دماء فلسطينية على أيدي المتفاوضين

دماء فلسطينية على أيدي المتفاوضين

اصطبغت أيام الأسبوع الفائت في الضفة الفلسطينية المحتلة باللون الأحمر. فقد تناثرت دماء الشباب الفلسطيني على مساحة واسعة، داخل العقل والروح، قبل أن تغطي تراب مخيم قلنديا القريب من مدينة القدس المحتلة. ثلاثة شهداء تم اغتيالهم بالرصاص المتفجر «دمدم» على يد وحدات المستعربين من جيش الغزو والاحتلال.

جاءت عملية الاقتحام، لاعتقال أحد المناضلين الفلسطينيين، الذي توارى عن الأنظار من خلال هبة أهل المخيم التي أفشلت العملية-استنساخ لتجربة جماهيرية ناجحة تمت في مخيم جنين قبل فترة قصيرة- فقامت وحدات القتل بتغطية عجزها بتنفيذ عملية دموية أسفرت عن سقوط الشهداء الثلاثة وأكثر من عشرين جريحاً.
في ظل حالة التوتر التي سيطرت على الشارع الفلسطيني، أعلن مسؤول فلسطيني طلب عدم الكشف عن اسمه لوكالة الأنباء الفرنسية «إلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً عقده في أريحا الساعة الواحدة ظهر هذا اليوم -الإثنين- بسبب الجريمة «الإسرائيلية» التي ارتكبت في قلنديا ومواصلة العطاءات الاستيطانية». لكن الناطقة الرسمية للحكومة الأمريكية التي ترعى المفاوضات، أكدث في اليوم التالي «الثلاثاء» أن الإجتماع حصل حسب البرنامج المقرر يوم الإثنين. الاقتحام الذي تم للمخيم لم يكن حدثاً استثنائياً في برنامج عمل حكومات العدو بالضفة المحتلة، «أكثر من 6 آلاف اقتحام لبلدات فلسطينية نفذ في العام 2012، ونحو 3.200 اقتحام نفذ منذ بداية السنة» حسب ماجاء في افتتاحية صحيفة «هآرتس» الصهيونية يوم 28/08/2013. لكن اللافت في ظل الاقتحام الدموي لمخيم قلنديا، كان توقيته. جنرالات المجازر، ودعاة «كي الوعي» الجمعي والفردي للشعب الفلسطيني، وأصحاب نظريات التهجير القسري والتطهير والمذابح من قادة الأحزاب والحركات الصهيونية لايتوقفون عند جلسة مفاوضات، أو لقاء سياسي مابين ممثلي تلك القوى السياسية وقادة السلطة، كما شهدت الأسابيع الأخيرة في رام الله المحتلة وبودابست، وما يخطط له في مقر المقاطعة خلال الأيام القادمة، وهذا ماعبّر عنه الجنرال احتياط «عوزي دايان» في المقال الذي نشرته له صحيفة «إسرائيل» يوم 17/8، من خلال تأكيد واضح على «الأسس السبعة» التي يجب أن يقوم عليها أي اتفاق مع الفلسطينيين، وفي مقدمتها (الاعتراف بـ«إسرائيل» كدولة للشعب اليهودي، وعاصمتها القدس غير المقسمة، وحدود قابلة للدفاع عنها، العمق الاستراتيجي السيطرة على غور الأردن»، القتال ضد «الإرهاب»، إسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وضع ترتيبات أمنية تؤكد على توفير قدرة الجيش «الإسرائيلي» على ما يطلق عليه توسيع مجال «القتال ضد الإرهاب»: الإحباط والمنع، والمطاردة، وصلاحيات الاعتقال، إضافة إلى السيطرة الكاملة على المجال الجوي، مع ضرورة وضع استراتيجية لعملية المفاوضات). ومن هنا، فإن تلك اللقاءات والاجتماعات، إذا لم تكن في خدمة برنامجهم، فإنها ستكون شهادة حسن سلوك على جديتهم في الذهاب لبناء السلام!.
أما حديث السلطة عن الإلغاء بسبب العطاءات الاستيطانية، فهو محاولة تضليل مكشوفة. فقد ذكرت صحيفة «معاريف» الصهيونية أن «الحكومة أعلنت يوم الأحد إقامة مستوطنة «ليشم» و يتوقع أن يبلغ عدد المستوطنين فيها مئات العائلات، وأنها ستقام كجزء من مستوطنة «عيلي زهاف»، لكن في المستقبل ستكون هذه مستقلة، وأن المخطط يقضي ببناء 400 وحدة أخرى في ليشم».
أما صحيفة «هآرتس» فقد نشرت أن بلدية الاحتلال في القدس «صادقت على مخطط لبناء 1600 وحدة في مستوطنة «رمات شلومو»، كما صادقت على مخططات بناء استيطاني بينها رصد ميزانيات لمشروع «مدينة داود» الاستيطاني في حي سلوان، وإقامة بناء في قلب حي جبل المكبر».
إذاً، على وقع نزيف الدماء وبناء المستعمرات واستباحة المدن والبلدات والقرى، تستمر مهزلة المفاوضات العبثية والعقيمة. لكن الجديد في الأيام الأخيرة، كان الدم الفلسطيني الذي نزف على يد «قوات أمن سلطة المقاطعة». فقد تعرض مخيم «عسكر» للّاجئين الفلسطينيين شمال مدينة «نابلس» لعملية مداهمة عنيفة أدت لاستشهاد الأسير المحرر «أمجد عودة» وإصابة العديد من  أبناء المخيم الذين هبّوا لمنع أجهزة أمن السلطة من القبض على بعض الأسرى المحررين،على خلفية توزيع منشورات لقوى شبابية رافضة للتنسيق الأمني والمفاوضات العقيمة.
رَفْض الأهالي تسليم أبنائهم -تكرار لتجربة أبناء مخيمي قلنديا وجنين- يشير إلى انتقال الحراك الشعبي لمرحلة جديدة يبرز فيها التضامن الواسع مع المناضلين، من خلال بنائه لبيئة حاضنة وحامية من بطش أجهزة القمع، مهما كانت أسماؤها.
 لم تكتف سلطة رام الله المحتلة بماحصل بمدينة نابلس ومخيماتها، بل امتد قمعها الوحشي ليطال مسيرة سلمية وجنازات رمزية لشهداء مخيم قلنديا سارت في شوارع مدينة رام الله واتجهت إلى مقر المقاطعة في المدينة المحتلة/المستباحة. المسيرة السلمية ووجهت بالهروات والضرب العنيف مما أدى لإصابة العشرات وتحطيم النعوش الرمزية الملفوفة بالعلم الفلسطيني.

في ظل هذا المشهد الدامي في أكثر من مخيم ومدينة، وعلى أيدي الطرفين، يتساءل أبناء الشعب عن هدف تلك المسرحية الهابطة التي تتنقل فصولها مابين واشنطن والقدس وأريحا المحتلتين، وعن بازار اللقاءات المتكررة من بودابست إلى مبنى المقاطعة. سؤال مفتوح على وجع النكبة والتغربية على مدى عقود: هل تخفي تلك المسرحيات العبثية المتنقلة ماهو أبعد وأخطر مما هو معلن؟ جواب ستحمله التطورات المتسارعة على أكثر من ساحة.