فرنسا تعترف: مدانون بالازدواجية..!

فرنسا تعترف: مدانون بالازدواجية..!

اكتفت الحكومة الفرنسية، التي تعاني أراضيها من عمليات إرهابية متعاظمة في الآونة الأخيرة، مطولاً بالقول إن قواتها العسكرية تقوم فقط بتحليقات بالطائرات فوق الأراضي الليبية، إلا أنها اضطرت خلال الأسبوع الماضي، إلى الإقرار بوجود مقاتلين لها على الأرض، يقومون بمهمات «استطلاعية».

أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية، خلال الأسبوع الماضي، مقتل ثلاثة عسكريين تابعين لها خلال مهمة استطلاع في ليبيا، إثر تعرض مروحيتهم لـ«حادث»، ليكونوا بذلك أول جنود فرنسيين يقتلون في ليبيا بشكل معلن، وليجري الإقرار للمرة الأولى بوجود جنود فرنسيين في البلاد.

فرنسا تلعب على الحبلين..!

ما كان لافتاً في الإعلان الفرنسي هذا، هو ما تلاه مباشرة، حيث نقلت وسائل إعلام محلية عن اللواء خليفة حفتر، قوله: إن هذه القوات الفرنسية الموجودة على الأرض إنما حطّت في البلاد «للقتال مع جنودنا».

في المقابل، عبّر المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» الليبية، برئاسة فايز السراج، عن استيائه من نشر قوات فرنسية في الشرق الليبي دون علمه، كما خرجت مظاهرات في طرابلس ومصراتة ومدن أخرى تندد بالتدخل الفرنسي.

أي أن فرنسا عملياً، تقوم بدعم الطرفين كليهما في الحرب الدائرة في البلاد، فهي سياسياً، ملتزمة بدعم حكومة «الوفاق» الليبية، أما عسكرياً، فتقوم بدعم الطرف النقيض. ما يعني، أن السياسة الفرنسية في ليبيا تقوم عملياً على فكرة إطالة أمد الحرب الدائرة فوق الأراضي الليبية، من خلال الازدواجية، ودعم طرفين متناقضين أصلاً في الداخل الليبي. لتكون بذلك هي المستفيدة الأولى من عملية تدمير وانهيار جهاز الدولة الليبية.

بعد خمس سنوات.. 

ما الذي جنته ليبيا؟

تعتبر العلاقة بين الدول المنهارة، والاقتصاد الأسود، واضحة المعالم، حيث التجارة غير الشرعية الدولية، والتي كانت في التسعينيات تشكل نسبة 30% من التجارة الدولية، تحولت لاحقاً إلى واحدة من مصادر تمويل الانهيارات المالية في الأزمة المالية العالمية في عام 2008، كما أشارت دراسات اقتصادية للأمم المتحدة. وبينما يزداد تأزم المنظومة الاقتصادية العالمية، يزداد وجهها الفاشي بروزاً ليظهر توظيف الانهيارات السياسية لدول كانت قائمة، محولاً إياها مسرحاً للفوضى، ومنطقة متوترة تمنع الاستقرار في مناطق بمجملها. 

وتعتبر ليبيا النموذج الأبرز لذلك، حيث دخلها «الناتو» في آذار عام 2011، مؤدياً إلى انهيار دولتها عالية المركزية، وكانت مدة زمنية أقل من خمس سنوات كافية، ليتشكل فيها اليوم أكثر من 12 ميليشيا مسلحة تتقاسم إدارة مصادر الأموال الإجرامية ومناطق البلاد وبوابات الأعمال غير الشرعية في أفريقيا كلها.. وتؤدي الغرض السياسي الأهم بالإبقاء على «منصة انطلاق» محمية تتحرك منها الفاشية العالمية لتثير الفوضى من بلد لآخر..

رغم تضارب المصلحة الأمريكية الأوروبية بالعمق حيال الملف الليبي، وخصوصاً قضية تمدد الإرهاب بالقرب من سواحل أوروبا، وتزايد أعداد المهاجرين عبر المتوسط إليها، إلا أن السلوك الأوروبي حيال تطورات الوضع السياسي الراهن، تبرهن على استمرار عقلية استعمارية سادت طوال العقود الماضية في تعاملها مع الليبيين، غير أن نتيجة هذه العقلية في الظروف الراهنة تصب أولاً في خانة الأهداف الأمريكية المباشرة في ليبيا.

يبدو إصرار واشنطن على الاستثمار بالفوضى، وإصرارالغرب عموماً على إبعاد دول الجوار عن تيسير الحل الداخلي في ليبيا، مرحلة جديدة في الصراع على رسمة شمال أفريقيا، وربما خوف غربي من تمدد روسيا والصين نحو هذه المنطقة، بحكم علاقاتها الآخذة بالتطور في محيط ليبيا التي ينظر إليها الغرب كمحمية اقتصادية تاريخياً، إلا أن استمرار التدفق المتوقع لمقاتلي التنظيمات المتطرفة إلى ليبيا، سيضع الأوروبيين على المحك في الاختيار بين المصالح العميقة لشعوبهم، والاستمرار في التماهي مع السياسات الأمريكية من أجل مصالح اقتصادية ضيقة، وهو المرجح للظهور أكثر على السطح في المراحل اللاحقة من عمر الأزمة الليبية.