مفاوضات تأمين التراجع الأمريكي ـ الصهيوني

مفاوضات تأمين التراجع الأمريكي ـ الصهيوني

مما لا شك فيه أن التراجع الأمريكي في المنطقة، الناتج عن أزمة الرأسمالية العالمية المستمرة منذ عام 2008 وحتى اللحظة، يأخذ تجليات عدة في منطقتنا.

يبقى الملف الأهم في المنطقة هو الصراع مع الكيان الصهيوني، وانطلاقاً من الواقع القائل بأن «إسرائيل» قاعدة متقدمة للإمبريالية العالمية، فبالإمكان القول إن دور «إسرائيل» ووجودها يقعان في أزمة مشتقة عن أزمة المركز الإمبريالي العالمي في واشنطن.
أزمة الكيان الصهيوني
تتحدث العديد من التقارير عن إعادة النظر بجيش الكيان وطريقة بنائه، وفتح احتمالات من قبيل إعادة تشكيله على أساس بنية قريبة لبنية العصابات الصهيوينة  كـ«الهاغانا» و«شتيرن» التي شكلت الجيش الصهيوني في النصف الأول من القرن العشرين، وفي وقت سابق تم الحديث عن مراجعات جدية من البنتاغون لحجم الإنفاق العسكري على «إسرائيل» وهو ما يُعد تحولاً استراتيجياً في مسار حياة الكيان وعلاقته بالمراكز الإمبريالية، مما يؤكد الفكرة القائلة باستمرار وتعمق الأزمة الرأسمالية وتجلياتها، كيف لا والبنتاغون نفسه أقر تخفيضات طالت الجيش الأمريكي وميزانية الدفاع لمدة عشر سنوات قادمة!
بالإمكان الاستنتاج مما سبق أن الحديث عن المفاوضات حالياً وإعادة إحيائها ليس نفخاً في قربة مثقوبة لا جدوى سياسياً بل هي تكتيك هام لتنظيم عملية التراجع الأمريكية في المنطقة وتأمين الخروج الأمريكي بأقل الخسائر ريثما يتم «إصلاح المنظومة الرأسمالية» وفقاً للتفكير الأمريكي.
«سلطة أوسلو» الشريك الرسمي
لا يعي المفاوض الفلسطيني في رام الله الحقائق المذكورة آنفاً، وحقيقة الأمر أن القضية ليست قلة وعي سياسي، فبديهيات الأمور تقول إن عقود المفاوضات لم تجنِ إلا مزيداً من الأسر والاعتقال والاستيطان والتهويد واغتيال حقوق الشعب الفلسطيني والعدوان عليه. لكن القضية مرتبطة تماماً بمشروع «سلطة أوسلو» الذي لا يعد إلا جزءاً من المشروع الأمريكي- الصهيوني وهو المعني بتصفية ما تبقى من حقوق فلسطينية من جهة وتنفيس للمشروع الأمريكي-الصهيوني في وقت أزماته كما الآن.
تقول الوقائع إن نتنياهو وافق على الإفراج عن 120 أسيراً في الوقت الذي وقع على بناء 5000 مستوطنة في الضفة والقدس الشرقية، بينما يتأمل محمود عباس بمفاوضات الحل النهائي خلال تسعة أشهر حددها أوباما نفسه وبدأها كيري بجولات مكوكية، وأثنى على «شجاعة» عباس ونتنياهو وتفاءلت بها تسيبي ليفني، وتداعى المعتلون العرب باللقاءات والترويج لها !
باتت اللعبة مخجلة ومكشوفة، ففي الوقت الذي تلهث السلطة وراء وهم المفاوضات، وتتخبط حماس بعلاقاتها الإقليمية، تستمر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة الجهاد وفصائل المقاومة الجدية برفضها لهذه المفاوضات، إلا أن قصور ذلك عن عمل استراتيجي مقاوم في هذه اللحظات، يتيح للكيان الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة ترتيب واقع التراجع بأفضل الشروط وأقل الخسائر.