سوق العمل في أمريكا بالأرقام!
ترجمة : ابراهيم محمد علي ترجمة : ابراهيم محمد علي

سوق العمل في أمريكا بالأرقام!

برغم ثراء البيانات المالية، فإن اثنين فقط من المؤشرات يجتذبان اهتماماً واسع النطاق على نحو مستمر: الأول، صافي إنشاء الوظائف الشهري (والذي بلغ 169 ألف وظيفة في أغسطس/آب)، والثاني، معدل البطالة (7.3% في أغسطس، وهو المعدل الأدنى منذ ديسمبر/كانون الأول 2008). ويشير الاثنان معاً إلى تحسن تدريجي ومضطرد للأوضاع العامة في سوق العمل.

شيطان التفاصيل

المشكلة هي أن الأرقام الكلية تسلط الضوء جزئياً فقط على ما قد ينتظرنا في المستقبل. على سبيل المثال، لا يسلم رقم إنشاء الوظائف شهرياً من التشوهات بسبب الأهمية المتزايدة التي اكتسبها العمل بدوام جزئي، هذا فضلاً عن فشل الأرقام في نقل الواقع المتمثل في الأرباح الراكدة. ومن ناحية أخرى، فإن معدل البطالة الكلي لا يعكس العدد المتزايد من الأمريكيين الذين تركوا قوة العمل ــ وهي الظاهرة التي يعكسها بوضوح انحدار معدل المشاركة من جانب القوى العاملة إلى 63.2% فقط، وهو المعدل الأدنى منذ 35 عاماً.
ولكي نتعرف بشكل حقيقي على صحة سوق العمل، فينبغي لنا أن نبحث في مكان آخر من تقرير مكتب إحصاءات العمل. والواقع أن ما تُنبئنا به هذه الأرقام الأخرى ــ عن الحاضر والمستقبل ــ لا يدعو إلى الاطمئنان على الإطلاق.
ولنتأمل هنا الإحصاءات الخاصة بمدة البطالة. ففي نهاية المطاف، كلما طالت مدة بقاء المرء عاطلاً، تتضاءل احتمالات عثوره على عمل بدوام كامل وبأجر لائق.
في شهر أغسطس صنف مكتب إحصاءات العمل 4.3 ملايين أميركي بوصفهم عاطلين عن العمل لفترة طويلة، أي نحو 37.9% من إجمالي العاطلين ــ وهو رقم مثير للانزعاج الشديد عندما نعلم أن الأزمة المالية اندلعت قبل خمس سنوات. ولنتذكر أن هذا الرقم يستبعد كل الأمريكيين المحبطين الذين توقفوا عن البحث عن وظيفة. والواقع أن نسبة تشغيل العمالة إلى عدد السكان، وهي النسبة الأكثر شمولاً، لا تتجاوز 58.6%.
ويُعَد معدل البطالة بين المراهقين مؤشراً آخر بلغ مستوى ينذر بالخطر رغم تقديره بأقل من حقيقته. فمن الخطورة بمكان أن يجازف 22.7% من المراهقين الأمريكيين، الذين يفتقرون إلى خبرات العمل الثابت في مرحلة مبكرة من حياتهم المهنية، بالتحول من عاطلين عن العمل إلى أشخاص غير قابلين للتوظيف في أي عمل.

انعكاسات اجتماعية على التعليم والفقر

ثم هناك المؤشرات التي تربط بين التحصيل التعليمي وحالة تشغيل العمالة. ويتمثل الخطر الأكثر بروزاً هنا في الفجوة المتزايدة الاتساع بين أولئك الذين يحملون شهادات جامعية (حيث لا يتجاوز معدل البطالة بينهم 3.5%) وأولئك من غير الحاصلين على شهادة الدراسة الثانوية (11.3%).
وبدلاً من التأكيد على نموذج التحسن التدريجي المضطرد، فإن هذه الأرقام غير المجمعة تدل على سوق عمل مفتتة إلى حد كبير ومتعددة السرعات ــ وتحمل سمات ومظاهر قد تصبح أكثر عمقاً وتأصلاً في بنية الاقتصاد.
وعلاوة على ذلك، تواصل المدارس الأمريكية، وخاصة في المرحلتين الابتدائية والثانوية، الانزلاق إلى أسفل الترتيب العالمي، وهذا يعني تقييد قدرة الأمريكيين على الاستفادة من العولمة.
لذا، فبرغم استمرار إنشاء الوظائف والإبقاء على المسار النزولي لمعدل البطالة ــ والأمران موضع ترحيب كبير ــ فإن تطور سوق العمل يهدد بتوسيع فجوة التفاوت الكبيرة بالفعل في الدخل والثروة بدلاً من تضييقها، هذا فضلاً عن زيادة معدلات الفقر. وبالتالي فإن آليات الدعم الاجتماعي المثقلة بالأعباء سوف ترزح تحت وطأة ضغوط أعظم. وكل هذا من شأنه أن يضخم حالة الاستقطاب السياسي بدلاً من تخفيفها، ويُعَرِّض أولويات سياسية أخرى ملحة لمخاطر أعظم.

عن موقع: Project- Syndicate.org