«البيت الأوروبي» يتداعى:  إسبانيا نموذجاً

«البيت الأوروبي» يتداعى: إسبانيا نموذجاً

لا يزال ملف التشغيل يفعل فعله في عموم الأراضي الأوروبية. ففي دول «الأطراف» الأوروبي التي اعتادت على ارتفاع مستويات البطالة إلى حدود غير مسبوقة، بدأت تلك النسب بالوصول إلى حدود التهديد باضطرابات سياسية كما يجري اليوم في إسبانيا.

بينما تصل نسب المعطلين عن العمل في مدينة مثل خيريز في أندالوسيا على سبيل المثال إلى حدود 40% من سكان المدينة، لا يزال الإعلام الأوروبي الرسمي يدعي أن الاقتصاد الإسباني «يتعافى»، مستفيداً من الأرقام التضليلية التي تحاول أن دمج نسب دول الأطراف مع نسب دول المركز الأوروبي، للإشارة إلى أن نسب البطالة لا تزال عند مستويات «معقولة».

بؤر توتر.. ولعب بالأرقام

بات حجم التفاوت الحاصل على الصعيد الأوروبي يهدد علناً بإنشاء بؤر توتر في أكثر من مدينة إسبانية: إذ تصل نسب البطالة إلى 29% في منطقة إيستريمادورا، و32% في أندالوسيا.. إلخ. وهو ما يفتح الباب أمام الشباب الإسباني إما إلى الغرق في مستنقعات وبؤر التهميش الداخلي، أو البحث عن فرص للهجرة خارج البلاد.

وفي طبيعة الأحوال، تزخر تصريحات المسؤولين الإسبان بمحاولات إيهام الناس بأن اقتصاد بلادهم لا يزال فاعلاً، وغالباً ما تجري الإشارة في هذا الصدد إلى قطاع الخدمات والسياحة الذي لا تنعكس نسب نموه رفاهاً حتى بالنسبة لأبناء المدن التي تشهد حركة فاعلة لقطاع الخدمات فيها.

في هذا الصدد، تتوقع الحكومة الإسبانية أن تخيم على البلاد اضطرابات سياسية خلال هذا العام، نتيجة للوضع الاقتصادي السيء. اضطرابات كانت قد بدأت بالفعل، مجبرة ملك إسبانيا، فيليبي السادس، على أن يلغي زيارته للسعودية من أجل بناء 5 سفن بـ2000 مليون يورو، وتوقيع اتفاقيات حول إنشاء سكك حديدية وقطارات سريعة نهاية الشهر الماضي.

قوى جديدة واستحقاقات كبرى

نشر موقع «منظمة الشفافية الدولية» تقريره السنوي حول الفساد في حوالي 168 دولة في العالم في الشهر الماضي، وجاء في التقرير إن الاضطرابات السياسية قد دعمت الفساد في هذه البلدان، ووضعت ترتيباً لها، لتحل إسبانيا في المركز 36 عالمياً.

وبالتوازي مع الاضطرابات الواسعة، شهدت إسبانيا صعوداً لحزبين سياسيين جديدين على ساحة الصراع في البلاد، وهما حزب «بوديموس» وحزب «سويدادانوس»، وفيما يستميل الأول عدداً واسعاً من الشريحة الشبابية الراغبة بالتغيير، لا تزال الاتهامات تلاحقه حول طبيعة ارتباطه بائتلاف «سيريزا» اليوناني، وبالتالي الطعن في مدى جذرية طروحاته وخياراته السياسية.

كما ينشط «بوديموس» بشكل خاص في أوساط المهاجرين الخائفين من تنامي قوة اليمين العنصري الداعي إلى إعادة المهاجرين إلى بلادهم الأصلية. وعليه، تطاله الاتهامات بأنه فاعل في أوساط الإسبان المهاجرين أكثر من الإسبان الأصليين، الذين باتوا يدركون أن حزب «بوديموس» هو محاولة أخرى من الأنظمة لإيجاد مخارج مؤقتة من أزماتها العاصفة.

في مقابل ذلك كله ، هناك ارتباك كبير في المشهد السياسي الإسباني حالياً، في غياب أغلبية مريحة لأي حزب من الحزبين الكبيرين، فرغم حصول الحزب الشعبي على المرتبة الأولى، إلا أن ذلك لن يمكنه من تشكيل حكومة بشكل منفرد، إلا بحليف أو حليفين آخرين، وهو ما لن يتسنى له، خاصة وأن الحزبين الحاصلين على عدد كبير من المقاعد، ينتميان لتوجهات مختلفة تماماً. ومع اقتراب استحقاق تشكيل الحكومة، يشتد الصراع السياسي في البلاد، ملوحاً بإمكانية التصعيد إلى مستويات كبرى، لا سيما أن الأوضاع في إقليم كاتالونيا المطالب بالانفصال لا تزال تدور في حلقة مفرغة، إذ لم تحسم النتيجة حتى اليوم، ومن المتوقع أن تذهب الأمور نحو صراع حاد قد يكون مسلحاً داخل الإقليم.