«إصلاحات» ساركوزي تهدد بنية المجتمع الفرنسي

في أول رد فعل له بعد يوم من الإضراب والاحتجاجات المليونية العارمة في بلاده والتي دعت إليها النقابات على خططه لرفع سن التقاعد استمر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على تعنته بأنه لن يتراجع عن هذه الخطط «الإصلاحية» وذلك في الوقت الذي تتراجع فيه شعبيته وسط أجواء من الفضائح والغضب العام.

ساركوزي الذي لم يتجرأ على الخروج للشارع اكتفى ببيان قال فيه «إن العنصر الرئيسي في هذا الإصلاح هو سن التقاعد الجديد، والذي سيتم رفعه تدريجياً ليصل إلى 62 سنة في عام 2018» (ما يشكل تراجعا عن مكسب اجتماعي يعود لفترة الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران)، مضيفاً «إنه ليس هناك مجال للتراجع عن هذه النقطة»..

وأضاف في معرض رده على الاحتجاجات «إنني منتبه للمخاوف التي تم التعبير عنها. لكنه إصلاح أساسي وليس هناك مجال للسماح لأي شخص بتشويهه، لأن ذلك من شأنه أن يضع في خطر إعادة التوازن لنظام المعاشات التقاعدية لدينا».

وأكد مجدداً أنه سيطلب من حكومته إدخال تعديلات في الإصلاح تتضمن استثناءات خاصة لأولئك الذين بدؤوا العمل قبل سن 18 وبالنسبة لبعض الوظائف التي تتطلب جهداً بدنياً كبيراً.

ويسعى ساركوزي لتعديل نظام المعاشات التقاعدية كجزء من الجهود الهادفة إلى تقليص النفقات وخفض العجز الكبير في ميزانية فرنسا، لكن النقابات والمعارضين السياسيين يقولون إن خطته تضع عبئاً غير عادل على العمال.

 وواجهت خطة ساركوزي لرفع سن التقاعد من ستين إلى 62 سنة احتجاجات واسعة خرج فيها قرابة 1.12 مليون شخص- بحسب وزارة الداخلية و2.5 مليون شخص وفق النقابات- في أكثر من مائتي مدينة فرنسية في محاولة لثني ساركوزي عن موقفه.

وحث رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون من جهته نواب الاتحاد من اجل حركة شعبية على «الانضباط» بشأن رفع سن التقاعد الى 62 عاما و67 عاما (للحصول على معاش معفي من الضريبة) وهما النقطتان الرئيسيتان في إصلاح نظام التقاعد، مشيراً هو الآخر إلى احتمال إدخال تعديلات.

وبينما يعتبر اليسار الفرنسي أن رفع سن التقاعد ظلم بحق العاملين الذين بدؤوا العمل باكراً وامتهنوا أعمالاً مضنية، أكد برنار ثيبو- رئيس الاتحاد العام للعمال الفرنسيين (سي جي تي)- أن الاحتجاجات من شأنها أن تجبر الحكومة على إعادة النظر، محذراً من توابع قد يحدث معها أي شيء، وسط استطلاعات للرأي أكدت أن ما يقرب من 70% من الشعب الفرنسي يؤيدون الاحتجاجات.

وتقول الحكومة إن الإصلاح يمكن أن يوفر سبعين مليار يورو (90 مليار دولار) بحلول عام 2030 في وقت يبلغ فيه العجز العام في فرنسا نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي، هو أعلى بكثير من معدل 3% في منطقة اليورو.

لكن العمال الفرنسيين يدفعون أيضا رسوما اجتماعية مرتفعة على رواتبهم، كما أنهم من بين الأكثر إنتاجية في العالم.

وأدى الإضراب صباح الثلاثاء إلى اضطرابات كبيرة في سكك الحديد والحافلات والطيران. ولم يتم تسيير سوى قطارين من أصل خمسة من القطارات الفائقة السرعة (تي جي في). كما اضطربت حركة النقل في مترو باريس وفي ابرز المطارات الفرنسية.

وفي العاصمة باريس، تقدم قادة ثماني نقابات أساسية في فرنسا من ساحة «لا ريبوبليك» أكبر تظاهرة تشهدها فرنسا بمشاركة مئات آلاف المتظاهرين الذين حملوا لافتات ورددوا شعارات مناوئة لمشروع ساركوزي، أبرزها «العمل للشباب والتقاعد للشيوخ».

ومن المقرر تقديم اقتراح رفع سن التقاعد تدريجياً من ستين إلى 62 عاما بحلول عام 2018 للبرلمان في يوم إغلاق تحرير هذا العدد على أن يصبح قانوناً سارياً أواخر تشرين الأول المقبل.

وتعصف بالحكومة الفرنسية منذ أشهر سلسلة من القضايا خصوصاً التطورات شبه اليومية لفضيحة بيتانكور السياسية المالية (صاحبة لوريال) وأيضا تدهور الوضع الاقتصادي. وفي استعادة للملف الذي أسهم في فوزه في 2007، اعلن ساركوزي نهاية تموز تشديداً لسياسته الأمنية بيد أن ذلك أثار تنديداً داخلياً وقلقاً في الخارج، يهدد، حسب بعض المحللين الفرنسيين والدوليين، بنية المجتمع الفرنسي ويهدد بحرب أهلية على خلفية تنمر الخط الليبرالي على حساب الطبقة العاملة الفرنسية.

آخر تعديل على الأربعاء, 27 تموز/يوليو 2016 23:15