أوكرانيا «CC»  نموذج التفاوت الأوروبي

أوكرانيا «CC» نموذج التفاوت الأوروبي

في إطار تغطيتها للآثار الكارثية الناجمة عن توتير النزاع في أوكرانيا، تواصل «قاسيون» نشر الإحصاءات والأرقام حول الواقع الاقتصادي- الاجتماعي للبلاد التي تقف اليوم عند حافة الانهيار والإفلاس المالي.

إلى جانب النهب الكبير الذي تكشفه الأرقام المعلنة حول واقع الاقتصاد الأوكراني، تزيل الأرقام الجديدة اللبس حول مستوى تبعية سلطات كييف للمؤسسات المالية العالمية، ولا سيما صندوق النقد والبنك الدوليين.
الأجور: بين المراكز والأطراف
قدم البنك السويسري الشهير «كريدي سويس»، في 21 تشرين الأول 2015، بيانات حديثة حول أفقر الدول في القارة العجوز. إذ تصدرت أوكرانيا القائمة على أساس مستوى دخل الفرد سنوياً، ومستوى الرفاهية العام.
وحسب بيانات «كريدي سويس»، فقد بلغ متوسط الأجر السنوي للفرد في سويسرا 567000 دولار أمريكي، وفي النرويج 321000 دولار، وفي بريطانيا 320000، فيما لم يتعد الأجر السنوي للفرد في أوكرانيا 1437 دولاراً..!
في المفاصل الاقتصادية جميعها، تبدي أوكرانيا تراجعاً كبيراً في دخل الأفراد، ليطال ذلك التراجع مفاصل أساسية في البلاد، كالتعليم والصحة وغيرها، إذ يبلغ متوسط دخل المعلمين الشهري في أوكرانيا حوالي 175 دولار، بينما يبلغ أجر المعلمين الشهري في هولندا 5400 دولار..
وفيما لا يتعدى متوسط الأجور الشهرية للأطباء الأوكرانيين 294 دولاراً، وأجور الأطباء الحاصلين على الدكتوراه 450 دولاراً، تصل أجور الأطباء في سويسرا 8000 دولار شهرياً. وإذا ما حسبنا متوسط الأجور العام في أوكرانيا شهرياً، الذي يبلغ 160 دولاراً حسب بيانات وزارة المالية الأوكرانية، فإن معدلات الأجور في أوكرانيا هي أدنى معدلات في القارة الأوروبية.
إقراض.. تقشف.. تبعية
في دلالة بالغة على تراجع مستويات الاقتصاد وأداء مؤسسات الدولة في أوكرانيا، تجاوزت نسبة التضخم في البلاد عتبة 57% في شهر حزيران عام 2015، بالمقارنة مع نسبة تضخم 25% كانت تعانيها البلاد في عام 2014. وفيما بلغ حجم الديون السيادية الأوكرانية 42% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013، و71% من ناتج عام 2014، وصلت النسبة إلى 93% في عام 2015..!
في هذا السياق، خفضت الوكالة العالمية للتصنيف الائتماني «موديز» تصنيف سندات أوكرانيا السيادية درجة واحدة من فئة «ذات مخاطر عالية» إلى «متعثرة»، مع «نظرة مستقبلية» سلبية. فيما قامت وكالة التصنيف الائتماني الدولية «ستاندرد آند بورز» بتخفيض التصنيف الائتماني للسندات السيادية الأوكرانية من درجة ccc»» إلى مستوى «cc»، وهو المستوى المتعارف على تسميته بـ«ما قبل الإفلاس»، وذلك بعد عدم تمكن كييف من سداد سنداتها البالغة قيمة 500 مليون دولار، وسط تضارب الأرقام حول الديون الأوكرانية الفعلية، بين 19 مليار دولار و50 مليار دولار.
وتشير التسريبات إلى أن السلطات الأوكرانية تهدف إلى تغطية دين خارجي يقدر بـ15.3 مليار دولار، على حساب خطة تمويل جديدة بقيمة 40 مليار دولار، وافق عليها صندوق النقد الدولي مؤخراً.
بناء على ما سبق، تتوضح السياسة المالية لدى دول المركز الأوروبي، والمتمثلة بإقراض دول الأطراف بمبالغ طائلة، لتصبح اقتصادات الأخيرة أسيرة للديون الهائلة التي تمهد الطريق لتمرير خطط التقشف والخصخصة وتفكيك الاقتصادات المنتجة ودفعها نحو التبعية، وصولاً إلى المرحلة الأخيرة المتجسدة بفتح المسارات أمام اقتصاد الخدمات، والاقتصاد الأسود.