«إسرائيل» والأزمة السورية.. الدور والأطماع

مثلت عملية اختراق الأجواء السورية وتنفيذ الغارة «الإسرائيلية» على منطقة جمرايا أول إطلالة علنية لـ«إسرائيل» على خط الأزمة السورية، فقد حرصت حكومة العدو قبل ذلك على البقاء في حالة شبه صمت إزاء ما يجري في سورية، مستفيدة من تصاعد وتيرة العنف وانفلاته في سورية، وانعكاسه إيجابياً لمصلحة «إسرائيل»، وتحديداً من زاوية إضعاف الدور الاستراتيجي للجبهة السورية.

وكان واضحاً أن هذا العمل كان فاتحة لسلسلة من التحركات العلنية الأخرى لحكومة العدو ضد سورية، وذلك من حيث تزامنه مع اقتراب التوافق حول الحل السياسي في سورية، سواء بين أطراف الأزمة الداخلية أو على المستوى الدولي.

يبدو أن هذا النوع من التحركات قد شرع به العدو لسببين أساسيين، الأول هو أن تكون «إسرائيل» خطا أحمر في المفاوضات المزمع عقدها بين أطراف الأزمة، وبقاؤها ضمن حسابات الجميع في أية تسوية سياسية قد تجري في سورية، ككيان سيرفض أي تهديد محتمل في جبهته الشمالية. السبب الثاني هو: الاستفادة من التراجع في الدور السوري، الذي نشب على خلفية الأزمة، وذلك باتجاه تمدد «إسرائيل» في محيطها وانتزاع دور إقليمي أوسع.

تؤكد جملة من التطورات كانت قد جرت في الأسابيع الماضية التوجه المذكور آنفاً لحكومة العدو، إذ أبدت هذه الأخيرة تخوفات ممن سمتهم قوى متطرفة في المعارضة المسلحة في الجزء المحرر من الجولان السوري، تلا ذلك قيام مسلحين في المنطقة نفسها باختطاف جنود من القوات الدولية المنتشرة فيها ومطالبتهم بخروج قوات الجيش السوري من المنطقة مقابل الإفراج عن الجنود- الأمر الذي يثير تساؤل حول العلاقة ما بين مطلب هؤلاء ومناورات «إسرائيل» العسكرية في منطقة الجولان المحتل- ثم تمت عملية تسليم الجنود للأردن في المنطقة منزوعة السلاح التي تقع عند التقاء الحدود ما بين سورية والأردن والأراضي المحتلة.

تلا كل هذه الخطوات تطور مفاجئ وخطير جرى في المنطقة نفسها، منزوعة السلاح، إذ تسللت أعداد كبيرة من المسلحين عبر هذه المنطقة إلى الأراضي السورية، على مرأى من الموساد «الإسرائيلي» والمخابرات الأردنية، وهذا التطور يعني دخول «إسرائيل» بشكل علني على ساحة الصراع في سورية، ويأتي هذا في سياق ملء الفراغ الناشئ من تراجع الدور السوري في المنطقة، وذلك بإتجاه الضغط عسكرياً على سورية، وباتجاه الهيمنة على الموارد المائية للمنطقة التي تقع مابين سورية والأردن والأراضي المحتلة، كون منطقة جنوب سورية تشكل خزاناً مائياً استراتيجياً هاماً.

مع تقدم الحل السياسي للأزمة السورية تضطر «إسرائيل» لإظهار طابعها العدواني- التوسعي الذي كانت تخفيه في فصول الأزمة الأولى، إذ أنها كانت مطمئنة آنذاك لحجم التناقضات الداخلية ولأخطاء طرفي النزاع، لأن ذلك كان يتيح لها أن تكسب أوراقاً مجانية على مستوى الصراع العربي- الصهيوني، أما وقد بدأ الخروج الآمن من الأزمة السورية يلوح بالأفق، يعود شبح الهزيمة ليؤرق الكيان الصهيوني بما قد يدفعه إلى المزيد من الرعونات..