الرفيق صباح الموسوي لـ قاسيون اليسار الجديد من رحم الحركة الشعبية

يشكل التيار اليساري الوطني العراقي أحد الفصائل اليسارية التي تسعى إلى استعادة الدور الوظيفي لليسار العراقي، والذي ظهر عام 2004 بعد عملية مخاض طويلة.

اللقاء التالي مع الرفيق صباح الموسوي منسق مكاتب التيار اليساري العراقي حول الوضع الراهن في البلدان العربية وطبيعة الحركات الشعبية فيها

 

• تشهد البلدان العربية حراكات شعبية تعبر عن نفسها بأشكال مختلفة، كيف ينظر التيار اليساري الوطني العراقي إلى هذه الحراكات وما هي طبيعتها ؟

التيار اليساري أو اليسار العراقي بشكل عام كان منذ أكثر من عقدين من الزمن خصوصاً في فترة الثمانينيات قد أشار إلى إمكانية انفجار الحراك الشعبي الثوري في المنطقة العربية، ففي عقد الثمانينيات شهدت بعض البلدان العربية انتفاضات شعبية مثل تونس ومصر والمغرب وغيرها من البلدان، وكان الوضع العراقي أيضاً في إطار هذا الجو العربي العام يشير إلى حالة من التأزم بحكم الحرب العراقية الإيرانية وما إلى ذلك. فالتيار اليساري ينطلق من قاعدة معرفية من أن الشعوب لا بد في لحظة ما أن تنفجر في وجه الأنظمة المتسلطة والأنظمة التي سارت في طريق الليبرالية والتي صارت نتائجها الكارثية واضحة مثل التجويع والفقر والبطالة وانعدام الحريات، فكان شيئاً متوقعاً لنا أن تنفجر الشعوب العربية.  وعندما حدثت الثورات والحراكات الشعبية في عدد من البلدان العربية كنا بالمصادفة على بعض الفضائيات في لقاءات ومن ضمنها فضائية الديمقراطية في لندن وأنا كنت في بيروت في هذا اللقاء، وعندما طرحنا موضوعة أن الشعوب العربية في طريقها إلى الانتفاض فإن ممثلي القوى البرجوازية الحاضرين في هذا اللقاء استغربوا فبالنسبة لهم أمر عجيب إمكانية انفجار الشعوب العربية وهم بحالة اطمئنان نتيجة فهمهم القاصر لفترة الانتظار أو ما تسمى فترة السبات. وما أن بدأت الانفجارات والانتفاضات الشعبية العربية أيضاً صار هناك لقاء آخر على نفس الفضائية بدون حضورنا لكن مقدم البرنامج أشار إلى أن اليسار العراقي من الفصائل اليسارية العربية التي أشارت بوضوح إلى إمكانية الانتفاضات الشعبية العربية وآمنت بوضوح أن الشعوب العربية لا بد أن تثور ضد الأنظمة الاستبدادية القائمة والأنظمة التابعة للإمبريالية العالمية.

يبقى هنا ما آلت إليه الانتفاضات والثورات الشعبية العربية فبالنسبة لذوي العقلية البرجوازية الصغيرة والتيارات ضيقة الأفق تتصور بان هذه الانتفاضات أدت إلى صعود الإسلاميين وبالتالي كانت تضحيات الشعوب وفي طليعتها القوى التقدمية قد ذهبت هباءً، أما في واقع الحال نحن في تقديرنا أن الثورات الشعبية العربية مازالت مستمرة ولم تستكمل مهامها، وفي تقديرنا أيضاً على المدى القصير وليس المتوسط أو البعيد ستحقق انتصارات كبيرة .

 

• شهد العراق كباقي البلدان ظهور حركة شعبية عبرت عن نفسها منذ 25 شباط 2011 ما هي تجليات هذا الحراك الشعبي في الظرف العراقي الملموس حسب رؤيتكم ؟

كما أشرت في عام 1989 عندما انتهت الحرب العراقية الإيرانية وكنا حينذاك نصدر جريدة سرية اسمها ( الكفاح )، وأصدرنا في ذلك الوقت بياناً نشر على صفحات هذه الجريدة من أن العراق مقبل بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية على تطورات دراماتيكية كبيرة ووصفناها بالتطورات التاريخية ووجهنا دعوة لكل القوى اليسارية والقوى الوطنية أن تكون جاهزة وأن تقوم بدورها المطلوب في هكذا تطور. تضمنت هذه الرؤية أطروحة أن تحدث انتفاضة شعبية كبيرة في العراق ولم يمر سوى عامين على هذا التقدير وبعد حدوث غزو واحتلال النظام البعثي للكويت حدث ما توقعناه فكانت انتفاضة آذار 1991 التي سقطت فيها كل المحافظات -ما عدا ثلاث محافظات- بيد الثوار، ولولا التغطية والدعم الأمريكي لنظام صدام حسين لكان العراق قد وفر على شعبه كل هذه المعاناة التي مرت على مدى السنوات الماضية. أما في اللحظة الراهنة في تقديراتنا فإن الحراك الشعبي الذي بدء في العراق في 25 شباط 2011 والذي واجه قمعاً شديداً، هذا الحراك كان استجابة وتأثراً بالحراك الشعبي العربي لكن وبنتيجة القمع الشديد الذي واجهه، وسياسات الرشوة، ودخول بعض القوى من بقايا النظام السابق على الانتفاضة وتخوف المنتفضين من إمكانية  استفادة هذه القوى من الحراك وركوب الموجة، كل ذلك ساهم في كبح هذا الحراك لكن لم ينته هذا الحراك. هناك حالة تململ شديدة يعيشها الشعب العراقي لأسباب كثيرة أولها أن الطبقة السياسية الفاسدة الحاكمة تعيش أزمة كبيرة، صراعات على مختلف المستويات وحالة نهب ثروات وأموال الشعب، أصبحت عملية النهب مكشوفة ولعب الإعلام الحديث دوراً مهماً في كشفه حيث هناك أكثر من 40 فضائية في العراق فتبدو عملية السطو والنهب للنفط وأموال الشعب مكشوفة ويمكن مشاهدة تفاصيلها عبر الفضائيات.

المتاجرة بالدين والخطاب الديني أصبح غير مقبول وهذا في مصلحة اليسار بدرجة معينة فهناك حالة تململ نتيجة هذه العوامل إضافة للعوامل المعروفة مثل البطالة وانعدام الخدمات الأساسية مثل الكهرباء وانعدام العدالة الاجتماعية وتقطيع أوصال المدن وخصوصاَ بغداد مقطعة تقطيعاً كاملاً بحيث بغداد مغلقة بعد الرابعة أو الخامسة مساءً وتنتهي الحياة فيها.

 

• ما هو دور ومهام اليسار في الحراك الشعبي المنفجر في العالم العربي من وجهة نظر وتحليل التيار اليساري كإحدى القوى السياسية الفاعلة؟

اليسار العربي لم يكن جاهزاً ونتيجة أزمته البنيوية والفكرية التي مرت لفترة طويلة دون أن يتمكن اليسار من الخروج منها، وهي تشبه الحوارات والنقاشات التي كانت تدور في السبعينيات على سبيل المثال كان هناك السؤال التالي يطرح كثيراً : ( هل هناك أزمة في حركة التحرر الوطني العربية أم لا ؟ ) إلى أن انهار كل شيء بعد اتفاقية كامب ديفيد والسؤال لم تتم الإجابة عليه.

اليسار العربي عند حدوث الثورات الشعبية إضافة إلى انهيار الاتحاد السوفييتي وتراجع الحركة الثورية لم يكن مؤهلاً، فاليسار القديم يسير باتجاه الاضمحلال وفي طريقه إلى الموت واليسار الجديد لم يكن قد ولد بالكامل بعد أو في طور الولادة، وهذا واحد من العوامل الذاتية الأساسية التي أضعفت الهوية الجذرية للثورات والحركات الشعبية في العالم العربي. لكن في إطار وفي صيرورة الثورات الشعبية بدأ اليسار يتبلور بشكل أكثر  وضوحاً ببرامج أكثر جذرية بمعالجات أخطاء الماضي، اليسار بدأ يتبلور من رحم هذه الثورات الشعبية وهذا أفضل ظرف موضوعي لولادة اليسار فأعتقد أن اليسار العربي الجديد في طور التقدم إلى الأمام وكيسار جديد ومتفاعل مع الحراك الشعبي والطبقات الشعبية الكادحة ومن ثم سيكون له دور كبير في المستقبل القريب

 

• هل سيكون التيار اليساري الوطني العراقي أحد عناوين هذا الفضاء السياسي الجديد؟

الآن التيار اليساري الوطني العراقي برز في السنتين الأخيرتين بشكل خاص كقوة أساسية في المجتمع العراقي لا من ناحية الجذور التاريخية فقط وإنما من ناحية الدور الآني الراهن على الأرض.  والتيار اليساري تشكل أصلاً من مجموعة منظمات يسارية ومن مختلف أجيال اليساريين العراقيين المعارضين للمدرسة اليمينية، المدرسة الانتهازية التقليدية قسم من هذه المنظمات تأسس عام 1979 في بغداد بعد هزيمة القيادة وهروبها إلى الخارج، وقسم تأسس في خضم حركة قوات الأنصار في كردستان وقسم تأسس بعد احتلال العراق وسقوط نظام صدام حسين فنشأت مجموعة حول جريدة اتحاد الشعب عام 2004 ، وآخرون ظهروا وخرجوا بعد المؤتمر الثامن باسم كتلة تصحيح المسار. كل هذه المجاميع اليسارية تغطي مختلف المراحل ومختلف الأجيال، أدت إلى تكوين التيار اليساري الوطني العراقي ومن ثم تحول التيار إلى مركز استقطاب للمجموعات اليسارية الأخرى وتوصل بجهد مع المجموعات اليسارية الأخرى إلى أشبه بالتحالف غير المعلن وسيعلن عنه قريباً بمعنى أن القوى اليسارية العراقية الجديدة أو اليسار العراقي الجديد بكل تشكيلاته بما فيه التيار اليساري الوطني العراقي بدأ يتبلور كقطب فكري وأيديولوجي وسياسي في مواجهة القطب الديني أو القطب الليبرالي الجديد الذي حاول أن يجمع بقايا الحركات القومية المفلسة والمتساقطين من المدرسة الشيوعية التقليدية . فالتيار اليساري بالتعاون مع المجاميع اليسارية الأخرى سيكون له دور بحكم الأزمة العميقة الاقتصادية الاجتماعية الموجودة في البلاد  بحكم عدم استقلالية القرار الوطني العراقي وتبعيته للامبريالية الأمريكية من جهة والدول الإقليمية من جهة أخرى سواء إيران أو تركيا وغيرها .