نظام المحاصصة ومسرحية انتخاب الرئيس

نظام المحاصصة ومسرحية انتخاب الرئيس

قبل تقييم أداء الخصوم الطبقيين الذين أدوا أدوارهم المرسومة في مسرحية انتخاب رئيس جمهورية العراق  أداءً فاشلاً، علينا أن نجيب على السؤال الأهم: أين دورنا، كيسار عراقي، في المعركة التاريخية الدائرة على أرض بلادنا، والتي تهدِّد بتقسيم العراق؟

في البداية، لابدَّ من الاعتراف، ومن دون اللجوء إلى السلوك التبريري المفلس، من إن اليسار العراقي بشقيه (التقليدي – التجديدي) قد أخفق في الحفاظ على القاعدة الشعبية التي نزلت إلى الشوارع خلال سقوط النظام البعثي واحتلال العراق عام 2003، وبشكلٍّ خاص، تلك الجماهير اليسارية التي خرجت بالآلاف، ومن مختلف الأجيال الشيوعية، في مناسبتي الأول من أيار عيد العمال العالمي، وذكرى ثورة 14 تموز 1958 الوطنية التحررية. الجماهير التي كافحت وقدمت التضحيات من أجل تحقيق مشروعنا اليساري الاقتصادي- الاجتماعي والسياسي.
نحن لا نتحدث هنا عن ماضٍ يساري مليوني في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، أو عن روح يسارية وثَّابة في الثمانينيات خاضت كل أشكال الكفاح، فالقسم الأعظم من هؤلاء لم ييأس من اليسار العراقي فحسب، بل ارتد والتحق بالقوى الدينية الرجعية.
من أبرز أسباب تراجعنا تاريخياً، كحركة ثورية،هو تحويلنا النظرية الثورية بحد ذاتها إلى نص مقدس ، ولعل ذلك نتج عن تجاهلنا المنهج الديالكتيكي النقدي، وتسبب بالمحصلة بضعف صلاتنا مع الجماهير العمالية والفلاحية وعموم الكادحين وضعف علاقتنا بالمثقفيين الذين أردناهم نسخة طبق الأصل عن المناضل اليساري.
لقد اخفقنا، كيساريين تجديدين، في الحفاظ على القاعدة اليسارية التي تطوعت ما بعد 2003 لتبني خيارنا الوطني التحرري، ولا نريد أن نوزع المسؤولية، رغم تحمل «اليسار التقليدي» المسؤولية الأولى في ذلك. فالمهم اليوم هو البحث عن أسباب فشلنا، بالرغم من تبنينا برنامجاً يسارياً طبقياَ ووطنياَ مناهضاً للاحتلال، ووليده المسخ (نظام المحاصصة الطائفية الإثنية الفاسد). لكننا، وإن كسبنا قطاعاً مهماً من القاعدة اليسارية، غير أننا لم نتحول إلى قطب مؤثر في معادلة الصراع الطبقي والوطني على خارطة بلادنا. وعلينا، إذا أردنا أن نجيب على هذه الأسئلة، أن نعيد قراءة الواقع العراقي الراهن وفق منهج جدلي ماركسي متحرر من الصيغ الجامدة أو الشعاراتية. ومن هنا، نتوقف عند مسرحية انتخابات الرئاسات الثلاث.
يعلن حيتان الفساد ورموز الكتل الطائفية جميعاً، بأنهم يلتزمون بالتداول السلمي للسلطة في ظل «النظام الديمقراطي» ووفقاً للدستور. وعند العودة إلى مواد الدستور لم نجد في المواد الخاصة بمبادئ وآلية انتخاب الرئاسات، اشتراط أن يكون الرئيس كردياً ورئيس البرلمان سنياً ورئيس الوزراء شيعياً، إضافة إلى أن المادة (67) الخاصة بالرئيس، تنص على: «في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سببٍ من الأسباب، يتم انتخاب رئيس جديد لإكمال المدة المتبقية لولاية رئيس الجمهورية» وبالرغم من خلوه لما يقارب العامين لم ينتخب رئيس جديد.
إن استخدام الدستور كمئزر الحمام لستر عوراتهم الطائفية والاثنية وللتستر على عمليات نهب الثروات، أسلوب مسرحي لم ينطل على بسطاء الناس الذين لا يفقهون بالدساتير شيئاَ فحسب، بل وانطلى على قطاع واسع من «المثقفين»، بل وحتى الكثير من اليساريين حداً تحولت فيه معركة «الولاية الثالثة» إلى قضية مركزية. وجرى تجاهل شبه تام لطبيعة النظام الطبقية وتبعتيه للإمبريالية الأمريكية وارتباط أقطابه بهذه الدولة الإقليمية أو تلك. وفي واقع الأمر ما هي إلا مسرحية وفق «دستورهم» الذي يستهترون به ويدعون الاحتكام إليه.

صباح الموسوي* : منسق التيار اليساري العراقي