي فكري معرفي حياتي وسلوكي انفتاحي، بغض النظر عن الرأي فيه وبمرجعياته واتجاهاته، مع تشكيل بنية عسكرية عالية الانضباط والالتزام والتدريب، وتجيد القتال استناداً بالمحصلة لعقيدة مسندة إلى غياب الفساد والتلاعب، واعتماد الجميع، كل من موقعه، بخيار المقاومة ومقارعة العدو الإسرائيلي وتوجيه السلاح دائماً بالاتجاه الصحيح، وتحقيق الانتصارات وعقد الصفقات الناجحة المتتالية لتبادل الأسرى والشهداء ودائماً عبر إقران القول بالفعل فيما عرف بالوعد الصادق.. فأين موقع الانتقاد في ذلك إذا كان خندق الأحرار واحداً؟

-2-

في توقيت مدروس للغاية من منظور الرموز والإشارات وبينما كان عرب المتوسط يجتمعون في باريس في قمة ما سمي فرنسياً بـ«قمة باريس من أجل المتوسط» وإعلامياً بـ«الاتحاد من أجل المتوسط» أصدرت ما تسمى بمحكمة الجنايات الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير!

***

القضية ليست دفاعاً عن البشير أو أياً من الأنظمة المتتالية التي حكمت السودان دون أن يعرف الاستقرار السياسي الحقيقي طيلة عقود تميزت بتعاظم التدخل الخارجي والإقليمي، التفتيتي التقسيمي له، وطمعاً في ثرواته.. المسألة هي أن بلداً عربياً آخر وضع على عتبة جديدة من الاستهداف الخارجي المندرج في هذا الإطار بحيث يصبح استهداف البشير وأركان حكومته استهدافاً للسودان ببعد جديد بعد سلسلة متتالية القصف والاجتياح والتمرد والتحريض العرقي والديني والمجازر وفرض تقاسم السلطة.. ولو أن مذكرة التوقيف صدرت عن محكمة سودانية ودون أصابع واشنطن لكان هناك حديث آخر..

***

مرة أخرى يجد النظام الرسمي العربي نفسه محكوماً بهزائمه، وتجد غالبية شعوبه نفسها، وفي مقدمتها الشعب السوداني اليوم، أمام ثنائية وهمية مرسومة أمريكياً صهيونياً بعناية فائقة: «إما أمريكا وإما البشير»، دون أن يتوافر أمام السودان وهو على طريق المزيد من التفتيت والتقسيم فرصة جدية حالياً لإيجاد البديل الوطني الحقيقي الموحِّد.. خاصة مع دخول البلد مرحلة من التعطيل والضغوط، وربما المزيد من العقوبات الاقتصادية والسياسية الدولية، قد لا يكون أقلها عدم تمكن البشير من الانتقال أو السفر إلى أكثر من مئة دولة موقعة على ميثاق المحكمة ذاتها، والتي قد لا يمثل في نهاية المطاف أمامها.. أي أن هناك حلقة مفرغة جديدة رُسمت للسودان.. 

-3-

باريس وواشنطن وتل أبيب والبشير ومشاريع الهيمنة متعددة المسميات والمصادر والأشكال.. ونصر الله والقنطار وتبادل الأسرى وعهد الانتصارات... من قال إن معادلات «المغامرين» هي رياضية دائماً وبالضرورة؟

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على السبت, 03 كانون1/ديسمبر 2016 12:37